تقلبات ترمب هل منحتْ بوتن ما لم يحلم به القياصرة؟
9 ذو القعدة 1439
منذر الأسعد

كان حلم قياصرة روسيا –منذ ثلاثة قرون من الزمان- الوصول إلى المياه الدافئة!
حقق أوباما لبوتن حلم أسلافه؛ لكن ترمب يحقق له ما لم يتخيله القياصرة ولا ستالين في ذروة توحشه وتغوله على حساب شرقي أوربا؟

 

حفلة مدح وقدح
كانت الجلسة الأخيرة التي جمعت الرئيسين الأمريكي والروسي في العاصمة الفنلندية سرية إذ لم يحضرها سوى المترجمين. ولذلك لا يعلم مخلوق آخر من خارج تلك الغرفة،حقيقة الاتفاقات غير المكتوبة بين ترمب وبوتن.

 

لكن ابتهاج الكرملين وتغريدات ترمب ينبئان بكثير من الأرباح التي حصدها الروس .. لا أعني مزاعمهم التي يسهل نفيها –إن كان ادعاؤهم صدقاً أو كذباً-
بل الاضطراب الذي اشتعل في الساحتين: الأمريكية  صراخًا، والأوربية همسًا.

 

بعيدًا عن الانطباعات السائدة، يستطيع المراقب الموضوعي أن يغوص في قلب الهدية التي حظي بها الكرملين وهي تفوق خيالاته .. فقد أسدى إليه ترمب  خدمة حاسمة، إذ أسفرت تقلباته التي يتعذر التنبؤ بها، عن وهن واضح في التحالف الغربي ، وخاصة تغريدات ترمب التي أسبغ فيها الثناء المفرط على بوتن، وهاجم خلالها حلف الناتو الذي تقوده واشنطن منذ تأسيسه قيادة متفردة؛ وشمل الذم الاتحاد الأوربي الذي شكك ترمب في صدق تحالفه مع بلاده؛ وانتهت " الحفلة" السوريالية بالطعن في سلطات أمريكية عليا  تضم أجهزة الاستخبارات والتحقيق .  

 

صحيح أن الرئيس الأمريكي يدافع ضمنًا عن نفسه، لأنه المقصود الأول في  الشكوك المتعلقة بتدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية  التي أدت إلى دخول ترمب البيت الأبيض.

لكنها المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي يطعن فيها رئيس أمريكي في حلفائه الأقربين.

صحيح أن ترمب تراجع عن مواقفه فور عودته إلى واشنطن، بضغط الاعتراض العنيف عليها، واستجابة لنصائح مقربين منه على رأسهم وزير خارجيته ماك بومبيو.

 

غضب سياسي وإعلامي
أثارت تصريحات ترمب  موجة سخط علنية لدى شريحة واسعة من الطبقة السياسية الأمريكية، لم تقتصر على خصومه الديمقراطيين؛ فقد دخل الحلبةَ رئيس مجلس النواب بثقله كله وكال الاتهامات لموسكو، وتوعدها بمزيد من العقوبات.
ونددت الصحافة الأمريكية  بما جرى في إجماع نادر الحدوث.

 

فواشنطن بوست نشرت افتتاحية  شديدة اللهجة بعنوان: ترمب تواطأ علنًا مع روسيا! بينما طالبت (روث ماركوس) نائبة رئيس تحرير صفحة الرأي في الصحيفة، كبار المسؤولين في إدارة (ترامب)  بتقديم استقالات جماعية، وقالت لهم : "استقيلوا الآن، حفاظاً على أرضكم، حفاظاً على شرفكم، حفاظاً على سمعتكم، أو ما تبقى منها" .

 

وأما نيويورك تايمز فقالت في افتتاحيتها بلغة خشنة: "الرئيس ألقى بنفسه عند قدمي فلاديمير بوتين" وادعت أن (ترمب)  خاض "معادلة غير أخلاقية" في هلسنكي عندما حمَّل روسيا وأمريكا مسؤولة تدهور العلاقات، خصوصًا أن تصريحاته أتت في الوقت نفسه الذي أصدر فيه (مولر) 12 اتهامًا وجهها لمسؤولين عسكريين روس،وهي تتعلق بهجمات إلكترونية والتدخل في الانتخابات.

 

بينما بلغ الغضب لدى الكاتب الشهير توماس فرديمان حدَّ اتهام الرئيس بخيانة القسَم! وهو سلوك لا سابقة له في التاريخ الأمريكي كله.

 

تحذيرات لم تجد أذنًا صاغية
منذ الإعلان عن قمة هلسنكي بين ترمب وبوتن ،حذَّر ساسة وإعلاميون غربيون من اقتصار القمة على الرئيسين وحدهما.

 

فقد نقلت التايمز البريطانية عن مصادرها  أن كثيراً من المسؤولين الغربيين يخشون بشكل كبير من الاجتماع المرتقب بين الرئيسين الروسي والأمريكي في هلسنكي؛ ويعتقدون أن ترمب سيقدم تنازلات خطيرة لروسيا في المفاوضات الثنائية، ومنها: الاعتراف بأن شبه جزيرة القرم روسية وانسحاب القوات الأمريكية من ألمانيا.

 

وأضافت أن أوربا تعتقد   أن ترمب ينوي اتباع سياسة مؤيدة لروسيا تجاه الاتحاد الأوربي، الذي سيحاول ترمب تدميره!!. وتم الكشف في وقت سابق عن عرضٍ قيل: إن الرئيس الأمريكي قدمه لنظيره  الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانسحاب من الاتحاد الأوربي، ووعده  بتداول تجاري أفضل لفرنسا إذا فعل ذلك.
وفي مقال نشره نعومي فرومكين - رئيس «معهد الاستشراق» التابع لأكاديمية العلوم الروسية – يلمح القارئ بين السطور أن الروس مغتبطون جداً برهان ترمب على بلدهم على حساب حلفاء أمريكا التقليديين في أوربا وكندا!