خبير بشؤون البلقان: كوسوفا لم تحصل على استقلالها دولياً بعد.. مستوى العلاقات العربية معها متدنٍ.. 5 دول إسلامية فقط اعترفت بها
8 شوال 1429
همام عبدالمعبود
مشروع قرار صربي يقترح العودة إلى محكمة العدل الدولية للنظر في شرعية إعلان استقلال كوسوفا "من جانب واحد" عن صربيا، ينتظر البت فيه الأربعاء 8/10/2008 ، واستدعى إطلاق استغاثة من د.كمال مورينا، نائب رئيس كلية الدراسات الإسلامية بالعاصمة الكوسوفية بريشتنيا، تدعو الحكومات العربية والإسلامية إلى عدم "الانخداع بالدعاية الصربية، واتخاذ قرار خاطئ بالتصويت لصالح الحكومة الصربية الملطخة أيديها بدماء إخوانكم المسلمين" عشية التصويت على القرار، التقينا لهذا السبب الخبير والمحلل السياسي المصري هاني صلاح، المتخصص في شئون منطقة البلقان الذي لاحظ من جهته استياء المجتمع الكوسوفي من الأداء العربي الرسمي فيما يخص استقلال الجمهورية، الذي أدركوا أنهم حينما تعرضوا لحملات إبادة من قبل الصرب، كانوا يرون المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية تقف إلى جانبهم؛ بينما الآن وبعد أن أقاموا دولتهم التي اعترف بها حتى الآن نحو 46 دولة في العالم غالبيتهم دول أوروبية، بينهم خمس دول إسلامية فقط أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 56 دولة!!.
ونقل بناء على مؤتمر العلاقات العربية الكوسوفية، والذي عقد في 25 أغسطس الماضي بكوسوفا، وحضره نخبة من المثقفين العرب من عدة دول عربية مختلفة مثل: الأردن وسوريا ولبنان ومصر، بجانب نظرائهم من المثقفين الألبان، بهدف إعادة تقييم وصياغة العلاقات العربية الكوسوفية على المستوى الشعبي المدني، وقد لاقى المؤتمر الذي يعد الأول من نوعه في تاريخ كوسوفا، ترحيب واهتمام الحكومة الكوسوفية فضلا عن الاهتمام الإعلامي الكبير، ـ نقل ـ خيبة أمل الكوسوفيين إزاء الأداء العربي الرسمي، وشرح أوجه القصور في النشاط الاقتصادي والسياسي العربي هناك، والآمال المعقودة على هذه الجمهورية الإسلامية الوليدة.
 
مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* في بداية الحوار نود أن تعطينا فكرة عن إقليم كوسوفا، وتعداد المسلمين به؟
** تبلغ مساحة إقليم كوسوفو حوالي 11,000 كم، وعدد سكانه 2 مليون و 100 ألف نسمة، وتصل نسبة المسلمين في كوسوفا إلى أكثر من 90%. ويمثل الألبان غالبية السكان بنسبة 92%، بينما كافة العرقيات الأخرى تصل لنحو 8% وتشمل الصرب 5% ، بينما العرقيات الأخرى من البوسنيين والغجر والأتراك تصل لحوالي 5%.
 
