مرة أخرى لماذا الفرحة بأوباما؟
21 ربيع الأول 1430
د. محمد يحيى

في حفل تنصيب باراك أوباما رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة صارعت كل محطات التليفزيون العربية الفضائية ما كان يؤيد أمريكا منها وما ينتقده إلى الإسراف في تغطية هذا الحفل، والاحتفاء أو على الأقل الاهتمام بمجرياته وبتفاصيله الدقيقة حتى ما شمل منها أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قد أغمي عليه وهو يشاهد الحفل، ولا يمكن أن يقال أن هذا الاحتفاء بتنصيب باراك أوباما هو من قبيل تغطية الأخبار ومتابعة الأحداث لأن هذا الحدث في حد ذاته ليس مهمًا بالقدر الذي يجعل كاميرات القنوات الفضائية تنصرف عن أحداث فلسطين الساخنة، لكي تركز على تنصيب أوباما، ولكن في الواقع هذا الاحتفاء والاهتمام أو التهافت على تغطية تنصيب أوباما يدل على مرض مستعصِ ومتغلغل في بنية الإعلام العربي وأيضًا في بنية الحكومات والأنظمة في المنطقة، وهو داء التبعية لأمريكا، وجعل أمريكا هي القبلة الأولى التي تتجه إليها الأبصار والأسماع ولا تتحول عنها، وهو توجه أو مرض كما أسميته يجعل من أمريكا مركز العالم ويجعل من كل حدث يحدث فيها مهما كان بسيطًا، ومهما كان تافهًا، بل ومهما كان مفارقًا لكل الأعراف والتقاليد وكل الأحداث الإنسانية أو أن يكون غريبًا يصبح في لمحة بصر هو الحدث الأجدر بالتغطية والأجدر بالمتابعة وحتى الأجدر بالتقليد.

 

وحتى مع هذا الاحتفاء بتنصيب أوباما ظلت نفس المشاعر ونفس التوجهات القديمة سائدة وهي مشاعر الترقب والأمل في أن يكون الحل لجميع المشاكل هو بيد الرئيس الأمريكي الجديد، فأصبح أصحاب كل قضية ينتظرون منه أن يحل لهم قضيتهم بدأً من قضايا مساندة الأنظمة المتهالكة هنا وهناك أو زيادة المعونات الاقتصادية لهذا البلد أو لذاك، وقبل كل شيء الأمل والسعي في أن يحل أوباما المشاكل التي تعاني منها الكرة الأرضية من مشكلة الشرق الأوسط، وفلسطين إلى مشاكل العراق وأفغانستان بل ومشكلة الأزمة الاقتصادية العالمية رغم أنه قد صرح وهو يتولى منصبه بأن همه الأساسي سوف يكون معالجة أوضاع الاقتصاد الأمريكي الداخلية.

 

غير أنه من الواضح أن أوباما لن يأتي بهدف حل أيًا من هذه المشاكل، وهي ليست على باله إلا بمقدار ما تكون هي ذاتها على قائمة الأولويات المصلحية الأمريكية، وهي لا تخطر على بال أوباما إلا لمجرد أن مستشاريه وهيئاته الاستخبارية والأمنية والسياسية وغيرها تضعها له وتكتب له أمامها أنها مهمة تستحق الرعاية بل وتحدد له ما الذي سوف يفعله إزاءها وما الذي سوف يقوله وذلك كله لسبب بسيط، هو أن أوباما شأنه شأن كل رئيس أمريكي لا يملك من أمره شيئًا، وهو ليس أكثر من وجه يمثل أمريكا أمام العالم، ولكنه لا يتصرف في أي من المصالح أو السياسات الحيوية لأمريكا التي تضعها تلك الأجهزة وأولئك المستشارون.

 

إن أوباما قد جاء لا لشيء إلا ليغطي على مصائب ومشاكل وفضائح الإدارة السابقة تحت توجيه اليمين المحافظ أو اليمين المسيحي أو اليمين الصهيوني أو الرأسماليين الجدد سمهم ما شئت.
إن هؤلاء قد أتلفوا السياسة الأمريكية إلى حد وصلت معه الأوضاع إلى انهيار كامل لأمريكا وتحتم مع ذلك أن يأتي رئيس جديد لكي يقدم للعالم وجه جديد لأمريكا لعل العالم ينسى ما الذي حدث تحت أو بسبب الوجه القديم.

 

إن أوباما ليس أكثر من ستار دخان كل هدفه هو أن ينسى العالم ما حدث على مدى ثماني سنوات من الحروب ومن المشكلات ومن الأزمات ومن الهجمة الأمريكية الصارخة على جميع أنحاء العالم عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا في سبيل فرض هيمنة شرسة على كل مجالات الحياة في كل بلاد العالم تقريبًا.
وبعد أن شعر القائمون على أمريكا أنهم قد استوفوا مصالحهم أو أهدافهم من هذه الهجمة التي استمرت ثماني أعوام عادوا أدراجهم وقرروا أن يدخلوا إلى مرحلة من التهدئة مع العالم ولو ظاهريًا، حتى تظهر لهم مصالح أخرى أو حتى تظهر لهم أولويات أجد فعندئذ يمكن لأي رئيس يأتي بعد أوباما أن يواصل نفس الأسلوب من العنف لكي يحققها، أما أوباما نفسه فلن يكون سوى فترة انتقالية تجري فيها التهدئة، وتتم فيها الحسابات وتجري فيها المغالطات، والتغطية والتعمية على ما حدث خلال إدارة بوش.

 

إن ما لم يفهمه الكثيرون أو لعلهم فهموه وشاركوا فيه من جانب الإعلام الذي أسرف في تغطية احتفال أوباما، هو أن كل الابتسامات والكلام والوعود المعسولة التي أطلقت مع هذا الرجل لم تكن لشيء إلا للتغطية على ما حدث خلال عهد إدارة بوش، وإنما سوف تعود الأوضاع إلى وتيرتها بعد أن يستقر في المنصب، وبعد أن تتضح معالم سياسة الذين ضمهم معه في الفريق وعلى رأسهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.