11 ربيع الثاني 1430

السؤال

لي ابنان في الجامعة، حفظوا القرآن الكريم، وكانوا محافظين على الحلقة، من الصغر وحتى المرحلة الثانوية، وما زالوا متعلقين بالأصدقاء الطيبين، والحمد لله، ولكن صاروا متكاسلين عن أداء الصلاة، وخاصة صلاة الفجر، وصاروا أغلب الوقت يصلونها في البيت، نصحتهم ... بشرتهم بأحاديث الرسول (صلى عليه وسلم)... حذرتهم من التخلف عن الصلاة، يقولون لك الحق، وحاولت أنه لابد من النوم مبكرا، حتى يستيقظوا مبكرين، ولكن دون جدوى، أرجو منكم النصيحة والتوجيه.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخي الحبيب:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في موقع (المسلم)، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
أولا: قرأت مشكلتك؛ وأكبرت فيك أمورًا، من حقك أن أذكرها، وهي:-
1- تربيتك الصالحة لأبنائك: والتي لمستها في رسالتك من ثلاث جمل وهي (حفظوا القرآن الكريم)، (كانوا محافظين على الحلقة، من الصغر وحتى المرحلة الثانوية)، (ما زلوا متعلقين بالأصدقاء الطيبين)، وهي أمور يغفلها الكثيرون منا اليوم.
2- حرصك الشديد على صلاحهم وسعادتهم: وربطك بين هذا وصلتهم بربهم، وهو أمر يغيب عن الكثير من آباء وأمهات هذه الأيام، الذين يظنون أنهم بتوفيرهم المأكل والمشرب والملبس ووسائل الراحة، أنهم قد عملوا ما عليهم، وقد لمست هذا من قولك في رسالتك (صاروا متكاسلين عن أداء الصلاة، وخاصة صلاة الفجر، وصاروا أغلب الوقت يصلونها في البيت).
3- محاولاتك المتكررة لإصلاحهم وتصحيح مسيرتهم: وهو ما لمسته من كلمات محددة وردت في رسالتك وهي: (نصحتهم)، (بشرتهم بأحاديث الرسول)، (حذرتهم من التخلف عن الصلاة)، (حاولت أن يناموا مبكرا، ليستيقظوا مبكرا)، وقد أعجبني في هذه المحاولات أنها راعت الترتيب السليم؛ النصيحة، ثم البشارة، وأخيرًا النذارة.
ثانيًا: فإنني على ثقة أنه لا يخفى عليك:
أن الصلاة فريضة لازمة على كل مسلم ومسلمة، وأنها لا تسقط عن العبد إلا بوفاته، وأن الله رخص لنا فيها كل ما من شأنه أن يجعلنا أكثر حرصًا على أدائها، ليقطع الطريق على الكسالى والمتهاونين، وأنه حذرنا- أيما تحذير- من التقصير فيها والتهاون عنها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ)، وبين لنا سبحانه أن أداءها في أوقاتها والحفاظ عليها يحتاج إلى نفوس مؤمنة وقلوب خاشعة قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ).
كما حذرنا سبحانه من التكاسل عنها، مبينا لنا أن هذا من صفات المنافقين، قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إلى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، وأوضح لنا سبحانه أن الشيطان يتربص بنا الدوائر، ليصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، فقال سبحانه: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ)،...الخ الآيات التي يذخر بها دستورنا السماوي الخاتم – القرآن الكريم -.
كما لا يساورني شك أنك تعلم أن الكسل عن أداء العبادات، وخاصة الصلاة، داء يصيب جمع كبير من المسلمين، وأنه يبدأ بالتأجيل والتهاون، وينتهي بالترك والامتناع، مرورا بالتكاسل والتقصير، وأن الشيطان يجهز للمسلم المقصر قائمة بالأعذار التي يقنعه من خلالها بالتهاون في الصلاة، فيقول له : (المهم القلب)، (أنت يا ما صليت)، (يا سيدي ربك غفور رحيم)، (مفيش مشكلة لو أخرت الصلاة ساعة)، (العمل عبادة)، (عندما تذهب للبيت اجمع الصلوات)، (نم واسترح فأنت مجهد)،...الخ هذه القائمة الطويلة من أعذار شياطين الإنس والجن أعاذنا الله وإياكم منهم.
ثالثًا: تمامًا للفائدة؛ فإنه يسعدني أن ألخص نصيحتي لك في النقاط التالية:-
1- أكثر من الدعاء لهما في السحر: والجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وتضرع إليه، وتحنث عليه، وكرر دعاءك مرارًا وتكرارًا، واطلب منه عز وجل أن يهديهما إلى الصراط المستقيم، وأن يردهما ردًا جميلا إلى الطاعة، وأن يحبب إليهما الصلاة، وأن يجعلها قرة عينيهما، وقل: "اللهم أعنهما على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، فمتى علم الله منك حبًا وإخلاصًا لهما، ورغبة شديدة في استقامتهما وحرصهما على الصلاة على وقتها رقق قلبيهما، وحببهما فيها، ولا تستهين بالدعاء، فإنه سهم نافذ، لا يرده شيء، بل إنه يرد القضاء.
