هذه حقيقة الديمقراطية في "كردستان" العراق
10 شوال 1429
د. جاسم الشمري
لا ينفك الساسة الكرد في شمال العراق عن الادعاء بالتطبيق الأمثل للحرية والديمقراطية في ما يسمى إقليم كردستان العراق ، وهذه الحكومة الدكتاتورية التي تقبض على الأوضاع في شمالنا الحبيب بقبضة من حديد ، مازالت تكيل الضربات الموجعة لكل من يعارض سياستها الإجرامية.
 ورغم الهدوء النسبي الموجود في الإقليم قياساً بمدن وسط وجنوب العراق ،إلا أن الكبت الواضح للقوى الوطنية في شمال العراق ،التي ترفض الفساد المستشري في عموم الإقليم وترفض المحسوبية وتندد بغياب الخدمات وانتشار البطالة والفقر بين المواطنين،سيفجر ثورة كبيرة في عموم شمالنا الحبيب ضد هؤلاء الإرهابيين، ومحاولة كشف هذه الحقائق تجابه بالقسوة المفرطة والانتهاكات الخطيرة لأبسط حقوق الإنسان ،الذي  تمارسه ضدهم أجهزة الأمن الكردية القمعية وبلا رحمة .
والصحافة هي رمز الديمقراطية ،وهي المقياس الذي يمكن أن يعكس حقيقة الديمقراطية ،ولتأكيد هذا القمع والكبت الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في شمال العراق ،فقط  سنتناول أوضاع القطاع الصحفي في الإقليم ،والأرقام والحقائق التي سأذكرها معروفة للمنظمات الإنسانية حتى الحكومية ، وأنا لا افتري على أحد فيها ، وحتى لايظن أحد أنني اتهم القيادات الكردية بلا دليل ، وأنا هنا أدافع عن الصوت الحر لأهلنا في شمال عراقنا الحبيب .
لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك أكدت أن نحو 60 صحفيا كرديا قتلوا أو هددوا أو هوجموا أو قدموا للمحاكمة في النصف الأول من عام 2008.
حيث قتل في  شهر آب  عام 2008 "سوران ماما هاما "(23 عاما)؛وهو كاتب بمجلة ليفين التي تصدر في بلدة السليمانية الكردية بالرصاص أمام منزله في كركوك بعد أسبوع من تقرير له ربط بين مسؤولين أمنيين وشبكات للدعارة.
وذكر التقرير الذي نشرته وكالة رويترز انه وخلال السنوات القليلة الماضية تعرض كثير من الصحفيين الأكراد للضرب أو السجن أو التهديد بالقتل أو تعرضوا لمضايقات من قبل السلطات أثناء أداء عملهم الصحفي.
ويقول هيمين ماماند وهو مراسل إذاعي شاب في اربيل "في كردستان لا توجد حرية للصحفيين، لدي دليل على هذا،أحدث إثبات كان سوران".
ومضى ماماند الذي تعرض شخصيا للتهديد حين كتب موضوعا عن قضية فساد مزعومة ذات صلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق "لا ندري من قتله لكننا نعلم أن الحكومة لم تكترث."
تقرير مرصد الحريات الصحفية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة كشف للمدة مابين 3 أيار 2007 و3 أيار 2008" مؤشرات جديدة عن واقع حرية الصحافة و التعبير في العراق يمكن وصفها بأنها تشكل مخاطر على مستقبل الأداء الحر لوسائل الإعلام في العراق ،وتمهد الطريق لاتساع سياسة المنع والقمع من قبل أجهزة الأمن الحكومية .
وتؤشر حالات الانتهاك ضد الصحفيين ازديادا ملحوظا عن العام الماضي بلغت نسبته 60%،وبواقع انتهاك واحد كل (43) ساعة".
