(نَجّاد) القَوّال و(أردوغان) الفَعّال
13 صفر 1430
د. محمد بسام يوسف

في عام 2003م، بينما كان السيد (رجب طيّب أردوغان) يصادق على قرار البرلمان التركيّ، بالأغلبية الساحقة، لمنع أميركة من مهاجمة العراق، انطلاقاً من الأراضي التركية ومن قاعدة (إنجرليك) الجوية.. كان الوليّ الفقيه في الجمهورية (الإسلامية) (علي خامنئي) وقيادات نظامه، مشغولين بوضع اللمسات الأخيرة مع (الشيطان الأكبر)، لتحقيق أكبر قَدْرٍ من التعاضد والتعاون والتآمر، لاحتلال العراق، الجار العربيّ المسلم!..
حين خرج الشعب التركيّ بمظاهراتٍ عارمةٍ آنذاك، تأييداً للعراق، واستنكاراً للعدوان الأميركي على بلدٍ عربيٍ مسلم.. كان قادة النظام الإيرانيّ يتسابقون أمام وسائل الإعلام، للافتخار بإنجازهم العظيم، وتحالفهم مع آل البيت (الأبيض)، لتقويض أركان دولةٍ جارةٍ مسلمة: [لولا إيران لما تمكّنت أميركة من احتلال العراق]!..
حين كانت (تركية) تتحرّك بدأبٍ لتحقيق الحد الأدنى من الأمن للعراق.. كانت (إيران نجّاد) تدفع بميليشيات القتل والعدوان والجريمة الطائفية إلى بغداد، لصنع أكبر قدْرٍ من الاضطراب الطائفيّ والسياسيّ والأمنيّ والاجتماعيّ!..
حين كانت تركية تتوجّه إلى حضنها الإقليميّ العربيّ والإسلاميّ، دعماً وتفاعلاً وتوحّداً، ويخوض (حزب العدالة والتنمية) جولاتٍ من الصراع مع معارضي هذا التوجّه من أحزاب الداخل التركيّ.. كان النظام الإيرانيّ يغزّ السير نحو أفضل السبل، لإثارة الفتن القومية والعرقية والطائفية، في هذا العالم العربيّ والإسلاميّ الكبير، لتكريس الفرقة والتجزئة وانعدام الأمن وفقدان الأمان والاستقرار!..
حين كان الجار التركيّ المسلم يُفَعِّل اتفاقيات الإعمار والمشروعات التنموية المختلفة في الإقليم العربيّ والإسلاميّ.. كان الوليّ الفقيه الإيرانيّ يحرّض الحزب التابع له في لبنان، على استجلاب الدمار الصهيونيّ، ثم على ممارسة التدمير المبرمَج، للوطن اللبنانيّ، ولما يمكن أن تصل إليه اليد الفارسية الشيعية من عالمنا العربيّ والإسلاميّ!..
عندما كان (الممانِع) الإيرانيّ مشغولاً باعتقال العشرات من أهل (الأحواز) العربية، لتظاهرهم، تضامناً مع أهلهم الفلسطينيين، واستنكاراً للعدوان الصهيونيّ الوحشيّ على غزّة هاشم.. كان رجال السلطة التركية الأردوغانية، يقودون بحراً هادراً من الشعب التركيّ، في شوارع المدن والبلدات التركية، تضامناً مع غزّة وفلسطين والمقاومة الفلسطينية، ويرفعون العلم الفلسطينيّ إلى جانب العلم التركيّ، ويحرقون العلم الصهيونيّ!..
عندما كان الحاشر أنفه (أحمدي نجّاد) يقهقه ويضحك، في قاعة مؤتمر المتاجرات والانشقاقات العربية في الدوحة، المنعقد أثناء العدوان على غزّة.. كان (رجب طيّب أردوغان) يذرف دموعه الحارة الطاهرة، عند أَسِرَّة جرحى الحرب الفلسطينيين، في أحد المشافي التركية!..
