خصوصية الصراع على العراق
26 جمادى الأول 1439
طلعت رميح

كان غزو واحتلال العراق نقطة التغيير في كل معادلات التوازن في الإقليم، هذا الأمر بات واضحا للجميع وشواهده راسخة في تفاصيل الصراعات الجارية.

 

السؤال الأهم، هو ماذا عن خصوصية الصراع على العراق ذاته، بعد كل ما جرى من تغييرات أحدثها هذا الاخلال في التوازنات الإقليمية إلى درجة الزلزلة، وبمعنى آخر، كيف يجب النظر وتحديد الرؤية لكيفية تحرير العراق في ظل التوازنات الجديدة؟.

 

كان احتلال العراق، هو النقطة الثانية والأهم في المخطط الاستراتيجي الأمريكي في تشكيل خط الوجود والاحتلال العسكري الواصل من أفغانستان وحتى أوكرانيا، وهو خط نظرت إليه الاستراتيجية الأمريكية باعتباره محور ارتكاز يجري العمل على طرفيه – باتجاه باكستان جنوبا ودول البلطيق شمالا - وعلى ضفتيه لتغيير أعمق في النفوذ والدور الأمريكي، باتجاه الدول العربية والإسلامية – الخليج وسوريا وتركيا وفي دول أوروبا الشرقية من جهة، وفي مواجهة الصين وروسيا من جهة أخرى –وهكذا جرى استخدام العراق وأفغانستان كنقاط ارتكاز لتحقيق الأهداف الإقليمية والدولية.

 

وهنا جرى جلب الدور الإيراني – ضمن أدوار دول أخرى موزعة على هذا الخط -وتوظيفه في خدمة تلك الاستراتيجية بوجهيها الأول: أن يقوم الدور الإيراني بخلخلة الأوضاع وإثارة الاضطراب والتفكيك في العراق وسوريا ودول الخليج، والثاني: بإنهاك القوة الإيرانية وجعل الوضع الداخلي للنظام الإيراني في وضعية صراع بين الدور الخارجي ووضع حياة المواطنين في الداخل.

 

وإن حاولت إيران ركوب ظهر القوة الأمريكية لتحقيق الأهداف الخاصة بإيران – لا الأمريكية فقط - لمد نفوذها ودورها الاستعماري في الإقليم وتوسيع وتوطين نفوذها، وهو ما لا يرضي صانع الاستراتيجية الأمريكية التي تنظر له باعتباره خروج على النص الموثق تاريخيا للدور الوظيفي لإيران، كدولة منضبطة بأهداف الاستراتيجيات الغربية وتحديد أهدافها من داخل المصالح الغربية وليس على حسابها.

 

كان الأهم هنا أن العراق صار مغلقا عليه في داخل الاستراتيجية الأمريكية، والإيرانية بالتبعية، وهو وضع لم تتمكن بعض المحاولات الخجولة من قبل روسيا –عبر اللجنة المشتركة التابعة لرئاسة أركان روسيا والعراق وسوريا - ولا الدول العربية عبر العودة للتمثيل الدبلوماسي وغيره من كسر هذا الطوق المغلق حول العراق.

 

وهكذا بقي وضع الصراع على العراق مرتهنا أو مسورا من السيطرة للولايات المتحدة وإيران، بما نمّى المجموعات الموالية لكليهما، والأهم أنه صنع وضعا مغلقا أمام أية مساندة حقيقية للقوى الوطنية الرافضة للاحتلالين من قبل أي طرف عربي أو إقليمي أو دولي، وهي حالة ساعد عليها ما جرى من اضطراب وصراعات حادة جارية داخل دول الإقليم أو حولها.

 

وبمعنى آخر، فإن تغيير التوازنات داخل العراق صار مرهونا بدرجة أو بأخرى بأوضاع الإقليم وبالوضع الدولي، كما صار تغيير هذا النمط من التوازنات داخل العراق أمر ملقى على عاتق القوى الوطنية العراقية، التي بات مطلوبا منها كسر الطوق المحيط بها.

 

وبمعنى أشد وضوحا فقد صار أمرا مهما أن تؤدي القوى الوطنية العراقية، دورا عربيا وإسلاميا لتغيير المعادلة، ولذا يقال مثلا قلنا ونقول إن التغييرات والاضطرابات الجارية في إيران أحد الأمور المهمة للغاية في صالح القوى الوطنية العراقية، وإن انكسار إيران في كل من اليمن وسوريا هو لمصلحة تلك القوى، وإن ضعف الولايات المتحدة وشدة التنافس الدولي معها يعزز وضع القوى الوطنية العراقية، وكذلك يمكن القول بأن صعود تركيا هو عامل قوة لتلك القوى أيضا بحكم إضعافه لمعالم قوة إيران في الإقليم.

 

إن أحد خصوصيات الحالة العراقية هو تلك النقطة، فالقضية الفلسطينية نظر إليها باعتبارها قضية العرب والمسلمين بل وكانت عنوانا لصراع عسكري شاركت فيه بعض الجيوش العربية، والقضية السورية شهدت دورا دوليا – عبر روسيا وفي مواجهة الدور الأمريكي والعكس - ودورا عربيا بل ودورا تركيا متصاعد كما نرى في معركة عفرين، والقضية اليمنية شهدت قفزة في الدور العربي - بغض النظر عن ملامح وملابسات هنا وهناك - وصل إلى درجة التدخل العسكري المباشر في مواجهة قوة الحوثيين المدعوم إيرانيا، وكلها حالات مختلفة عن الحالة العراقية.

 

هنا فإن أهل العراق الذين يسعون إلى تحريره، لا شك باتوا يدركون أن تحرير العراق مرتبط برؤية ومتابعة وصناعة التغييرات في الوضع الإقليمي – والدولي - من جهة، ويتطلب سعيا للتواصل مع القوى العربية والإسلامية التي تسعى لتحرير أوطانها هي الأخرى لكسر دورة إغلاق العراق على توازنات صنعها المحتلون في العراق.

_________________________________________

* المصدر: موقع (الهيئة نت)