وذكر التقرير" وفي مسعى من السلطات العراقية للسيطرة على التدفق الحر للمعلومات، تعرض (88) صحفياً لاعتداءات ومنع من ممارسة عملهم الصحفي من قوات الأمن العراقية بمختلف تشكيلاتها ، فيما تعرض (30) صحفياً و معاوناً إعلامياً للاعتقال و الاحتجاز من قبل قوات الأمن العراقية في مناطق إقليم كردستان و محافظات العراق الأخرى ، حيث أن الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال تفاوتت مدد اعتقالهم و احتجازهم في حين تمت مصادرة معداتهم الصحفية ، علما إن مسؤولين حكوميين آخرين أساءوا استخدام قوانين التشهير من أجل إسكات التقارير الانتقادية التي وجهها الصحفيون لهم" .
وأكد التقرير "أقيمت (10) دعاوى قضائية ضد صحفيين و مؤسسات إعلامية ، لم تحسم اغلبها حتى الآن ، يأتي ذلك على الرغم من وجود قوانين سارية المفعول لا تجيز عمليات اعتقال الصحفيين أو مقاضاتهم إلا بموافقة رئيس الوزراء ، و هذا ما لم يحدث في أي من هذه القضايا ، و تبيّن هذه الحالات عدم التزام القضاء بهذه القوانين".
وشهد العقد الأخير ظهور صحافة مستقلة تتحدى الحزبين اللذين يهيمنان على المنطقة. لكن جويل كامبانيا الذي قاد بعثة لجنة حماية الصحفيين إلى كردستان العام الماضي ، قال إن هذا واكبه "تدهور ملحوظ في حرية الصحافة" وسلسلة من الهجمات.
وأطلقت لجنة حماية الصحفيين ومنظمة العفو الدولية حملات لجذب الانتباه إلى مثل هذه الأحداث والضغط على السلطات الكردية لمحاسبة من يهدد الصحفيين.
وأضاف كامبانيا "الأحداث الأخيرة كشفت المستور وأظهرت أنها لا تختلف كثيرا عن مناطق العراق الأخرى".
ويعد الكثير من الصحفيين في كردستان أنفسهم أكثر عرضة للخطر حين تنطوي كتاباتهم على انتقادات لقوات الأمن الكردية والمسؤولين الحكوميين أو الأحزاب السياسية.
ويقولون " إن كلا من حزب البرزاني ومقره اربيل ومنافسه التاريخي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر عليه الرئيس العراقي جلال الطالباني ومقره السليمانية يبسط سيطرة شبه كاملة على المناطق الكردية الموالية له".
ويقول ربين رسول إسماعيل الذي كان حتى عام 2004 من كبار محرري جريدة حولاتي المستقلة البارزة "في كردستان ليست هناك معارضة سياسية حقيقية،وبالتالي تعتقد الحكومة أن الصحفيين هم المعارضة."
وفي عام 2006 حاول رجال خطف زوجته الصحفية ازهين عبد الخالق من الشارع. ورأى الاثنان أن الهجوم له صلة بنشر عبد الخالق موضوعا عن محاولات المسؤولين التحرش جنسيا بالصحفيات.
ويرفض المسؤولون الأكراد رفضا باتا التلميحات إلى لجوئهم إلى استخدام القوة ضد الصحافة، أو غض الطرف حين يتعرض الصحفيون لحوادث عنف.
ويصورون الإعلام على انه ضعيف يفتقر إلى التدريب ويقدم تقارير لا أساس لها من الصحة تنطوي على هجوم شخصي.
وقال كريم سنجاري وزير الدولة للشؤون الداخلية في إقليم كردستان العراق في مقابلة صحفية "المشكلة كما تعلمون مع صحفيينا هي أنهم يظنون أن لهم الحرية في قول أي شيء وفعل أي شيء... يخبرهم أحد بشيء فيصنعون منه خبرا."
ولدى سؤاله عن الهجمات أو الترويع الذي يواجهه الصحفيون اكتفى محافظ اربيل ناوزاد هادي مولود بالقول "لا توجد مشاكل هنا."
وتعهد سنجاري بحماية الصحفيين والتحقيق في الجرائم لكنه يقول انه لا يستطيع أن يفعل شيئا إذا لم يبلغ الصحفيون عنها.
