6 ربيع الأول 1437

السؤال

كثر الكلام بين طلاب علم الحديث عندنا حول أن علم القراءات عديم النفع تقريبًا والانشغال به مضيعة للعمر والأولى صرف العمر في غيره ، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ وأليس علمًا ينبغي أن يقوم به رجال من الأمة لخدمة كتاب الله عز وجل؟

أجاب عنها:
د.عمر بن عبد الله المقبل

الجواب

من المؤسف أن يصدر مثل هذا الكلام من إنسان ينتسب إلى العلم الشرعي، وأقول : إن هذا كلام من لم يعرف قيمة علم القراءات!
وعلمُ القراءات من العلوم التي يجب على الأمة أن تحفظها، لأنه مرتبط بكلام الله، والقراءات المتواترة هي من جملة ما تكلم الله به سبحانه، فكيف يكون الاشتغال به لا قيمة له؟!
وكيف يمضي أئمة أكابر من الصحابة ومن بعدهم إلى عصرنا هذا دهراً من عمرهم في علمٍ لا قيمة له !! إن هذا لشيء عجاب!

وإني ذاكرٌ لهذا الأخ شيئاً من فوائد هذا العلم ـ على جهة الاختصار ـ فمن ذلك:
1 ـ التوسعة والتخفيف على هذه الأمة والتيسير عليها، فإن في الأمة ـ حين نزول الوحي ـ لغات ولهجات متعددة، فكان تنوعها من اليسر ـ الذي هو سمة هذه الشريعة ـ كما أنه معين على سهولة حفظه ، فمن شق عليه حرف قرأ بالحرف الآخر.
2 ـ إظهار الجانب البلاغي والإعجازي في لغة هذا القرآن العظيم من خلال علم القراءات، وشرح ذلك يطول، ومن قرأ في كتب توجيه القراءات أدرك شيئاً من ذلك.
3 ـ أن تعدد القراءات له ثمرة واضحة في علم الأحكام الشرعية (الحلال والحرام) وهذا واضح بين لمن قرأ في كتب أحكام القرآن، أو بعض كتب التفسير التي اعتنت بهذا العلم كتفسير القرطبي وغيره.
4 ـ أن تعدد القراءات من الآيات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به من عند الله حقاً، فإنه رغم أميته لم يأت بحرف يناقض الآخر، أو يخالفه ! وصدق الله :{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } (النساء:82).
5 ـ ظهور آية من آيات الله تعالى في حفظ هذا الكتاب العظيم، وهذا بين واضح بأدنى تأمل.
وإن كان قصد السائل أن بعض المنشغلين بهذا العلم فرط كثيراً في بقية العلوم الشرعية التي لا بد منها ، فهذا جنسه قد يقع في بقية طلاب العلوم الأخرى، كطلاب الفقه والحديث وغيرها، ووجود خطأ في تصرف البعض لا يلغي أهمية العلم.
وإني أوصي هذا الأخ وغيره من إخواني من طلاب العلم الحذر من هذا الأسلوب في التزهيد في العلوم الشرعية، وأن يتعقل الطالب فلا يلقي الكلام جزافاً وعلى عواهنه من دون تأمل في مآلاته، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.