الناقلة السعودية: قرصنة البوارج أم الزوارق؟!
22 ذو القعدة 1429
أمير سعيد




[email protected]




كان المبرر المطروح خلال المدة الماضية للعربدة الأمريكية هو "الإرهاب الإسلامي" الذي يقوده من ينفذون أجندتهم الخاصة أو المتقاطعة مع الأجندة الأمريكية، وقد كان العالم مهيئاً لذلك من خلال الآلة الإعلامية الغربية التي كانت تروج لخطورة هذا "الإرهاب" الذي يهدد العالم كله، ويوشك أن يقوض جميع مكتسبات "المجتمع الدولي الحضارية" بسعيه إلى الوصول إلى "الطلبنة" التي تعيد العالم إلى "القرون الوسطى"، والتي بدا منها هذا التعامل المجحف واللإنساني للحركة مع النساء في أفغانستان وفق مزاعم تلك الآلة التي أطلقت مسلماتها ليصدقها البسطاء في العالم، وهم الأكثرية الغالبة على كل حال.

وما فتأت تلك المنظومة الإعلامية تسوق لدول الحرية الواعدة عندما يحمل "الإرهاب" عصاه ويرحل في كهوف أفغانستان، وتنعم الشعوب بالحرية الغربية، وبالفعل انحسر كثير من أعمال العنف في بلدان العالم، وحتى المقاومات الشرعية خفت صوتها إلى حد ما في بعض البلدان لكن الأطماع لم تنته، ولا الشراهة "الاستعمارية" لجمتها الانتصارات المدعاة على "الإرهاب" المعرف أمريكيا وأمريكيا فقط، وإذ لم تفلح "أرهبة" دارفور لتكون مبرراً منطقياً للوجود الأمريكي والفرنسي والبريطاني، حيث خام اليورانيوم وحقول النفط الغنية، لاذ الغرب بمسألة "الإبادة الجماعية" التي ضربت قيداً موصداً على أيدي السودانيين؛ فأغلتها عن الاستثمار والاستقرار والاستقلال.

وإذ كان صدام مهدداً للمصالح الأمريكية؛ فلا بأس من الحديث ـ إلى جوار أسلحة الدمار الشامل ـ عن خطر محتمل يهدد العالم "إرهابياً" وانتحال علاقة متوهمة بين صدام وبن لادن عن طريق الزرقاوي!!  ولا بأس من مزج ما يحدث في دارفور بالإرهاب إذا ما حان التدخل العسكري الكثيف في الإقليم.

والصومال بعد أن مج الناس مبررات الغرب للتدخل فيه، وكان آخرها تلك الفضيحة الأخلاقية الأممية التي اجترحتها اليد "الاستعمارية" بتغطية أمريكية وتنفيذ إثيوبي وصمت أوروبي بعد أن كاد الصومال يستنشق عبير الحرية والاستقرار في بلاد تجمع بجدارة بين الفقر والجوع والحرب، دخل الآن منعطفاً جديداً بعد تدويل مسألة القرصنة التي طفقت تفرض نفسها على وسائل الإعلام مع اختطاف ناقلة النفط سيريوس ستار السعودية العملاقة، وهذا تفاعل إعلامي بلا ريب له ما يبرره، لاسيما أن الناقلة المحملة تحمل ما قيمته 100 مليون دولار من النفط الخام رفعت باختطافها أسعار النفط بدولار واحد فور ذيوع الخبر.

على أن الحادثة نفسها تلقي بظلها الثقيل على الأحداث الداخلية في الصومال، إذ ننتظر حدثاً كبيراً من شأنه إيجاد مظلة أممية تبرر التدخل الأمريكي والأوروبي السافر لعرقلة انهيار حكومة الرئيس الصومالي المعين من قبل الاحتلال الإثيوبي عبد الله يوسف، على أيدي المقاومة الصومالية التي تتنوع مشاربها وتتلاقى عند حدود الرغبة في تغيير الواقع الاحتلالي لهذا البلد الاستراتيجي البائس.

