الرزق .. معان أساسية
7 ذو القعدة 1429
إسراء البدر

من ثوابت الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها ويتمسك بها أن تكون ثقته أن الرزق بيد الله , وأنه سبحانه هو الرزاق ذو القوة المتين , وأن على الإنسان أن يلجأ في طلب الرزق إليه سبحانه , ويرجوه ويسأله هو وحده , قانعا أن الرزق أبدا ليس في يد البشر , ولا يقدرون عليه , فلا يرجوه منهم ولا يتذلل بطلب الرزق من بشري كان من كان .

ويوقن أن اللجوء للرزاق العظيم سبحانه دوما يعلي من شأنه ويرفع قدره وقيمته أمام نفسه وبين الناس , ويزيده احتراما ورفعة .
وهناك فرق بين تمني الرزق والسعي له , فالساعي للرزق لا يجلس في بيته راجيا الرزق، وإنما يبحث عن أسباب الرزق ويجتهد في طلبه .

وإذا تتبعنا بعض الآثار والأحاديث الثابتة أمثال قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو سمعه فإنه لا يباعد عن رزق ولا يقرب من أجل " , أو قوله صلى الله عليه وسلم " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ", ومثال قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله" أو ما رواه النسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "  يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت نعم يا رسول الله , قال فترى قلة المال هو الفقر ؟ قلت نعم يا رسول الله , قال إنما الغنى غنى القلب , والفقر فقر القلب , ثم سألني عن رجل من قريش فقال هل تعرف فلانا ؟ قلت نعم يا رسول الله قال فكي فتراه أو تراه ؟ قلت إذا سأل أعطي , وإذا حضر أدخل , قال ثم سألني عن رجل من أهل الصفة فقال هل تعرف فلانا ؟ فقلت لا والله ما أعرفه يا رسول الله فما زال يحليه وينعته حتى عرفته , فقلت قد عرفته يا رسول الله , قال فكيف تراه أو تراه ؟ قلت هو رجل مسكين من أهل الصفة , قال هو خير من طلاع الأرض من الآخر , قلت يا رسول الله أفلا يعطى بعض ما يعطى الآخر ؟ فقال إذا أعطي خيرا فهو أهله , وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة" .
 أو ما في مسند الإمام أحمد بأسانيد صحيحة وصحيح ابن حبان عن أبي ذر أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" انظر أرفع رجل في المسجد ؟ قال فنظرت فإذا رجل عليه حلة , قلت هذا , قال : قال لي انظر أوضع رجل في المسجد ؟ قال فنظرت فإذا رجل عليه أخلاق , قال قلت هذا . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا عند الله خير يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا

وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اليد العليا خير من اليد السفلى , وابدأ بمن تعول , وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى , ومن يستعفف يعفه الله , ومن يستغن يغنه الله"
وفي البخاري ومسلم أيضا وموطأ مالك وأبي داود والترمذي وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه "من يستعفف يعفه الله , ومن يستغن يغنه الله , ومن يتصبر يصبره الله , وما أعطى الله أحدا عطاء هو خير وأوسع من الصبر"
وفي الصحيحين وأبي داود وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".. وغيرها

من هنا، نصل إلى نتائج كثيرة وهامة ليعتبرها المرء المسلم بدهيات في حياته تجاه الرزق , أن على الإنسان أن يثق بالله تعالى ثقة تامة كاملة تجاه رزقه وتقديره , وان يثق أن رزقه من عند الله عز وجل فلا يذل نفسه للناس لكي يحصل على الرزق وإنما عليه أن يتذلل لرب الناس وهو كفيل برزقه .

كما يجب عليه أن يتوكل على الله تعالى وهو حسبه وكافيه في ذلك , ومن يعتمد على الناس ويطلب منهم فلن ينال إلا القليل من متاع الدنيا الزائل عديم البركة , بعكس من يتوجه بالطلب والدعاء من رب الناس فيقنع ويرضى .

 ودعونا هنا نذكر هذه القصة التي رووا أنها قد حدثت في بغداد في زمن هارون الرشيد :عندما جلس رجلان قد ذهب بصرهما على طريق أم جعفر زبيدة العباسية لمعرفتهما بكرمها , فكان أحدهما يقول: اللهم ارزقني من فضلك , وكان الآخر يقول: اللهم ارزقني من فضل أم جعفر , وبرغم أن كلاهما سأل الله أن يرزقه إلا أن الأمر اختلف مع التعلق بالناس , وكانت جارية لأم جعفر تعلم ذلك منهما وتسمع وتوصل للأميرة ، فكانت ترسل لمن طلب فضل الله درهمين، ولمن طلب فضلها دجاجة مشوية في جوفها عشرة دنانير , وكان صاحب الدجاجة يبيع دجاجته لصاحب الدرهمين، بدرهمين كل يوم، وهو لا يعلم ما في جوفها من دنانير , وأقام على ذلك عشرة أيام متوالية، ثم أقبلت أم جعفر عليهما , وقالت لطالب فضلها: أما أغناك فضلنا ؟ قال: وما هو؟ قالت مائة دينار في عشرة أيام، قال: لا، بل دجاجة كنت أبيعها لصاحبي بدرهمين , قالت: هذا طلب من فضلنا فحرمه الله، وذاك طلب من فضل الله فأعطاه الله وأغناه.

 وقد قيل في الفرق بين الاعتماد على الله تعالى وبين الاعتماد على الناس انه: من اعتمد في رزقه على غير الله ذل وقل وضل ومل , ومن اعتمد على الله فلا ذلّ ولا قلّ ولا ضلّ ولا ملّ.
وأسباب الرزق كثيرة , فمنها : التوكل على الله، الأحد الفرد الصمد، فقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيره، بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" , ومنها :  عبادة الله، والإقبال عليها؛ فقد أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يقول: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأَسُد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أَسُد فقرك" , ومنها المتابعة بين الحج والعمرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة،فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد " , ومنها : صلة الرحم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنْسَأ له في أثره، فليصل رحمه" رواه البخار ي ومنها :الاستغفار والتوبة، قال الله تعالى: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ) ولنا هنا أن نقص هذه القصة التي ترشدنا إلى معاني وأهمية الاستغفار, عندما جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له : إن السماء لم تمطر , فقال له الحسن البصري : استغفر الله , ثم جاءه رجل آخر فقال له أشكو الفقر , فقال له البصري : استغفر الله , ثم جاءه ثالث فقال له امرأتي عاقر لا تلد , فقال له : استغفر الله , ثم جاءه بعد ذلك من قال له : أجدبت الأرض فلم تنبت , فقال له : استغفر الله , فقال الحاضرون للحسن البصري : عجبا لك أو كلما جاءك شاك قلت له استغفر الله ؟ فقال لهم : أو ما قرأتم قوله تعالى :" فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا "

فعلى الإنسان أن يعي إن الرزق بيد الله عز وجل وان يطلب الرزق والسعة ممن بيده رزق البشرية , الذي خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وهو كفيل برزقه وان يتقرب إليه لا إلى البشر الذين مهما كان غناهم فهم فقراء إلى الله جل وعلا