إعلاميو التبرير لـ"إسرائيل" ومنطق النباح
4 محرم 1430
إبراهيم الأزرق

يذكرون أن كلباً أراد أكل قطة وقد ركبا قارباً واحداً، فحرصت القطة على ألا تأتي بحركة مريبة، فلما توسط القارب البحر، تنحت القطة جانباً لتوسع المحل، فقال الكلب بصوت عال: أيا هذه القطة! قد أثرت الغبار علينا بحركتك!
فأجابت: لكن يا سيدنا الكلب نحن في وسط البحر، وليس ثمة تراب!
فقال الكلب: أَوَ تَرُدِّينَ عليَّ يا هذه؟ هذه قلَّةُ أدب!
ثم هجم على القطة فالتهمها!
واليوم لك أن تشبه القطة بحال بعض من هلك من المناضلين الذين تركوا النضال.. ثم بعد ذلك التهمتهم "إسرائيل"!
ومع ذلك يصر بعض المتصدرين من الإعلاميين على إعلان الإنكار على حماس وغيرها من فصائل الجهاد إن لم تقم بتمثيل نفس دور القطة مع الكلب! بدعوى الحكمة والواقعية!
وعلى الرغم من سفه هذا المنطق كما ترى فإن ثمة منطقاً أسفه؛ وهو منطق أولئك الذين يُحمِّلون الفصائل المجاهدة المسؤولية لأنهم قاوموا الاعتداءات "الإسرائيلية"!

ومشكلة هؤلاء في قضيتين:
الأولى: أنهم صدقوا دعوى الكلب ولو عرفوا "إسرائيل" على حقيقتها، واليهود كما وصفوا في القرآن، وما يكنونه لأهل الإسلام متى قدروا عليهم، لأدركوا أن الكلب سوف يتذرع بأي شيء آخر ليست فيه ذريعة على الحقيقة! وإذا لاموا الفلسطنيين على فعل مباح لهم في مقابل اعتداء "إسرائيل" عليهم، وذلك سداً للذريعة، فسوف يلومونهم كذلك على فعل آخر مباح ليست فيه ذريعة على الحقيقة تتذرع به "إسرائيل" لضرب المسلمين، إذا لم يقم أولئك بالفعل الأول... فتحصل أن أصحاب هذا النباح مع الكلب دائماً.. وليست الطيور هي وحدها التي على أشكالها تقع!

 

والثانية: أن الذريعة المذكورة لو كانت ذريعة حقيقية، وكان إتيان المجاهدين لها غلطاً بتأول أو اجتهاد بعيد أو قريب، فإن ذلك لا يسوغ أبداً ردة الفعل "الإسرائيلية"، ففي أي شريعة ودستور يقتل مقابل الواحد مائة؟! فكيف إذا كانت الأرقام على مر التاريخ تتجاوز أضعاف ذلك؟!
ومثال من ينكر على حماس أو غيرها رميهم العدو بالصواريخ، ويقول: ماذا تنتظرون من "إسرائيل" أو تتوقعون منهم جراء عملكم؟! مثال هذا كمن ينظر إلى مشهد مجرم عات ينزع أعضاء طفل بكل قسوة عضواً عضواً؛ بحجة أن الطفل استفزه وأغاظه بمد لسانه طويلاً وقوله له: ياقبيح! وفي هذه الأثناء يجيئنا هذا المفكر الحكيم، فيقول: تصرفات المجرم (مبررة) والطفل غلطان: لأنه مد له لسانه!

 

فهل حقاً تصرفات المجرمين (مبررة)؟ أم أن لها أسباباً لا تبرر الإجرام الذي ينبغي أن يدان!
 وهذا كله إذا كان الطفل إنما مد لسانه ابتداء وعبثاً.. فكيف إذا كان المجرم قد دخل بيت الطفل لا ليسرق ويرجع! بل ليستوطنه ويستولي عليه.

 

نعم فرق بين (ما) أتحدث عنهم وبين آخرين ناصحين لا يحمِّلون المجاهدين المسؤولية، ويقررون ظلم العدو وجوره، لكن قد أداهم اجتهادهم إلى أن الأولى نصح المجاهدين في السر بترك ما من شأنه استفزاز العدو، والسعي من أجل هدنة تضبطها المصلحة.. فمثل هؤلاء لهم اجتهادهم الذي يُنظر فيه ويدرس دراسة واقعية شرعية، أما الآخرون المُعْلِنُون بالتبرير فهم شركاء في العدوان مع المعتدين، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة: 119].