ويعترف صحفيون بأن الإعلام الكردي كثيرا ما يخفق في نسبة التقارير إلى مصادرها بالشكل اللائق أو دعم ما ينشره. وليس سرا أن الكثير من الصحفيين يحصلون على رواتب من الأحزاب والحكومة.
وقال رسول إسماعيل المحرر السابق: "الصحفيون هم جزء كبير من المشكلة".
وينحى آخرون باللائمة على الحكومة في حرمان الصحافة من المعلومات مما لا يترك للصحفيين خيارات تذكر سوى البحث عن خيوط تقودهم إلى شيء أو وضع ثقتهم في أشخاص ساخطين مطلعين على بعض الأمور.
ونصت نسخة سابقة من القانون في الاقليم على فرض غرامات تصل إلى 8400 دولار عن نشر تقارير عن الحياة الشخصية لأشخاص تنطوي على " اهانة" لهم حتى وان كانت صحيحة أو تقارير "تخالف الأعراف والأخلاقيات السائدة".
ورفض البرزاني مشروع القانون بعد أن واجه غضبا واسع النطاق.
وفي مخالفة للواقع قال الرئيس العراقي جلال طالباني في بيان أصدره بمناسبة الذكرى الخامسة للحرب "أطلقت حريات العمل السياسي والحزبي والنقابي، وشرعت الأبواب أمام الإعلام الحر فصدرت مئات المطبوعات وتأسست عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية، مما أنهى عهد الرأي الواحد المفروض قسرا"!!!.
وقال مسؤول أمريكي في اربيل أن مشروع القانون أثار مخاوف لأنه "يمكن أن يستخدم لتقييد حرية التعبير" وتابع أن "الصحافة الحرة المستقلة ستقدم إسهاما مهما للتنمية الديمقراطية" في كردستان.
وينتظر احمد ميرا رئيس تحرير مجلة ليفين نتائج التحقيق في مقتل زميله ماما هاما.
والترويع ليس غريبا على ميرا. ففي عام 2007 ألقي القبض عليه في منزله ووضع في حبس انفرادي بعد أن كتب مقالا عن صحة الطالباني. لكن ميرا ما زال يعد بأن مجلته لن ترضخ للترويع . ويقول "ليست هناك خطوط حمراء،لا توجد رقابة.. أي مادة تنشر في ليفين."
مرصد الحريات الصحفية ذكر في تقريره السنوي لأوضاع الصحفيين في العراق "بأسف كبير تلكؤ مجلس النواب العراقي بدراسة مسودة خاصة بقوانين الإعلام تسهم في تنظيم العملية الإعلامية وتحدد من خلالها مديات العمل الإعلامي في ضوء الحقوق الممنوحة في الدستور، وكنا نأمل أن يتم ذلك من خلال إشراك الإعلاميين أنفسهم في مناقشة هذه المسودة مع البرلمانيين لكن الخطورة تكمن في أن الإعلام يمارس في البلاد منذ سقوط النظام السابق حتى الآن بدون قانون" .
ودعا المرصد "نتطلع جميعا لصحافة عراقية حرة مستقلة تمارس في وطن امن خال من الإرهاب وتعددية إعلامية ومهنية وسياسية وثقافية تتعايش بسلام ووسيلتها في التفاعل الحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر ، وليس القتل والإزاحة بالوسائل القسرية .لتكن وسائل إعلامنا وسائل لنشر التسامح والسلام الاجتماعي والتوافق والتقارب وليس وسيلة لتأجيج مشاعر الغضب والكراهية والانغلاق . وهذا ما نتمناه بالفعل" .
إن حكومة إقليم كردستان لا يمكنها أن تتحمل نقل الحقيقة من قبل رجال الصحافة في الوقت الذي تدعي فيه أنها حكومة ديمقراطية جاءت على أطلال حكومة دكتاتورية ، ولا ندري كيف يمكن أن نسمي هذه الانتهاكات هل هي انتهاكات ديمقراطية في زمن الدكتاتورية،أم دكتاتورية في زمن الديمقراطية ؟