حكاية تصريح متكي !
30 ذو القعدة 1429
طلعت رميح







على قناة المنار الفضائية الناطق بلسان "حزب الله" فى لبنان , وفى الشريط الإخباري مساء الأحد (19 أكتوبر 2008 ) ورد ما نصه : وزير الخارجية الإيرانى يحذر الغرب من اجراء محادثات مع مسلحي طالبان! . وعلى قناة العالم الناطق باسم الدولة الإيرانية وفى نفس المساء ورد النص التالي : طهران تحذر الغرب من تكرار تجربة التحاور مع جماعه طالبان. وبذلك يكون التصريح فى مصدرين إعلاميين ينتسبان إلى إيران, أحدهما بصفة مباشرة والآخر بصفة أقرب إلى المباشرة, بما يطرح التساؤل حول دلالات هذا الإبراز الإعلامي الذي يصل في هذه الحالة إلى "الإبراز السياسي", خاصة وأن قنوات فضائية وصحفاً عديدة لم تنشر هذا التصريح الذى تناولته تفصيلا قناة العالم فى نشرتها , إذ قيل إن متكي شدد على تحذير الغرب مما سماه معاودة إجراء محادثات مع مسلحي حركة طالبان, وذلك ضمن تعليقات اخرى حول أفغانستان والعراق وغيرها.

 

وواقع الحال, أن هذا التصريح لم يكن وحده كاشفا للموقف الإيراني العام من حركة طالبان في أفغانستان, إذ سبق لنائب الرئيس الإيراني السابق, محمد على أبطحي, الإشارة إلى تعاون إيران مع الولايات المتحدة خلال غزو أفغانستان و(العراق) مشددا على أنه لولا هذا التعاون ما تمكنت الولايات المتحدة من احتلال البلدين, كما أن مظاهرات مصرح بها كانت خرجت فى كابول من قبل أفراد قبائل الهازارا المرتبطين مذهبيا وسياسيا بإيران, تندد بحركة طالبان, فيما وصف بأنه رد فعل إيراني على تصريحات أطلقها كرازاى وقادة عسكريين من الناتو بضرورة التفاوض مع طالبان.

 

وهذا وغيره، إنما يأتي امتدادا لحالة الصراع والحرب التي أعلنتها إيران على حركة طالبان - قبل الغزو الأمريكي – وكادت أن تصل إلى حد الحرب المفتوحة, حين حشدت إيران قواتها العسكرية على الحدود الأفغانية – خلال حكم طالبان , حتى تدخلت أطراف عربية رسمية وغير رسمية لعدم تصعيد النزاع , هو ما دعا للتفكير بأن إيران كانت اختارت انتظار الحشد والغزو العسكري الأمريكي ضد أفغانستان – طالبان , لتحقق أهدافها هى – دون أن تخسر شيئا -  ضمن ما سمى بتوظيف القوة الأمريكية والأطلسية لخدمة الأهداف الإيرانية. لكن التصريح الأخير لمتكي, يحمل معاني أبعد من تلك المواقف والتطورات السابقة, باعتباره يأتي في ظروف مختلفة على صعيد حركة طالبان ونظام الحكم العميل برئاسة كرازاى, وبسبب أنه يحمل لهجة تحذيرية للغرب (!)  من التفاوض مع حركة مقاومة!

 

دلالات التصريح الآن:

 

فى تصريح متكي دلالات هامة, منها , أن هذا التصريح يأتي امتدادا لفكرة ورؤية استراتيجية إيرانية تقوم على توظيف الدور العسكرى الغربي لتحقيق المصالح الإيرانية (إطاحة طالبان وصدام بأيدٍ غربية صب في مصلحة طهران ) , لكن الأهم أنه يمثل تطويرا فى القدرة والموقف الإيراني في التأثير للمحيط, وذلك هو المقصود حين القول بأن إيران تطلب اعترافا أمريكيا وغربيا بمصالحها فى الأقليم) , إذ المغزى للتصريح , هو أن إيران تطلب أن تتصرف قوات الناتو مع طالبان, وفق معادلات وتوازنات جديدة, تراعى فيها مصالح إيران, التي ترفض إجراء مثل هذا الحوار.

