الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون
17 ذو القعدة 1429
منذر الأسعد

الكتاب:الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون
تأليف:محمد فاروق النبهان
        230صفحة/24سم*17
        ط1-1427(2007م)
الناشر:دار التراث للطباعة والنشر والتوزيع
                حلب/سوريا

ابن خلدون مفكر مبدع وشخصية لامعة في تاريخ الفكر الإنساني،اعترف له الغرب-على مضض وقلما اعترف لغيره وبالذات لنا نحن المسلمين-بأنه مؤسس علم الاجتماع.
والكتاب الذي ألّفه الدكتور النبهان ذو الباع الطويل في خدمة التراث الإسلامي(نحو20كتاباً)، يكتسب قيمة إضافية في الوقت الراهن لأنه يسلط الضوء على الجانب الاقتصادي في فكر ابن خلدون،في حين يعاني العالم كله من تداعيات أزمة مالية كبرى،بدأت في معقل الرأسمالية بنسختها المتوحشة"أمريكا"ثم راحت تذرّ قرون شرها المستطير في أنحاء الأرض!!ولا سيما أن الاقتصاد عند ابن خلدون ليس موضوعاً مطروقاً فضلاً عن أن يكون شائعاً.

من مقدمته المكثفة، يدلف المؤلف إلى تمهيد من عشرين صفحة، بسط فيها القول في أسباب دراسة ابن خلدون للظواهر الاقتصادية،وهي:
= وضع معايير للرواية التاريخية
=تأكيد علاقة الكسب بالعمران البشري
=ارتباط الظواهر الاقتصادية بالظواهر الاجتماعية
وخصص النبهان الفصل الأول من كتابه لبيان مكانة الفلاحة باعتبارها أساساً في فكر ابن خلدون، واشتمل على أربعة مباحث،هي:اعتبار الفلاحة هي الأساس-ظاهرة ارتباط أهل البداوة بالأرض-أسباب تخلف الإنتاج الفلاحي-أخلاقيات المجتمع البدوي. وناقش الفصل الثاني بتوسع مقومات التجارة وخصائصها،من خلال وصف ابن خلدون للتجارة وتمييزه بين وسائل الربح المشروعة وغير المشروعة،وتقدير عنصر الالتزام الأخلاقي بين أهل التجارة،وتشخيص عوامل ضعف المروءة عند معظم التجار!!ويوضح الكتاب هنا معايير الرواج والكساد في السلع عند صاحب المقدمة الشهيرة،ثم معايير الرخص والغلاء،فأنواع الحيل التجارية،وصولاً إلى أهمية التكافؤ في التجارة لتثبيت دعائم التنافس الشريف الذي يحمي حقوق الجميع وفي مقدمتهم جمهور المستهلكين.

أما الفصل الثالث فيعالج بعمق ملموس العمل الإنساني وأهميته بحسب فكر ابن خلدون، انطلاقاً من أسباب وقوع الظلم في قيمة العمل(جهل المظلوم بحقه أو عجزه عن المطالبة به)،ليرسم من ثم معيار الأجر العادل متضمناً قيمة الزمن والجهد المستنفدين في العمل،بالإضافة إلى قدر العمل وشرفه ،وأخيراً مدى حاجة المجتمع إليه.

ويمضي الكتاب في رحلته الشائقة في موضوع غير شائق أصلاً ليدلنا على تقدير الصناعة لدى ابن خلدون وهو يصنفها في ثلاثة ميادين:مختصة بالأفكار-مختصة بأمور المعاش-صناعات تدخل في دائرة الخدمات العامة.ثم يوضح ارتباط الصناعة بالحضارة مروراً بادعاء ابن خلدون أن العرب هم أبعد الأمم عن الصنائع،وهو ادعاء يتصدى له المؤلف بتفنيد علمي هادئ متكئاً على تناقض ابن خلدون نفسه في كلامه عن هذه المسألة،إذ إن سنن الاجتماع وقوانين العمران إما أن تكون عامة فتنطبق على الأمم والشعوب عند انتقالها من طور البداوة إلى التمدن وهذا يشمل العرب بالتأكيد،وإما أن لا تكون عامة فتفقد قيمتها العلمية،لأن الأمة المغرقة في البداوة سوف تظل على حالها حتى لو تمدنت،وهذا مناقض تماماً لفكر ابن خلدون الحضاري.وفي نهاية الفصل ،يتركز اهتمام صاحب المقدمة على نقطة أثر الطلب على الجودة في الصناعة .

أما الفصل الرابع-والأخير- فيعقده المؤلف لعلاقة الكسب بالعمران،بدءاً بالفرق بين الرزق والكسب،وارتباط الكسب بالعمل،ثم يفصل أوجه الكسب المشروع(الناتج عن العمل-الناتج عن استخدام موارد الطبيعة-الناتج عن استخدام الحر والمملوك)،في حين يحصر الكسب غير المشروع في أمرين:الكسب الناتج عن إلحاق الضرر بالآخرين-الكسب الناتج عن استغلال القوي للضعيف.

ولأن ابن خلدون-على عبقريته المتفق عليها-بشر ليس معصوماً،فإنه يقع في غلط فاحش بإقراره التملق كسبيل مقبول من سبل الكسب!!ويدحض الدكتور محمد فاروق النبهان هذه الفكرة الرديئة،بتفصيل ومنطق جليين،اعتماداً على أن الظلم يناقض العمران-باعتراف ابن خلدون نفسه-وببيان أثر العمران في مطاردة الفساد والسبل المشبوهة في الكسب، ومنها الكسب بالتملق على حساب الكرامة،ثم يختم مناقشته بمبحث مستقل عن مهمة الشريعة في مجال الكسب،بقيامها على الحق والعدل والصلاح،ومحاربتها للانحراف مهما كان وبصرف النظر عن مقترفه وعن ضحاياه،ولذلك فهي لا تقر الكسب الناتج عن الخضوع والتملق.