لا ضرورة لأن نستجلب على الدوام ما يجسد "المؤامرة" فيما يخص القرصنة، فهي قد تكون فعلاً طبيعياً لمن يخرجون على الناس بسيوفهم إن لم يجدوا قوت يومهم، وربما كانت أنشطتهم هي نتاج عفوي لما يعيشونه في دولة بلا دولة، ولكن أليس مقلقاً أن نقرأ تقريراً عسكرياً روسياً يقول بأن "السفن التي يرسلها حلف شمال الأطلسي إلى المياه الإقليمية الصومالية لا تستطيع مواجهة القراصنة لأنها كبيرة وغير مهيأة لمطاردة الزوارق السريعة التي يستقلها القراصنة"، وتؤكد أن "الهدف الحقيقي من إرسال تلك السفن العسكرية تسهيل إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في المياه الصومالية"؟!

وأليس مفزعاً أن تقول صحيفة الديلي ميل البريطانية "أن التهديد الحقيقي من وراء عملية اختطاف الناقلة سيريوس ستار هو نبرة الإرهاب الإسلامي (..) فالقراصنة علي علاقة وطيدة بالإرهابيين الإسلاميين، وهذا هو ما يكمن به الخطر الحقيقي علي الغرب".

إن القراصنة أيضاً إرهابيون إسلاميون، وإنه حين ترتعد فرائص الرئيس الصومالي جراء انتصارات المقاومة الصومالية بكافة أطيافها، يظهر على الفور من يقرن القرصنة بـ"الإرهاب الإسلامي".

 والسؤال الخطير هنا، عن ما لو لم يكن هناك "إرهاب إسلامي"؛ فما الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تروج له كعنوان لعدوان قادم سواء بها أو بالوكالة، إذا كانت قد أخفقت في التدخل في عهد كلينتون بدعوى "إعادة الأمل" فإذا به تخربه، وبمساندة مستترة إبان حكم بوش الغابر، وتدخل جوي قد أرخى سدوله على قوات لم تكن مستعدة لمثل هذا التدخل، وكفت اليد الإثيوبية الممتدة والطامعة و"الوقائية" اليد الأمريكية الباطشة عناء الغزو المباشر، فرضيت بدور الوكيل؟! لا جدوى وهذه الوكيلة قد كادت تولي مدبرة بعد أن جعل المقاومون جنودها هدفاً لـ"تدريباتهم العسكرية" ولميادين الرماية؛ فأصبح لزاماً أن يكون ثمة مبرر أقوى للتدخل، والذريعة تتبدى جلية في قراصنة لا ترهبهم أساطيل الدنيا وملوك البحر!!

ليست القرصنة جديدة على الصومال والقرن الإفريقي، لكنها لم تكن بهذه الضخامة التي تجعلها تطمع في ناقلة نفط عملاقة! وهذا مما صنعه الغرب أو جناه.. وحيث غدت المحاكم الإسلامية تسيطر على أجزاء واسعة من الصومال؛ فإن النظر إلى القرصنة على أنها ظاهرة تتمدد باضطراد نتاج الفراغ الأمني الذي أوجده الاضطراب الداخلي في الصومال فحسب ربما لا يمثل كل الحقيقة، لاسيما حين يدعو رئيس الوزراء الصومالي نور حسن حسين إلى تدخل قوات برية دولية إلى جانب القوات البحرية الأجنبية في المياه الإقليمية للصومال، لأن البحرية وحدها ليست كافية لوقف القرصنة ـ بحسبه ـ، وربما كلتاهما ليست كافية، والحاجة أكثر إلحاحاً إلى الجوية!!

إن القرصنة كما عهدناها شنشنة نعرفها من أمريكا، وسواء أكان صبية القرصنة تلاميذ نجباء لها أو كانوا مقلدين لا تابعين؛ فالمحصلة واحدة، إذ لم يترك الإعلام الغربي شاردة ولا واردة إلا وضمها إلى أجندة التدخل الجديدة، فلم يقصر لا في نفخه في كير القرصنة، ولا في تجديد الحديث عن "جلد الراقصات والراقصين من قبل المحاكم الإسلامية" كما فعلت رويتر وغيرها في الأيام القليلة الماضية للدلالة على "وحشية" المقاومة الصومالية، التي لا يُعرف على وجه الدقة إن كانت مشغولة الآن بالقرصنة أو بجلد الراقصات أو طرد عبد الله يوسف وأعوانه مع فلول الإثيوبيين!!