 

وكذا يظهر التصريح مدى " جدية "  الأطلسي في طلب التفاوض مع طالبان, إذ لولا إدراك إيران لمدى ضعف الناتو أمام طالبان, واتخاذ قراره بالتفاوض مع حركة طالبان, ما كلفت وزير خارجيتها أن يطلق مثل هذا التحذير الذى يجمع فى تفسير إطلاقه بين "جدية " الاطلنطى فى طلب الحوار مع طالبان ومدى ضعف الأطلسي أمام طالبان , وهو ما وجده الوزير الإيراني فرصة لكي يطلق التحذير.

 

كما فى التصريح دلالات على مدى خوف إيران من طالبان أيضا, وإصرارا على أن يقوم الناتو بهزيمتها عسكريا دون تفاوض ( هكذا يأمل الإيرانيون ويشجعون الطرفين على إنهاك بعضهما البعض).

 

 والخوف الإيراني هنا يحمل دلالات كثيرة بدوره, إذ هو إشارة فعلية على مدى قوة طالبان. التي لو كانت ضعيفة ويمكن للغرب ابتلاعها وتمييع خطوطها الفكرية والسياسية ما كانت إيران قد وصل بها القلق إلى هذا الحد, وكذا يحمل التصريح معنى, أن إيران تعلن رفضها " للحلول التفاوضية " فى أفغانستان ليس مع الولايات المتحدة أو قوات الأطلسي, بل مع حركة طالبان.

 

 والمعنى الثالث هو أن إيران ما تزال على موقفها فى وصف حركة طالبان الإسلامية بمجرد "مسلحي حركه طالبان (حسب النص الوارد فى قناة المنار). وفى ذلك يبدو أن الأطلسي قد سجل اعترافا بحركة طالبان وقوتها (كحركة مقاومة) , بينما إيران ترفض الاعتراف بالحركة وتراها مجرد مجموعات من المسلحين!

 

رسالة أخرى

 

غير أن واقع الحال, هو أن وزير الخارجية الإيراني لم يطلق تحذيره هذا بوجه الغرب والناتو, إنما أطلقه أيضا بوجه كرازاى, باعتباره هو من تحدث صراحة عن مثل هذا التفاوض, حين أشار إلى أنه طلب من قيادة المملكة السعودية المساعدة فى إجراء حوار بين حكومته وحركة طالبان.

 

وهنا يطرح التصريح دلالات أخرى, وفى اتجاهات أخرى, تكشف عن محاولة إيران "التمدد أيضا" باتجاه المنطقة العربية لا فى أفغانستان وحدها.

 

صحيح أن التصريح, يظهر تشددا تجاه الأطلسي ويشير إلى ضرورة مراعاة " رأي وموقف إيران" في تطور القضية الأفغانية, ولكنه أيضا, يضع فيتو على توجه حامد كرازاى ذاته فى الحوار مع طالبان وفي اللجوء إلى المملكة العربية السعودية للمساهمة فى عقد مثل هذا الحوار.

 

وإذ تبدو الرسالة قد ووجهت برد واضح من خلال تصريحات تشير إلى اعتزام إجراء تلك المفاوضات - بناء على طلب كرازاى - بالنظر للمكانة والدور الذى تلعبه المملكة العربية السعودية, فإن الأهم هنا, هو أن السياسة الإيرانية لم تكشف فقط, عن رغبة فى الهيمنة والسيطرة فى الإقليم الممتد من أفغانستان وحتى لبنان, بل هى أظهرت أيضا مدى المراوغة الإيرانية في محاولاتها تحقيق مصالحها, وأنها تتبع سياسة برجماتية تكيل بمكاييل عديدة, فى ذات الوقت وذات الصنف!

فبغض النظر عن قضية الحوار بين طالبان وكرازاي واحتمالات تطورها, فالأهم هنا , أن إيران التي تسمح لرجالها في العراق سواء من هم فى الحكم المالكى أو خارجه كالصدر, بالتحاور مع قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية, كما هي سمحت لـ"حزب الله" بالتفاوض والحوار مع أطراف لبنانية كانت حاربتها, هي ذاتها التي ترفض الحوار بين الغرب وكرازاي وحركة طالبان!

 

الدلالات الأخطر

 

ورغم خطورة كل ما سبق ودلالاته, التي ينبغي لكل من لا يزالون يدافعون عن إيران وكأنها حليف للعرب (وظهير للمسلمين في صراعاتهم مع الغرب الاستعماري) أن يفهموها؛ فإن ما قاله متكي بشأن التطرف والإرهاب, يحتاج إلى فهم مدقق من قبل هؤلاء المدافعين وربما الغافلين أيضا.