عندما كان سفهاء بلاد فارس، يمارسون أخلاقياتهم، بالمطالبة بضمّ (دولة البحرين) العربية المسلمة إلى إيران، وبالإصرار على احتلال الجزر الإماراتية العربية الثلاث، بل باعتبار دولة الإمارات جزءاً من بلاد فارس.. كان حكماء تركية، يتحرّكون في كل الاتجاهات، لنصرة فلسطين، ولتحقيق وحدة الموقف العربيّ والإسلاميّ، ضد العدو الصهيونيّ!..
بالأمس القريب، كان (أحمدي نجّاد) يهدّد بإزالة (دولة إسرائيل)، وحين اندلعت الحرب العدوانية الصهيونية على الشعب الفلسطينيّ.. اكتفى ونظامه وحلفاؤه، (الممانعون) منذ استجلابهم السكينة والهدوء على (الجولان المحتلّ) عام 1974م.. اكتفى بظاهرته الربع صوتية، وباعتقال المتظاهرين ضد الكيان الصهيونيّ، وبالابتسامة العريضة في مؤتمر (الممانعة) القَطَريّ، وبفتاوي (الوليّ الفقيه) التي تقضي بتحريم توجّه المتطوِّعين الإيرانيين لنصرة المقاومة الفلسطينية!.. واليوم، قام (أردوغان) بزلزلة الكيان الصهيونيّ ومَن وراءه، منطلقاً من (دافوس)، فأزال دولة العدوّ الصهيونيّ بالفعل لا بالقول، حين أزال هيبتها، وسفّه رأسها الأكبر، وكشف حجم جرائمها ووحشيّتها وحقدها على الإنسانية، مؤنّباً حلفاءها الذين (صفّقوا لقتلة الأطفال)، ثم انسحب من قاعة مؤتمر (دافوس) استنكاراً، عزيزاً كريماً، ليستقبله شعبه استقبال الأبطال، مسجِّلاً موقفاً تاريخياً، ستبقى الأجيال تذكره ما ذكرت البطل (محمد الفاتح)، والسلطان (عبد الحميد)، الذي صفع وجه (يهود)، بأكياس الذهب الذي أرادوا شراء فلسطين به!..
في الوقت الذي لا يزال فيه الفرس الشيعة يمجّدون أبا لؤلؤة المجوسيّ، قاتل الخليفة العربيّ المسلم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، ويحجّون إلى قبره المزعوم.. دوّت صرخة الأتراك على لسان (أردوغان): (أنا حفيد العثمانيين)!.. نعم، العثمانيون، الذين جعلوا (الأذان) يرتفع على قمم (البوسنة والهرسك)، والذين –لولا التآمر التاريخيّ الفارسيّ الصفويّ- لكانت (باريس) وأخواتها، يَقْرَأنَ اليوم سورة الأنفال، ويتباهَيْنَ بسورة الرحمن!..
كان على السيد (خالد مشعل) وصحبه، أن يعلنوا نصر المقاومة، من (إستانبول)، بلد العزّ والفخار والفتح الإسلاميّ الحقيقيّ، بلد المقاوِم المجاهِد (أردوغان)، الذي انطلق بالصولة الفعلية لإزالة (إسرائيل) في (دافوس).. لا أن يُعلنوا نصر المقاومة من (طهران)، عاصمة البلاد التي ما تزال تعدنا -من وراء الميكروفونات- بإزالة (إسرائيل).. بلاد (إيران غيت)، التي أفتى الوليّ الفقيه الذي يحكمها، بجواز شراء السلاح الصهيونيّ مقابل النفط الإيرانيّ، لمحاربة العراق العربيّ المسلم، وبجواز ممالأة (الشيطان الأكبر) لتكريس احتلال الجارة (أفغانستان) المسلمة!.. فأي بوصلةٍ هذه التي يحملها السيد (مشعل) ومرافقوه؟!.. وأي (قدسٍ) هذه التي يريد أن يحرِّرَها المجاهِد (خالد مشعل) من (قُمّ) و(طهران)؟!..