* كنتم أحد المثقفين العرب الذين حضروا المؤتمر الذي عقد في أواخر شهر أغسطس الماضي بكوسوفا، حول العلاقات العربية الكوسوفية، بهدف إعادة تقييم وصياغة العلاقات العربية الكوسوفية، فهلا أعطيتمونا فكرة عن أهمية المؤتمر والهدف منه؟
** هذا اللقاء تم بين مثقفين عرب ونظرائهم من الألبان بكوسوفا في ظل ترحيب واهتمام رسمي وإعلامي واسع؛ هو لقاء تاريخي بمعنى الكلمة؛ فللمرة الأولى في تاريخها تستضيف كوسوفا نخبة من المثقفين العرب، من دول مختلفة مثل: الأردن وسوريا ولبنان ومصر، على أرضها، بهدف إعادة تقييم وصياغة العلاقات العربية الكوسوفية على المستوى الشعبي المدني.
ولقد كان عدم الاعتراف العربي بكوسوفا هو السبب الرئيسي الذي دفع بعض المثقفين من الجانبين، من المعنيين والمهتمين بالعلاقات العربية الكوسوفية، إلى التحرك في محاولة لتوجيه الأنظار إلى ضرورة الاهتمام بهذه العلاقات، والارتقاء بها إلى المستوى اللائق، وعدم اقتصارها على المجال الخيري، أو حصرها في المسار السياسي وحسب.
وقد كانت البداية بمبادرة من الدكتور محمد موفاكو الأرناوؤط أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة آل البيت بالأردن، مقترحاً على المؤسسة الكوسوفية غير الحكومية، "منتدى 2015" في العاصمة بريشتينا، البدء بسلسلة من اللقاءات بين المثقفين العرب والكوسوفيين، على أن تكون البداية من عمان بالأردن. وكان اللقاء الأول قد تم في14 يوليو الماضي؛ كما ينتظر أن تستمر هذه اللقاءات، ويتوقع أن يكون اللقاء الثالث في لبنان خلال الشهور القادمة.
وتهدف كافة هذه اللقاءات إلى التواصل بين المنطقة العربية وكوسوفا، والتعرف عن قرب على الأوضاع التي تمر بها المنطقة، في محاولة لتوثيق العلاقات، عبر إقامة جسر ثقافي، يمهد الطريق بالتدريج للوصول إلى اعتراف سياسي مستقبلاً.
ولذا تكمن أهميته في أنها بادرة مشكورة من قبل بعض المثقفين العرب المهتمين بالعلاقات العربية الكوسوفية، في إطار اهتمام أوسع ينبغي أن نرسم ملامحه وآفاقه مع ما يمكن أن نسميه بـ "الدول الإسلامية في منطقة غرب البلقان"، وأقصد هنا (ألبانيا- كوسوفا)، إضافة إلى دولة البوسنة، التي يزيد نسبة المسلمين بها عن 45% من تعداد السكان.
وهذه الخطوة تمثل البداية فقط، ونحاول من خلالها إعادة تقييم العلاقات العربية مع الشعوب الإسلامية بهذه الدول الناشئة على المستوى الشعبي؛ كما نرجو أن تتوسع دائرة الاهتمام الإيجابي والمثمر من كافة أطياف المجتمع المدني العربي، مثقفين وإعلاميين وكتاب وأساتذة جامعات.
 
وذلك كله بهدف توجيه أنظار صناع القرار في عالمنا العربي إلى أهمية هذا الملف، وأنه يصب في مصلحة حوار الحضارات، بين الشرق الإسلامي والغرب العلماني أو المسيحي؛ ونشير هنا إلى أن هذه الشعوب المسلمة، هي شعوب أوروبية من السكان الأصليين للبلاد، وليسوا وافدين من الخارج، ويمكنهم القيام بدور الجسر بين شعوبنا العربية والشعوب الأوروبية، نظراً لالتقاء مصالح الشرق والغرب في هذه المنطقة.
 
* وما هي المحاور التي ركز عليها هذا المؤتمر؟
** ركز المؤتمر على ثلاثة محاور أساسية؛ الأول يتعلق بالوضع الداخلي لدولة كوسوفا الجديدة؛ بينما يتعلق المحوران الثاني والثالث بالعلاقات العربية الكوسوفية، وقد جاءت المحاور الثلاث على النحو التالي:-
1.                أسس الدولة الكوسوفية الجديدة (إعلان الاستقلال والدستورالجديد) وقد نوقشت فيه مسألة الديمقراطية والإسلام والعلمانيةوالأقليات.
2.                الإسهام العربي في كوسوفا خلال الفترة من (1999-2008م).
3.                الخطاب العربي تجاهكوسوفا خلال الفترة من (1999-2008م).
وكان في كل محور ورقة مركزية، معدة سلفاً، ثم فتح باب النقاشات والمداخلات والاستفسارات من قبل المشاركين، ومن الجانب العربي تحدث جميع الأعضاء الستة للوفد العربي الزائر؛ في كافة هذه المحاور، إضافة إلى ممثلي بعض المؤسسات الخيرية العربية العاملة في كوسوفا منذ انتهاء حرب عام 1999م، ومن الجانب الكوسوفي تحدث بعض أساتذة الجامعات، وبعض الإعلاميين، بجانب بعض من السفراء الكوسوفيين الجدد، المعتمدين في العواصم الأوروبية.
 
