فصل جديد من فصول تهجير السوريين
6 شعبان 1439
د. زياد الشامي

لا يبدو أن مخطط تهجير السوريين وتشريدهم في الأرض يقتصر على طاغية الشام ومرتزقة الرافضة بدعم روسي وضوء أخضر أمريكي غربي وتواطؤ أممي مفضوح فحسب فهناك ما يشير إلى وجود جهات أخرى تشارك في هذا الفعل المشين ما يؤكد أن الأمر يتجاوز مسألة التهجير من الموطن الأصلي ومسقط الرأس إلى التشريد في الأرض والتهجير المتكرر والحرمان من الاستقرار في أي مكان على وجه البسيطة .

 

 

آخر فصول تهجير السوريين كانت من لبنان حيث وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قيام 13 بلدية في لبنان على الأقل بالإجلاء القسري لـ 3,664 لاجئا سوريا على أقل تقدير من منازلهم وطردهم من البلديات بسبب جنسيتهم أو دينهم بينما ما زال 42 ألف لاجئ آخرين يواجهون خطر التهجير "الإجلاء" .

 

 

المنظمة الحقوقية أكدت في تقرير لها أمس الجمعة تحت عنوان "منازلنا ليست للغرباء : البلديات اللبنانية تُجلي آلاف اللاجئين السوريين قسرا" عدم تناسق الأسباب التي تقدمها البلديات لطرد السوريين وعدم حماية حقوق اللاجئين من قبل الحكومة اللبنانية , ما يعني أن العمل متفق عليه وقد دُبّر بليل كما يقال .

 

 

الأسباب الواهية التي استند إليها مسؤلوا البلديات اللبنانية لتبرير أكثر 3 آلاف عملية تهجير قسري حصلت منذ 2016 وحتى الربع الأول من 2018م هي : عدم احترام قوانين السكن !! الأمر الذي نفته المنظمة الأممية مؤكدة أن التدابير التي اتخذتها البلديات استهدفت المواطنين السوريين مباشرة وحصرا دون المواطنين اللبنانيين أو أشخاص من جنسيات أخرى .

 

 

مدير برنامج حقوق اللاجئين في المنظمة الأممية وكاتب التقرير "بيل فريليك" قال : "البلديات لا تملك التبرير الشرعي لإجلاء اللاجئين السوريين قسرا إن كان هذا الأمر يحصل على أسس تمييز وفق الجنسية أو الدين" وتابع أن "إجلاء أي لاجئ سوري، أو أي شخص آخر، يجب أن يكون على أساس فردي ولأسباب شفافة، قانونية، ومتناسبة وفق إجراءات سليمة".

 

 

إحدى أبرز أسباب التهجير الواضحة حسبما كشفت عنه المنظمة الأممية بعد شهادة عشرات اللاجئين السوريين المهجرين ومسؤولين في البلديات وخبراء قانونيين كانت دينية , فقد بينت المنظمة الأممية أن جميع السوريين الذين تم إجلاؤهم والذين تمت مقابلتهم "مسلمون" !!

 

 

التقرير الأممي أوضح أن التهجير "الإخلاءات الجماعية" التي طالت اللاجئين السوريين بشكل متزايد في الربع الأخير من عام 2017م والتي قُدرت بتهجير حوالي 14 ألف سوري كان مصدرها بعض البلديات ذات الغالبية المسيحية.......وهو ما يشير بوضوح إلى الطابع العنصري في عمليات التهجير .

 

 

وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية اعترفت للمنظمة بأنه تم تهجير "إجلاء" 7,524 سوريا من محيط مطار رياق العسكري في 2017 بينما ينتظر 15,126 آخرون تنفيذ أوامر "الإخلاء" ...ما يعني أن التنسيق والترتيب بين رؤساء البلديات ومؤسسات الحكومة في هذا الأمر على قدم وساق .

 

 

لا يمكن حصر التأثيرات المادية والمعنوية السلبية جراء عمليات التهجير التي تقوم بها البلديات اللبنانية بحق اللاجئين السوريين إلا أن أبرزها خسارة اللاجئين مدخولهم وممتلكاتهم وتعطيل تعليم أولادهم وغياب الأطفال عن المدرسة لشهور أو حتى تركها نهائيا ناهيك عن العنف الذي تعرض له السوريون من قبل السلطات اللبنانية أثناء عملية التهجير "الإخلاء" .....

 

 

الهدف الأبرز المعلن لعمليات "الإخلاء" التي قامت بها بعض البلديات اللبنانية هو دفع المهجرين السوريين إلى مغادرة لبنان والعودة إلى النظام النصيري حسبما أكد أحد الشهود الذي قال :  إن عناصر من شرطة البلدية ركلوا باب منزل أسرته وقرعوه بعنف في أغسطس 2017 طالبين رؤية أوراقهم ...مضيفا : "جعلونا نوقّع ورقة تجبرنا على مغادرة المنزل ومدينة "زحلة" والعودة إلى سورية فأجبتهم بأنني أتمنى العودة إلى سورية ولكنني لا أستطيع".

 

 

ليست المرة الأولى التي تنتشر على وسائل الإعلام تصريحات المسؤولين اللبنانيين المطالبة بضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى قبضة النظام النصيري دون أي حماية دولية أو ضمانات بعدم التعرض للقتل أو السجن أو التعذيب أو التجنيد الإجباري في صفوف الطاغية ....فقد تكررت هذه التصريحات على لسان أكثر من مسؤول لبناني مؤخرا .

 

 

لم تمنح السلطات البلدية اللائجين أي فرصة للاعتراض على قرار إخلائهم أو حتى إجراءات الحماية القانونية الأخرى وفق المعايير الدولية , بينما اكتفت المنظمة الأممية بدعوة السلطات الحكومية اللبنانية المعنية - ومنها وزارة الداخلية -  إلى أن تتدخل لمنع سوء معاملة البلديات للاجئين السوريين وضمان عدم بقائهم بلا مأوى ومعوزين بسبب أفعال غير قانونية .

 

 

من الواضح أن غالبية دول العالم لم تتفق فحسب على ضرورة إجهاض الثورة السورية ومنعها من إسقاط طاغية الشام فحسب , بل اجتمعت أيضا على معاقبة السوريين الثائرين بأشد أنواع العقوبات وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الاستقرار ليدفعوا المسلمين إلى اليأس من التخلص من الاستبداد والظلم والطغيان المحرم في دين الله الإسلام .