أنت هنا

غزة بين ألوية النصر وألوية الغدر
1 صفر 1430
د. حسين بن معلوي الشهراني

الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على حامل لواء المجاهدين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن أحداث "غزة" في أرض فلسطين، والتي وقعت في عام ثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية، لهي أحداث عِظام في تأريخ الأمة الإسلامية، بل والعالم أجمع، وعِظم هذه الأحداث يؤهل المعركة العظيمة التي حصلت بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وأتباعهم.. يؤهلها – حقاً – لأن تسمى "معركة الفرقان" كما سماها المجاهدون الصابرون في غزة.

 

ولست هنا بصدد ذكر مجريات المعركة وأحداثها وأهوالها.. ولا ذكر الانتصارات العظيمة التي أقرّ الله تعالى بها عيون المؤمنين رغم ما أصاب إخواننا هنالك من القتل والدمار.. ولا ذكر حقد اليهود وشدة عداوتهم، وبالمقابل هزيمتهم وتوليتهم الأدبار. ولكني أقول:
إن معركة الفرقان في غزة، وباستصحاب الأحداث التي سبقتها من حصار للمسلمين دام قرابة ثلاث سنوات، ومن تواطؤ للقضاء على العصبة المؤمنة المجاهدة – نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً – وما تلا المعركة من مجريات.. أقول: إن هذه الأحداث مجتمعة جعلتنا نرى في سمائها– دون أن يحجب تلك الرؤية غيم ولا سحاب – ألوية منصوبة نصبتها أحداث "غزة" طوعاً أو كرهاً.. وستبقى ألوية منصوبة في ذاكرة الأجيال.. وفي صفحات التأريخ.. بل في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

 

هذه الألوية ليست سواء؛بل هي صنفان  والفرق ما بينهما كالفرق بين النصر والهزيمة.. بين العزة والذلة.. بين الكرامة والمهانة.. إنها ألوية نصر وألوية غدر يتراءاها الرائي أمام عينيه، وهو يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان"، وفي لفظ مسلم: "لكل غادر لواء يوم القيامة يُرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظمُ غدراً من أمير عامة".

 

أما ألوية النصر فأولها وأعظمها وأصدقها هو لواء الإسلام.. الدين العظيم، الذي من تمسك به فلن يُهزم ولن يُخذل ولن يذل ولن يضل.. هو اللواء العظيم الذي من تمسك به عزّ وانتصر وأفلح في الدنيا والآخرة.

 

ولواء نصر شامخ للمؤمنين المجاهدين الأبطال في غزة فلسطين، الذين صبروا وثبتوا، ولم يخفضوا رأساً أو يحنوا ظهراً لغير الله الملك القهار، ولم يتاجروا بدين أو يساوموا على مبدأ أو وطن أو عزة أو كرامة.

 

لواء نصر أولئك الذين أعادوا لأمة الإسلام شيئاً من عزتها في غزة الجهاد والإسلام، وأحيوا فيها قدراً من كرامتها بعد أن كادت تخبوا أضواؤها.. وأقاموا علم الجهاد فيها.
ولواء نصر لعلماء الإسلام ممن ضامهم حال إخواننا في غزة، وعاينوا حقيقة الصراع بين الحق والباطل، وأدركوا حال المنافقين والمخذلين من الحكام والأفراد فصدعوا بكلمة الحق، وقاموا بواجب النصرة والبيان وفاءً بالعهد الذي أخذه الله عز وجل عليهم في قوله سبحانه: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: من الآية187).

 

ولواء نصر لعموم المسلمين وأفرادهم الذين أقضّ مضاجعَهم مُصابُ إخوانهم في غزة، مستشعرين جسد الأمة الواحد، يحسون بآلام غزة ويتألمون لجراحها حقيقة متداعين لها بالسهر والحمى والدعاء والبذل والعطاء، مستشعرين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
 "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله" رواه مسلم.
ولواء نصر للإعلام المسلم.. للإعلام الذي يحمل هموم أمة الإسلام أينما كانت؛ فحمل لواء النصرة والبيان، لم يتأثر بأفكار مضللة، ولم تلهه شهوات مثبطة.. ربأ بمبادئه وأفكاره وطروحاته عن الدنايا والسفاسف.

 

أما ألوية الغدر.. وألوية المكر.. وألوية الخيانة.. وألوية الخذلان فقد نُصبت في معركة الفرقان لتكون شاهدة على أهلها من ذوي الكفر والنفاق.. والمكر والذل والخور وسيئ الأخلاق.
فهنالك لواء غدر منصوب لأعداء الإسلام عامة، ولليهود خاصة، الذين تثبت الأيام بعد الأيام – والوقائع بعد الوقائع.. والأحداث بعد الأحداث تثبت عملياً ما تقرر في نصوص الوحيين من خبثهم وحقدهم على الإسلام وأهله، وسعيهم في الأرض بالفساد والإفساد.. وأنه لا سلام معهم بل سلاح وجهاد في سبيل الله. (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ *ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا...) (آل عمران: 111-112).

 

ولواء غدر منصوب لأولئك الذين شرقوا بالإسلام.. وساءَهم ظهور أهل الإيمان.. وأرادوا بيع الأرض المباركة بأبخس الأثمان – أولئك الذين يحسنون الطريق إلى الفنادق ولا يعرفون طريق الخنادق، أولئك الذين شربوا من خمرة الذل حتى الثمالة، وأدمنوا على مخدرات وعود السلام المزعوم حتى المهانة مع شر البرية وأنجسها وأشدها خبثاً وغدراً.

 

لا يعترفرون بجهاد ولا إعداد، ولا يعرفون قدسية أرض المحشر والمعاد، بل وصل الحال – وبئس الحال والمآل إلى التواطؤ مع الأعداء على الفئة المؤمنة، والكيد لهم والمكر بهم، لاستئصالهم، وإخماد راية الجهاد، ومقاومة الأعداء، حتى دخلوا مع الكفار والمشركين في قول رب العالمين: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) (التوبة: من الآية32)، وقوله عز وجل: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) (آل عمران: من الآية120)، فلواء غدرهم معقود، ويوم القيامة منصوب ومرفوع. ألا فبعداً لهم كما بعدت يهود.

 

ولواء غدر وخذلان منصوب لزمرة من حكام بلاد الإسلام، منهم من خذل المسلمين في غزة، وأحكَم عليهم الخناق، وتمالأ مع يهود على إطفاء نار الجهاد، وقمع كل عائق أمام السلام المزعوم، بل الذل والهوان؛ فهذا كسابقه ولواء غدره منصوب معلوم، بل قد مدّ للعدو يداً، ولم تدفعه جرائم يهود حتى إلى أن يقطع معهم العلاقة، ويتبرأ من جرائمهم بالفعل لا بالتشدق والثرثرة، ومنهم من لسان حاله: لم آمر بها ولم تسؤني!! ولواء خذلانه مرفوع، ومنهم من أسكته الجبن والخور والذلة والمهانة، وإيثار الفانية على الباقية.

 

ولواء غدر ومكر منصوب للإعلام الهابط، وهو في دائرة فكر الكفر ونهجه مرابط، قد رقص وغنى وزمر على جراح غزة وآلامها، بل سار على خُطا الكفرة الفجرة في التثبيط والتخذيل وادعاء انتصار الأعداء في معركة الفرقان، ولا عجب لأنه من صنيعة الغرب، ووليد فكره المنحرف،لكن مكرهم إلى بوار قال الله تبارك وتعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: من الآية30).
وقال سبحانه: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ *سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ *وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:4-8).