* وما مدى اهتمام المسئولين في كوسوفا بالعلاقات مع الدول العربية؟
** كان واضحاً الاهتمام الكبير على أعلى مستوى حكومي وشعبي وإعلامي بهذا المؤتمر، وكان واضحاً أنهم يعلقون عليه الآمال في تحسين العلاقات العربية الكوسوفية، لذا حرص رئيس الجمهورية بجانب وزير خارجيته على افتتاح المؤتمر، وإلقاء كلمة الافتتاح به؛ قبل أن تبدأ جلساته ومناقشاته بين الحاضرين بعد ذلك.
وقد حضر المؤتمر جمع من مختلف أطياف المجتمع الكوسوفي، رسمياُ وشعبياً، فكان واضحاً الحضور الحكومي، حيث شارك فيه رؤساء وزراء كوسوفا السابقين، بجانب رؤساء أحزاب المعارضة، كما ظهر مدى الاهتمام الأوروبي بملف العلاقات العربية الكوسوفية، عبر حضور أوروبي بارز في المؤتمر، وكان من أبرز المشاركين السفير البريطاني بكوسوفا؛ في ظل اهتمام محلي وإقليمي كبير، من كافة وكالات الأنباء وقنوات التلفزة والجرائد، وتنافسها على عقد حوارات أو الحصول على تصريحات من أعضاء الوفد العربي.
 
* وعلى هامش المؤتمر.. ماذا عن اللقاءات والفعاليات الأخرى؟
** على الرغم من أن الهدف الأساسي للزيارة كان المؤتمر؛ إلا أننا عقدنا لقاءات، وقمنا ببعض الزيارات، خلال إقامتنا هناك، والتي امتدت لثلاثة أيام لا تقل أهمية عن المؤتمر، فخلال أيام البرنامج المكثف للوفد العربي الزائر لكوسوفا، عقدنا لقاءات عديدة مع كافة أطياف المجتمع الكوسوفي، رسمياً وشعبياً؛ من مسئولين حكوميين، ومؤسسات مجتمع مدني.
وكانت البداية زيارة السيد رئيس الجمهورية فطمير سيديو، في مكتبه، قبل المؤتمر بساعات، حيث تم تبادل الحوار بين الرئيس والوفد العربي، حول أهمية توثيق العلاقات العربية الكوسوفية على كافة المسارات، مع ضرورة عدم النظر إليها فقط من الزاوية السياسية بالرغم من أهميتها؛ نظراً لأن للشعوب مصالح عديدة في التواصل في كافة المجالات الأخرى، ومن بينها التواصل التجاري والثقافي.
وفي نهاية اللقاء تقدم الوفد العربي بعدة اقتراحات، لتقوية هذه العلاقات وتفعيلها، ونفس الأمر تم التطرق إليه خلال زيارتنا لوزير الخارجية الكوسوفي اسكندر حسيني، والذي أكد أن العلاقات العربية الكوسوفية هي علاقات إستراتيجية بالنسبة لكوسوفا.
وفي إطار التعرف على الواقع الكوسوفي، تم تنظيم زيارتين خارج العاصمة بريشتينا، الأولى: كانت باتجاه الغرب، إلى منطقة "استوك"، ذات الطبيعة الجبلية الرائعة، والتي تقع على الحدود مع جمهورية الجبل الأسود، بهدف التعرف على المعالم الطبيعية والسياحية لكوسوفا.
بينما كانت الزيارة الثانية باتجاه الجنوب إلى مدينة "بريزرن"، مهد الحضارة والتاريخ والثقافة الألبانية؛ حيث قمنا بزيارة مقر الرابطة القومية الألبانية، التي تشكلت في عام 1878م بهدف الدفاع عن وحدة الأراضي الألبانية، إثر التراجع العثماني المستمر في منطقة البلقان؛ ورأينا كيف أن الجيش الصربي قام بحرقها وتدميرها، وتسويتها بالأرض خلال حرب 1999م، في محاولة منه لطمس الآثار التاريخية الثقافية لهذا الشعب، إلا أن السلطات الكوسوفية قامت بإعادة بنائها من جديد.
ثم رأينا المساجد والآثار الإسلامية التي بنيت في العهد العثماني، وشاهدنا الدور التركي الكبير والبارز في ترميم هذا النوع من الآثار، وحرصهم على إحياء التراث العثماني، الذي تزخر به كوسوفا، حيث زرنا مسجد سينان باشا، الذي بني في عام 1463م، حيث تقوم مؤسسة "تيكا" الحكومية الرسمية التركية بترميمه.
وخلال هذه الزيارة عقدنا لقاءات عديدة مع مؤسسات المجتمع المدني بالمحافظة؛ وشاهدنا كيفية تنوعها، حسب العرقيات المختلفة، خاصةً وأن محافظة بريزرن تحتضن حوالي 90% من العرقيات التي تتواجد بكوسوفا، كالأتراك والبوسنيين والغجر والصرب وغيرهم، وتبلغ نحو 8% من تعداد السكان البالغ نحو مليونين ومائة ألف نسمة.
 
