أمل براق ..!
5 ربيع الأول 1430
د. خالد رُوشه

كثيرا ما يتعلق الناس ببعض أمل في الحياة , راغبين عطاء جديدا , ونعمة منتظرة , وخيرا قادما , فيظل أحدهم متعلقا بآمال الدنيا منتظرا عطاء النعم فيها, راغبا في الغنى والراحة, والشهرة والاكتناز , والبيوت والقصور, والمركز والجاه , متمنيا آمال الحياة , وبينما هو في تلك الحال إذ عاجله الأجل أو عاجله مالم يكن ينتظر , فضاع منه الأمل القريب , ورحل عنه الرجاء الزائل ..!!

إنه أمل كاذب لاشك , تنبني على اعتباره الأمنيات , فيرهق الخيال بالتيه فيما يتمنى , وقد يسخطه أمله عن رضاه بما قسم له , ويقصر به فكره في أمنيته عن واقعه الذي يعيش فيه , وقد يشغله أمله في دنياه عن أمله الحقيقي الصادق في أخراه , فتغفله الأيام لاهثا خلف الأمنية , ذائبا في جمع الأعراض الفانية ..

وآخرون عقدوا آمالهم فيما يحب ربهم, وجعلوا رجاءهم رضا مولاهم, فتمنوا من الدنيا ما يصلحها طموحا صالحا ورجاء مشروعا , وبحثوا فيها عما يبلغهم فوز الآخرة , فأحسنوا الأمل وأتقنوا الرجاء , فأتاهم الأجل وهم سعداء, وقدموا على الآخرة قدوم الفائزين ..

 

إن الأمل في الله أيها القارىء الكريم هو دليل القلوب الصالحة إلى ديار الجنة, وهو الذي يُطيب لها السير في طريق العبادة, ويجعلها تستبشر بكرم الله وفضله وجزائه العظيم.

* وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله: (لايموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه)([1]).
وفيمن يكون الأمل إن لم يكن في الله؟ وممن نطلب الرجاء إن لم نطلبه من الله؟ وهو صاحب الأنعم المتتالية الكثيرة, وصاحب الجود الذي لا يفنى, وصاحب الكرم الذي لا ينقطع, فهو الأمل إذا انقطعت الآمال, بل لا أمل أبدًا إلا فيه سبحانه, فهو الأمل الأوحد الذي يُرتجى, فتصلح معه الدنيا والآخرة ويصلح معه الظاهر والباطن, ويصلح معه البعيد والقريب.
 
واقرأ هذا الحديث القدسي الذي يشع أملاً في الله ورجاءً:
(يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي, يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا, لأتيتك بقرابها مغفرة...)
 
والأمل في الله والرجاء فيه يَقْوى في القلب بحسب المحبة التي في القلب لله, فأرجى ما يكون المحب لحبيبه أحب ما يكون له, فهو يرجوه قبل لقائه والوصول إليه, فإذا لقيه اشتد رجاؤه له, لما يحصل له به من حياة روحه ونعيم قلبه من ألطاف محبوبه وبره والإقبال عليه([2]).
 
ورجاء الله والأمل فيه سبحانه لا غنى للمؤمن عنه أبدًا, فالمؤمن الصالح يدور بين ذنب يرجو غفرانه, وعيب يرجو ستره وإصلاحه, وعمل يرجو قبوله, ومنـزلة عند الله يرجو الوصول إليها, فلا غنى له أبدًا عن رجاء الله
 

والعبد المؤمن الصالح لا ينفرد الرجاء وحده في قلبه, ولكنه يقترن بالخوف والرهبة, قال سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}

ويظل رجاء المؤمن يقوى في ربه ورغبته تتصاعد وتزداد فيما عنده، حتى لا يترك مجهودًا يقدر عليه إلا بذله, ولا يدع لهمته في لحظة فتورًا ولا خمولاً, بل يظل يبذل ويعطي كل ما عنده ابتغاء وجه ربه عز وجل وهو خير مأمول.

 
 


([1])رواه مسلم
([2])مدارج السالكين