7 شوال 1435

السؤال

هناك سؤال حيرني منذ فتره ألا وهو قضية إذا زنى الشخص، أن العقاب يكون من أهلك: بنتك أو أختك أو غيرهما، لم أقع في الحرام من فضل الله، لكن هذه قضيه أثيرت في بعض المنتديات وفي المجالس، وأريد الجواب، سمعت قصيدة الشافعي من زنى بألفي درهم زني به بغير الدرهم.. إلى آخر القصيدة، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، وقصة إنها دقه بدقه ولو زدت لزاد السقا..
أريد جواباً شرعياً هل من زنى يُزنى به من بناته أو أخواته؟ وإذا كان الجواب نعم.. ما ذنب البنت أو الأخت الطاهرة البريئة! وهل تعاقب بسبب ذنب غيرها، والله سبحانه وتعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تتحمل نفس ذنب أخرى.. ولكم جزيل الشكر.

أجاب عنها:
سليمان الأصقه

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ليس بصحيح أن من زنى فالعقاب لا بد أن يكون في أهله بأن يُزنى ببنته أو أخته، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت:46)، وقال تعالى: (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: من الآية164)، وقال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" أخرجه مسلم 2577 من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل. وكم هن الطاهرات ولهن إخوان أو آباء فاسدين، إلا أن من سنن الله تعالى الغالبة أن الصلاح متوارث وكذلك ضده ولذا يستغرب أن يوجد الفساد في بيوت الصلاح ويقل الصلاح أو يندر في بيوت الفساد، قال تعالى عن قوم مريم عليها السلام: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) (مريم:28)، فقد استغربوا أن تأتي بولد من غير أب وهي من بيت صلاح، قال قتادة: "كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ولا يعرفون بالفساد وفي الناس من يعرف بالصلاح ويتوالدون به وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به" أخرجه ابن أبي حاتم – الدر المنثور 10/65.
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى عن نوح عليه السلام: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً) (نوح:26، 27)، وعلى هذا يحمل ما ورد وأثر مما ذُكر ولا يعني ذلك أن أحداً يعاقب بذنب غيره ولا يجازى بعمله بل كما قال تعالى: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (النجم:38-41)، فالذنب عندما يقع من الأولاد والإخوان هو بما كسبت أيديهم إذ هم مكلفون مأمورون منهيون فإذا عصوا فهي ذنوبهم وإذا أطاعوا فلهم ثوابهم لكن سنة الله تعالى الغالبة أن الصلاح متوارث كما أن الفساد متوارث، فإذا كان الوالدان فاسدين أفسدا أولادهما وفي الحديث "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" أخرجه البخاري 1358 ومسلم 2658 من حديث أبي هريرة وإذا كان صالحين صلح بصلاحهما ذريتهما قال تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:34)، وهنا نستنتج الفائدة ونقتبس العبرة وهو أن الوالد يعلم أن فساده ووقوعه في المعاصي لن يؤثر على نفسه فقط بل سيؤثر على من حوله من أولاد وبنات، وأن صلاحه سيؤثر في حفظ صلاح ذريته ومن حوله قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) (الكهف: من الآية82)، قال بعض السلف إن الله ليحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس – الدر المنثور 9/618، وقال ابن عباس رضي الله عنهما حفظا بصلاح أبيهما وما ذكر منهما صلاح. أخرجه ابن جرير 15/366 نسأل الله تعالى صلاح العمل والذرية والنية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.