مسلمو فرنسا في دائرة الاستهداف من جديد
10 شعبان 1439
د. زياد الشامي

دون مناسبة أو سبب مباشر يتم استهداف مسلمي فرنسا من جديد من قبل المتوجسين من تزايد أعدادهم في البلاد والتهمة هذه المرة "معاداة السامية" التي دأبت الصهيونية العالمية على استخدامها كسلاح ضد كل من تعتبرهم أعداءها أو يشكلون خطرا على تنفيذ مخططاتها .

 

 

وإذا كانت السلطات الفرنسية تفتعل الأزمات لتضع نفسها في مواجهة مع دين الله الخاتم وأتباعه عبر توجيه أصابع الاتهام للمسلمين في كل حادثة عنف تقع في البلاد بل واتهام الإسلام بأنه مصدر التطرف وما يسمى "الإرهاب" كما صرح بذلك صراحة الرئيس الفرنسي السابق "هولاند" العام الماضي .....فإنها اليوم لم تنتظر ذلك بل أطلقت سهام حقدها على دين الله الحق دون مبرر أو سبب مباشر .

 

 

في مقال نشرته صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية الأحد الماضي وحمل عنوان "ضد معاداة السامية الجديدة" تم التحذير مما وصفه المقال بــ "التطرف الإسلامي" و دق ناقوس الخطر ضد ما اعتبره "تطهيراً عرقيا صامتا" تتعرض له الطائفة اليهودية في المنطقة الباريسية حسب زعم المقال .

 

 

لم يكن الموقعون الـ300 على المقال أناس عاديون بل خليط من السياسيين و"الفنانين" و.... بينهم الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء السابق مانويل فالس والمغني شارل أزنافور والممثل جيرار ديبارديو....مما يشير إلى مدى حرص أعداء دين الله على إظهار توافقهم واجتماعهم على أمر واحد بات معروفا ومكرورا في الآونة الأخيرة .

 

 

تطاول الموقعين على المقال بلغ هذه المرة درجة مطالبة المسلمين القيام بإبطال سور القرآن التي تدعو إلى "قتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والملحدين" حسب زعمهم متناسين أن كتاب الله محفوظ بحفظ الله تعالى له من التحريف والتبديل والتغيير { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر/9 وأنه لا يمكن لأحد التلاعب بحرف من حروفه أو كلمة من كلماته خلافا لتوارتهم الذي حرفوه وغيروا ما فيه بأيديهم : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } البقرة/79 .

 

 

وبعيدا عن مناقشة مضمون الافتراء والكذب والتضليل الموجود في نص المقال الذي يتهم الإسلام بالعنف والتطرف فإن المضحك المبكي فيه هو مطالبة المسلمين المضطهدين في شتى بقاع الأرض بالتخلي عن العنف الممارس ضدهم من غالبية الممل والنحل الأخرى , ناهيك عن صدور اتهام نصوص الإسلام بـ"التطرف والعنف" من قبل الصهاينة الذين حرفوا نصوص توارتهم لتصبح مليئة بأشد أنواع العنف والتطرف الذي يمكن أن يتصوره إنسان .

 

 

من هنا كانت ردود الأفعال على مثل هذه الخطوة التي تصب الزيت على نار الاسلاموفوبيا المشتعلة في فرنسا وعموم دول القارة العجوز أصلا شديدة  , فقد ندد الكثير من ممثلي المسلمين ومسؤولي المؤسسات والهيئات الإسلامية في فرنسا بالمقال العنصري .

 

 

عمدة جامع باريس الكبير "دليل بوبكر" قال في بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية: "إن الإدانة الظالمة والهذيان الجنوني بمعاداة السامية في حق مواطنين فرنسيين مسلمين عبر هذا المقال يهددان جدياً بإثارة طوائف دينية ضد أخرى" .

 

 

وأضاف بوبكر أن "المواطنين الفرنسيين المسلمين المتمسكين بأكثريتهم بالقيم الجمهورية لم ينتظروا هذا المقال بل هم ينددون منذ عقود ويحاربون معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين في كافة أشكالها" .

 

 

من جهته ندد عبد الله زكري رئيس المرصد الوطني الفرنسي ضد كراهية الإسلام بما اعتبره جدلاً "مثيراً للغثيان وكارثيا" مضيفا أن "رجال السياسة الفاشلين الذين يعانون من عدم الاهتمام الإعلامي بهم وجدوا في الإسلام والمسلمين في فرنسا كبش فداء جديداً".

 

 

رئيس مجلس الديانة الإسلامية أحمد أوغراس علق على المقال بقوله : "هذا المقال لا معنى له وخارج الموضوع" بينما اعتبر "طارق أوبرو" إمام مسجد بوردو الكبير أن "القول بأن القرآن يدعو إلى القتل قول بالغ العنف وسخيف" مضيفا : "القرآن نزل بالعربية وأعتقد أن الذين وقعوا على المقالة قرأوا ترجمة للقرآن وتفسيراً له، هذا يدل على نقص في الثقافة الدينية ..." .

 

 

وفي مقال نشرته صحيفة لوموند كتب 30 إماما : "ندعو بقية مواطنينا وخصوصا المثقفين والسياسيين الى البرهنة على حكمة أكبر" . وأضافوا : "فكرة أن القرآن بحد ذاته يدعو الى القتل تتسم "بعنف غير معقول" مشيرين إلى "أنها توحي بأن المسلمين لا يمكنهم أن يكونوا مسالمين ما لم يبتعدوا عن ديانتهم" ، مدينين "جهلا مضرا" وغير مثمر .

 

 

لا يبدو أن هذه المحطة ستكون الأخيرة في طريق الاسلاموفوبيا الطويل في فرنسا التي سيتجاوز عدد المسلمين فيها عتبة الـ13 مليون بحلول عام 2025م حسب بعض مراكز الدرسات الأوروبية , فالواضح أن مستوى خطاب الكراهية واضطهاد المسلمين هناك يسير نحو التصعيد الممنهج لتحقيق غايات وأهداف باتت معلومة .