2- متن علاقتك بهما: فكن على اتصال دائم بهما، وتودد إليهما، وصاحبهما، وتقرب إليهما، وإن استطعت أن تأخذهما في نزهة، أو رحلة، بعيدًا عن الناس، فافعل، واعمد إلى الجلوس معهما؛ مفردَيّن أولا، ثم مجتمعَيّن ثانيًا، وحاول أن تتحدث معهما كصديقَيْن، لعلك تصل إلى السبب الحقيقي الكامن في نفسيهما، ولا مانع أن تقدم لهما الهدايا، بأية مناسبة، فإن للهدية أثر لا يخفى على ذي لب.
3- احذر أن تقاطعهما: حتى لا تتركهما فريسة لشياطين الإنس والجن، وحتى لا تتسع هوة الخلاف بينكم، وابتعد عن توبيخهما، ولتبق بينكم حبال الود موصولة، فإن القلب يقسو بالقطيعة.
4- هون على نفسك: فإن (القرآن) الذي حفظاه في الصغر، و(العلم) الذي شرباه حتى بلغا المرحلة الثانوية، و(الأصدقاء الطيبين) الذين تعلقا بهم، سيقفون سدًا منيعًا دون انحرافهما، وسيجعلون عودتهما قريبة، بإذن الله تعالى، لأنهم مثلوا أساسًا متينًا، وقاعدة صلبة، لتربيتهم على مبادئ الإسلام، وكل ما هنالك أنهما انتقلا إلى مرحلة جديدة (الجامعة)، بما فيها من مناهج وزملاء وأساتذة، والنفس تبهر دومًا بالجديد.
5- راع المرحلة العمرية: التي أصبحا فيها والتي تتراوح بين (17 – 19) عامًا، والتي يسميها خبراء التربية مرحلة المراهقة، وهي يعرفها المختصون: مرحلة انتقالية بين مرحلتين مختلفتين تمامًا، ألا وهما مرحلة الطفولة، ومرحلة الرجولة، ولكل مرحلة عند الخبراء خصائصها التي تميزها، فمرحلة المراهقة هي من أصعب المراحل على أبنائنا، لأنه يتعرض فيها لتغيرات فسيولوجية كبيرة، وتحولات في بنائه الجسدي، وتكوينه الجنسي، ومن ثم فإنه يكون بحاجة للمصادقة والمصاحبة، وإشعاره برجولته، وخصوصيته، واحتوائه حتى لا يكسر الطوق، ولا يغرد خارج السرب، فكن له خير صديق.
6- خذ بالأسباب ثم دع الأمر لله: وهذا يقتضي منك ترتيب مواعيد النوم واليقظة للبيت كله، وليس لهما بمفردهما، فإن الجسم إذا أخذ قسطه من النوم قام صاحبه من تلقاء نفسه، وأحرص على أن تقيموا صلاة الفجر معًا في مسجد الحي، القريب من البيت، واجتهد أن يتقدما للصلاة ما داما يحفظان القرآن، ولديهما قسط من العلم الشرعي، فربما أعاد ذلك لهما الذاكرة الإيمانية المفقودة، وأحرص على أن تتناولوا سويًا طعام الإفطار، وأن تصلوا معًا المغرب والعشاء في جماعة بعد أن يكونا قد عادا من الجامعة.
7- ذكرهما بالأيام الجميلة: وأقصد بها أيام حفظهما لكتاب الله، إذا كانا شبلين صغيرين، ويمكنك أن تعقد جلسة لمراجعة القرآن معهما، بحيث تأخذوا عددًا قليلا من الآيات في كل يوم، ثم تستظهرونه في اليوم التالي، وكذا يمكنك أن تعقد حلقة علم ولو مرة في الأسبوع، في البيت، يحضرها جميع أهل البيت، تبدؤونها بتلاوة مباركة لآيات من الذكر الحكيم بصوت أحدهما، ثم خاطرة قرآنية خفيفة، ثم قراءة حديث واحد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، مع تناول بعض الدروس المستفادة منه، وبعدها نفتح الباب للأسئلة في كل المجالات، بلا خجل، لعلهما يستثمران الجلسة الإيمانية في الفضفضة عما يجيش بخاطرهما من تساؤلات.
8- استعن بأقرب الناس إليهما: من أصدقاء أو زملاء أو أصحاب، أو جيران، أو أرحام، ومربين، وأساتذة، وابدأ بمن لهم مكانة خاصة في قلوبهما، على أن يكون تدخلهم بذكاء ووعي وبشكل غير مباشر، حتى لا يؤتي آثارًا عكسية، وحاول أن تعرف من يصادقان في الجامعة، فلربما كان هذا هو مفتاح السر؛ لأن التغير الذي طرأ عليهما كان عقب دخولهما للجامعة.
وختامًا؛
نسأل الله تعالى أن يهديهما إلى الخير، وأن يصرف عنهما شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول، أعظم مسؤول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. ... وتابعنا بأخبارهما لنطمئن عليهما.