* اليوم تقف كوسوفا، هذه الدولة الوليدة، والتي تعد الآن أفقر دولة أوروبية بعد أن كانت بالأمس أفقر إقليم داخل الجمهورية الصربية خلال حقبة الاتحاد اليوغسلافي السابق، تقف على أعتاب تحديات هائلة، وعقبات جمة، ستكون لها كلمة الفصل في تحديد مستقبلها واستقلالها السياسي الاقتصادي.. فهل لكم أن تحدثونا عن أهم هذه التحديات والعقبات؟
** يمكنني أن ألخص باختصار شديد أهم هذه التحديات، على النحو التالي:-
التحدي الأول يتمثل في الاعتراف السياسي: فلاشك أنه التحدي الأول الذي يواجه الدولة لتثبيت إعلانها بالاستقلال من جانب واحد بعد موافقة الغرب على ذلك، إثر تعنت السلطات الصربية في محادثات السلام، التي استمرت نحو عامين؛ فلم يكن هناك مفر من إعلان أحادي للاستقلال؛ وهنا تبدأ المشكلة.
حيث تحتاج كوسوفا لاعتراف نحو 103 دولة في العالم باستقلالها، حتى تنضم إلى منظمة الأمم المتحدة، ويستقر مبدأ استقلالها؛ إلا أن أكبر ضربة تلقتها كوسوفا، ولم تكن تتوقعها هو عدم الاعتراف العربي بها، وهو ما جعل عدد الدول التي اعترفت باستقلالها حتى الآن نحو 46 غالبيتهم دول أوربية.
والتحدي الثاني: لا يقل عن سابقه، وهو التحدي الاقتصادي: فعلى الرغم من تمتع كوسوفا بأرض خصبة، تستطيع من خلالها زراعة وإنتاج كافة احتياجاتها الغذائية، إلا أن معظم هذه الأراضي لم تستغل بعد، نظراً للظروف غير المستقرة، التي مرت بها كوسوفا، والتي دفعت الكثيرين للهجرة والعمل في الخارج.
كما أن كثير من المعادن والثروات الطبيعية الأخرى التي تمتلكها كوسوفا لم تستثمر غالبيتها حتى الآن، حيث تعمدت حكومة بلجراد الصربية عدم النهوض باقتصاد كوسوفا، الذي كان تابعاً إقليماً لها، أثناء فترة احتلاله (1912م ـ 1999م)، وحرصت على الاستفادة من المواد الخام الأولية التي تحتويها كوسوفا، وتصنيعها في صربيا، ثم تصديرها مرة أخرى إلى كوسوفا أو غيرها من الدول، وهو ما جعل اقتصاد كوسوفا يرتبط بالاقتصاد الصربي في كثير من شئونه؛ فكوسوفا تصدر 4% فقط من إجمالي ما تستورده، وحتى اليوم اتجاهات التصنيع المحدودة داخل كوسوفا تركز على الصناعات الاستهلاكية فقط.
وبناءاً على كل هذا يجمع كافة الخبراء والمتخصصون على أن هناك تحديات هائلة تواجه اقتصاد أحدث وأفقر دولة أوروبية، نظراً لافتقادها قاعدة اقتصادية سليمة، الأمر الذي سيدفعهم إلى الاعتماد على القروض الدولية، والمساعدات الخارجية لفترات طويلة مستقبلاً، خاصةً وأن الأوضاع الاقتصادية بالإقليم تتفاقم؛ في ظل بطالة تعدت 60% من قوة العمل الرئيسية.
كما أنه خلال فترة حكم الإدارة المدنية المؤقتة والتابعة للأمم المتحدة 1999م ـ 2008م، كان الاتحاد الأوروبي أكبر مانح لكوسوفا، إلا أن هذه المنح تركزت بشكل أساسي على بناء وتأسيس المؤسسات الكوسوفية الرسمية، وليس على النهوض بالاقتصاد الكوسوفي.