التعاون الأخطر في العالم
22 صفر 1430
علي مطر

التعاون الوثيق بين وكالة الاستخبارات الأمريكية وجهاز الاستخبارات الهندي (الراو) والاستخبارات "الإسرائيلية" (الموساد) وثيق الصلة بالأوضاع السياسية الراهنة في منطقة جنوب آسيا، وعلى هذا الأساس ربما يعد مثل هذا التعاون الأشد خطراً في المرحلة الحالية. الأنشطة المثيرة للقلق التي تقوم بها هذه الأجهزة الثلاث، سواء منفردة أو مجتمعة تدفع بالإنسانية إلى حافة الهاوية وإلى جحيم من العنف الذي لا يكاد يتوقف، وهي الأنشطة الموجهة ضد الجميع وحتى ضد شعوب هذه الأجهزة على حد سواء. فقد إنهارت مظاهر السلام في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بسبب التنسيق المكثف بين الهند وإسرائيل والولايات المتحدة لأن هذه الدول الثلاث قامت بتشريع جديد منذ ذلك الحين في دعم وتطوير إرهاب الدولة من خلال أجهزة الاستخبارات سيئة الذكر المشار إليها، وذلك بهدف تحقيق أهداف ومصالح هذه الدول مهما كان ثمن ذلك وعدد ضحاياه.

 

ويمكن للمرء أن يزعم بدون أن يكون مخطئاً أن جميع الأزمات والنزاعات الراهنة على وجه الارض ناجم عن أنشطة إحدى هذه الأجهزة أو من خلال التنسيق بين جهازين منها أو بفعل تآمرها وتضافر جهودها مجتمعة، وبسبب تدخلها السافر في شؤون الغير ورفضها لتدخل الآخرين في تصليح الأخطاء الناجمة عن أنشطتها وكذلك بسبب نشر الأكاذيب عن الآخرين ممن يعادونها سواء كانوا أفراداً أو دولاً.. والامثلة كثيرة.. الأزمة في العراق وقضية الشرق الأوسط ومشكلة كشمير والنزاع في أفغانستان وحركة الدالي لاما ضد الصين ومشكلة المتمردين في سريلانكا والنزاع على المياه في منطقة جنوب آسيا والنزاعات العرقية في داخل الأقاليم الهندية ذاتها.. وقضايا البرامج النووية في كوريا الشمالية وإيران ومقتل بينظير بوتو وتمثيلية هجمات مومبي.. نقول تمثيلية؛ لأن وزير خارجية باكستان لم يتمكن الا وأن يصرح مؤخرا بأن تفجيرات مومبي الأخيرة ما هي الا تمثيلية من إخراج المؤسسة الحاكمة الهندية للضغط على باكستان.. كلها أدلة على تورط أجهزة استخبارات الولايات المتحدة و"إسرائيل" والهند.
وكالة الاستخبارت الأمريكية وجهاز الموساد "الإسرائيلي" يعملان معاً منذ تأسيسهما وظل تعاونهما ضد جهاز الكي جي بي السوفييتي (الروسي) علنياً وضد جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية سرياً. وما زالت وكالة السي إي إيه نشطة في تنسيقها مع وكالات استخبارات أوروبية للتعاطي مع كل من روسيا والصين.

 

وعلى الرغم من أن السي أي أيه كانت متخدة في أنشطتها مع الاستخبارت العسكرية الباكستانية في فترة الثمانينات لكي يحتفلا في نهاية المطاف بهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، إلا أن السي أي أيه لم تنظر في أي لحظة من اللحظات إلى هذا الجهاز الباكستاني على أنه شريك ند لها بل عملت على الاستفادة منه وحسب لحين أن تتمكن من الانقضاض عليه، ذلك لأنه لا يرقى إلى مرتبة الشراكة والتنسيق معه مثلما هو الحال مع جهازي الاستخبارت في الهند و"إسرائيل". والسبب واضح وهو أن هذا الجهاز الباكستاني رفض حتى سنوات قليلة مضت التنازل عن مصالح باكستان العليا في أحلك الظروف وأشدها قتامة، وهذا ما جلب إليه عداء الدول الغربية والهند. واتضح للجميع مدى الازدواجية الغربية - كانت السي أي أيه تدعم في الثمانينات من تسميهم الآن بالإرهابيين والمتطرفين لكي يحققوا لها ما أخفقت جيوش بلادها في القيام به وهو تحييد الاتحاد السوفيتي وإبعاده عن مركز التأثير الدولي منشغلاً عن ذلك بأزماته وجروحه. أمريكا دفعت لهم المال من خلال باكستان وقدمت لهم السلاح لكي يطردوا روسيا من المنطقة. باكستان اضطرت للإسهام في هذا الدعم بسبب موقعها الجيو ـ سياسي ولإبعاد أخطار الدب الروسي عنها وعن المنطقة ولكنها في النهاية وقعت بين براثن دب آخر هو الولايات المتحدة التي تحاول إدارة شؤون كل شيء في هذا البلد، وفق ما يتماشى مع مصالحها.

 

في بداية التسعينات انسحبت الولايات المتحدة سياسيا بالكامل من أفغانستان ونسيتها أو تناستها تماماً بعد أن كان رئيسها قد استدعى قادة المجاهدين الأفغان إلى البيت الأبيض وأعلنهم أبطالاً في الحرب الأفغانية ـ السوفيتية.
واتجهت الولايات المتحدة إلى حرب أخرى استهدفت فيها العراق وإيران وعملت من أجل احتواء الصين وزعزعة الاستقرار في جنوب آسيا عملاً منها على محاولة تحييد القدرات النووية لباكستان.
ولكي تحقق أهدافها، فإن الولايات المتحدة عززت علاقاتها بالاستخبارات الهندية وجذبت الموساد ليكون شريكاً لها في المنطقة، وساهمت في تقوية وتعزيز أنشطة جهاز الاستخبارات الأفغانية (الخاد) في أعقاب هجمات 11/9. ووضعت المخططات تلو المخططات للبحث عن طريق تشقه بقوة الى عمق باكستان وخصوصا الى منطقة كهوتا المحاورة لإسلام أباد، والتي بها المفاعل النووي الباكستاني الأهم أو إلى مكان يخبئ فيه الباكستانيون أسلحتهم وقدراتهم النووية.