 

فالأصل الأخطر فيما قاله متكى هو أن إيران تعرض نفسها حليفا للغرب فى مواجهته ما تسميه ويسميه الغرب .. بالإرهاب , وهذا ما قاله بالدقة متكي فى تصريحه هذا.

 

متكى ربط فى تصريحه بين رفض التفاوض مع طالبان والحرب على الإرهاب, إذ جاء تحذيره من التفاوض مع الغرب مقروناً بألا يتصور الغرب إمكانية "حصر التطرف في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى, لأن التطرف والإرهاب سيصل في يوم من الأيام إلى أوروبا والغرب.

 

هذا المعنى كان بارزا فيما قاله متكي, لكن اللافت أكثر أن الوزير ذاته كان قال هذا الكلام قبل ذلك بعشرة أيام أيضا, إذ سبق وحذر الدول الغربية من انتشار التطرف والإرهاب قائلا "إن فشل المحاولات الرامية إلى احتواء الإرهاب والتطرف من شأنه أن يهدد الجميع بما في ذلك الغربيون.

 

هنا, يبدو واضحا أننا أمام عدة دلالات بالغة الأهمية،

أولها: أن إيران تقدم نفسها كحليف للغرب فى الحرب على طالبان, التي هي عند الإيرانيين – كما تظهر الممارسات و التصريحات – عنوان للتطرف والإرهاب, وهو ما يطرح اشكاليات عديدة في فهم السياسة الإيرانية , التي تقدم نفسها للعرب باعتبارها سياسة رافضة للوجود والهيمنة الغربية, وباعتبارها حليف لأشكال المقاومة المعادية للوجود والدور والممارسات والاستراتيجيات الغربية الساعية للهيمنة على المنطقة , بينما هى ذاتها, تقدم نفسها حليفا للغرب فى خطته الساعية لاحتلال الدول الإسلامية, تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف, الذي هو القول ذاته الذي تصف به أجهزة الإعلام الأوروبية والأمريكية والصهيونية حركات المقاومة .

 

وثانيها: أننا أمام ضرورة إعادة فهم وتفسير الاستراتيجيات الإيرانية في المنطقة حين تدعم هذا الفصيل أو ذاك, ذلك أن هذا الفعل يقع ضمن إطار الإمساك بأوراق الضغط على الغرب لإنفاذ مصالحها, إذ هى لا تعتبر نشاط هذه الحركات يصب دورها في خدمة "العالم الإسلامي" , بل في خدمة أهدافها هي.

 

 وهنا سيقال, كيف نصل إلى هذا الاستنتاج, بينما إيران هي "من يساعد ويساند حماس والجهاد" فى فلسطين, أو ليست قضية فلسطين هي الأصل والقضية المركزية. والإجابة ببساطة هي أن إيران حينما تفعل ذلك أي حينما تساند حركات ضد الكيان الصهيوني, فهي تفعل ذلك فى إطار صراعها كقوة إقليمية صاعدة, مع قوى إقليمية أخرى, على النفوذ والمصالح فى المنطقة, لا من  أجل العرب والمسلمين .

 وهنا قد يقال : وما دليلكم على ذلك ؟ . والدليل هناك من الموقف الإيراني من المقاومة العراقية, إذ ما تفعله إيران مع طالبان , هو ذات ما تفعله مع حركة طالبان فى أفغانستان.

 

وثالثا : يبدو المطلوب باستمرار هو الرجوع إلى الحالة العراقية, التي هي ليست حالة كاشفة لموقف جزئي من الإستراتيجية الإيرانية, بل هي اذا ربطناها بالموقف من طالبان – خاصة فى ظل تحريك المجموعات الموالية للتظاهر ضد طالبان قبل أيام مجددا في شوارع كابول – تظهر أن الإستراتيجية الإيرانية فيما يتعلق بالولايات المتحدة والأطلسي وأوروبا هي إستراتيجية تقوم على صراع المصالح فى المنطقة, لا صراع المبادئ أو الأفكار, وأنها سياسة ازدواجية تحركها دوافع الربح والخسارة, وأنها لذلك لا تؤمن الجانب من قبل أي طرف عربي إسلامي.