تأخير الحج للمستطيع
2 ذو الحجه 1429
د. نهار العتيبي

اشترط أهل العلم على كل مسلم ومسلمة أن يكونا مستطيعين  وأن يوجد مع المرأة محرمٌ لما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال: انطلق فحج مع امرأتك" ولكن لو كان المسلم - رجلاً كان أو امرأة - غير مستطيع بماله وبدنه لكان معذوراً ولو كان مستطيعاً بماله غير مستطيع ببدنه لكان واجباً عليه أن ينيب من يحج عنه من ماله ولو كان مستطيعاً ببدنه وغير مستطيع بماله وكان يستطيع الوصول إلى مكة والعمل بما يكفيه لعيشه أيام الحج لكان واجباً عليه الحج.

 

ولكن المؤسف حقيقة أن بعض الشباب والشابات وربما بعض الرجال والنساء يؤخرون الحج مع استطاعتهم عليه مادياً وبدنياً، وهذا بلا شك خطأ كبير ويأثم من فعل ذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم فإن الحج يكون على الفور أي مباشرة من حين الاستطاعة والبلوغ إذا توفرت بقية شروط الحج وهي الإسلام والعقل والحرية ووجود المحرم بالنسبة للمرأة كما أسلفت وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - اتفاق الصحابة والسلف على أن الحج على الفور.

ولكنه يوجد بالفعل بعض الشباب والشابات وربما بعض الرجال والنساء يؤخرون الحج مع استطاعتهم عليه وهذا بلا شك خطأ كبير ويأثم من فعل ذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم.

 

ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وبعض أصحاب السنن وصححه الإمام الألباني في صحيح الجامع والذي يقول فيه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: "تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " و من الأدلة الواضحة كذلك على وجوب الحج على المستطيع مباشرة وأنه يلزم على الفور النصوص الواردة في وجوب الحج ومنها قول الله - عز وجل -: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً..." (آل عمران: من الآية97).

 

ولما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا " متفق عليه. وهذه الأوامر تفيد الوجوب على الفور لأنه لا يوجد صارف يصرفها عن الوجوب إذا الأصل والأوامر أنها على الفور.

 

وأما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة مع أن الأمر بالحج وفرضه كان في السنة التاسعة على الصحيح فإن ذلك يرجع إلى سببين رئيسيين:
السبب الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مشغولاً بالوفود الذين كانوا يقدمون إليه في المدينة ويدخلون في الإسلام ولهذا كان العام التاسع يسمى بعام الوفود. وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أن عدد الوفود في هذا العام بلغ ستين وفداً.

 

السبب الثاني: أنه مازال المشركون يحجون حتى في العام التاسع، ولذلك أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وكذلك أرسل علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - وأمر كل واحد منهما عندما أرسله بأن ينادي في الناس بأن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

 

وذلك لأن المشركين كانوا يحجون وكان من يطوف بالبيت من غير قريش يطوف عريانا. ومن هذا يتبين أن على كل مسلم ومسلمة أن يبادرا إلى الحج ماداما أنهما مستطيعان وأن من أخر الحج وهو قادر مستطيع ولا يمنعه مانع فإنه يأثم لهذا التأخير وربما عرض له عارض في المستقبل فأصبح لا يستطيع بعد أن كان قادراً أو ربما وافاه الموت قبل أن يحج ثم أتعب من بعده من أقاربه بالسعي والبحث عن من يحج عنه من تركته.

 أسأل الله - تعالى -أن يعينني وإخواني على العمل الذي يرضيه عنا وأن ييسر لمن أراد الحج حجه ويعينه عليه إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.