تلمود العم سام.. الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا
25 ربيع الأول 1430
منذر الأسعد

الكتاب: تلمود العم سام
الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا
المؤلف: منير العكش
324صفحة/ مقاس 14×21سم
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر

***

كثيرة هي الكتب التي تكشف سوءات الولايات المتحدة الأمريكية، سواء أتناولت بنيانها الظالم على حساب ملايين من السكان الأصليين أو ملايين الأفارقة الذين تم استعبادهم بالقوة، أم عالجتْ ممارساتها العدوانية الخارجية ضد شعوب وأمم شتى، وبخاصة ضد المسلمين في أنحاء العالم.

 

غير أن هذا الكتاب الذي نعرضه هنا، يربط الجذرين اللذين تنبع منهما عدوانية هذا البلد في إطار واحد، كما يتميز بتوثيقه الرائع إلى جانب لغته الهجائية الساخرة، وشواهد الكاتب التي يسوقها لتأييد رأيه غزيرة وقوية. والكتاب حصيلة ثقافة واسعة يتمتع بها المؤلف في موضوعه بالإضافة إلى صلته المباشرة بالمجتمع الذي يدرس ماضيه منعكساً على حاضره. فمنير العكش يعيش في أمريكا منذ مدة غير قصيرة وما زال هناك حتى الآن.بل إن الرجل زار المناطق القليلة التي بقي فيها بضعة ألوف من الهنود الحمر في محميات معزولة ما زال العنصر الأبيض يطاردهم لتجريدهم من هذه البقايا البائسة والمحدودة.وهي مواقع تشبه في فقرها وتخلفها الصومال وغيرها من الدول الإفريقية المنكوبة، في حين تطالعك المدنية المترفة جداً فور  مغادرتك تخوم هذه الأراضي المظلوم أهلها منذ500سنة حتى الآن.

 

وإذ ينطلق الكتاب من مأساة السكان الأصليين لأمريكا والذين يُطْلَقُ عليهم اسم الهنود الحمر، فإنه يعقد مقارنة دامغة توضح التشابه التام بين فكرة أمريكا منذ الغزو الأبيض الصليبي لها قبل500عام، وبين النازية الهتلرية التي يسعى الغرب إلى التملص منها باعتبارها شيئاً عابراً في تاريخه.فكلتاهما تقوم على أسطورة التفوق العرقي وحتمية إبادة الآخر.
وقد أفلح الكاتب في تجلية نقاط جوهرية قلما عرفها الناس بل حتى النخبة المثقفة.فهو يقدم الأدلة القاطعة على أن فكرة اغتصاب فلسطين من أهلها ومنحها لليهود، قديمة في الغرب وبالذات في إنجلترا، إذ سبقت وعد بلفور اللعين بنحو خمسة قرون، في حين كان كثير من اليهود الأوربيين يعارضون الفكرة، ويتطلعون إلى الحصول على المساواة في بلدانهم الأوربية نفسها!! ويكشف العكش مدى الحقد الصليبي المتأصل في نفوس الغزاة البيض لأمريكا ضد الإسلام والمسلمين، فقد كانوا يستأصلون الهنود الحمر ويسمونهم"مور"أي:مسلم!!

 

وقد بلغ عدد الهنود المبادين في حملات الغزو الهمجية 112مليون نسمة ينتمون إلى 400أمة وثقافة. وتخلل هذه المذابح الفظيعة731معاهدة عقدها الغزاة مع جماعات السكان الأصليين كلما عجزوا عن استئصالهم، لكن الحصيلة الفعلية هي أن الرجل الأبيض لم يلتزم ولو بواحدة من تلك المعاهدات، فهو يدوسها في أول فرصة تسنح له لإبادتهم فور رجحان ميزان القوى إلى جانبه!! فالنتيجة الأكيدة عند البيض هي أن الهندي الجيد هو الهندي الميت!

 

وفي الكتاب تعرية لشخصيات غربية كان الإعلام الغربي قد صنع لها هالة أخلاقية زائفة، من أمثال الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن الذي يصورونه على أنه محرر العبيد في أمريكا، وإذا به صاحب نهج إجرامي ثابت هو الشنق الجماعي للأسرى المستسلمين من الهنود.ومن هؤلاء الرئيس الأسبق جاكسون الذي أباح للبيض طرد الهندي من أرضه فإذا رفض جاز للمستوطن الأبيض أن يقتله!! وهنا نتحدث عن سماح قانوني ورسمي في بلد برفع عقيرته بالحريات وحقوق الإنسان.

 

ومما يكشفه الكتاب تفشي الغلو الصليبي لدى علماء طبيعة مثل إسحاق نيوتن وفيلسوف "التسامح"جون لوك...
ويفضح المؤلف تزييف البيض لوعي الهنود الحمر لكي يروا أنفسهم بعيون جلاديهم، ويسرد المصير الرهيب لكل الهنود الذين ساروا مع البيض الغزاة ضد بني جلدتهم، فلقوا أبشع مآل إذ لحقوا بالشعب الذي خانوه، ولقوا احتقار الأبيض لهم وهو ما عبر عنه جنرال أمريكي في فترة الاستئصال الكبرى: هؤلاء الهنود ظنوا أنهم حلفاء لنا لكنهم حفنة من العملاء الأنذال!
ولأن رحلة أمريكا مع عنصريتها مستمرة نجد أن أدعياء تحرير الفلبين ذبحوا مليون شخص من المورو المسلمين بلا أدنى سبب، ثم نطالع كبير مستشاري الرئيس بيل كلنتن وهو يكتب بمجلة نيوزويك(1/12/1996م)مؤكداً حق بلاده في القتل ويصف سفك الدماء بأنه لازم أحياناً بل وإنساني!!!!!!

 

وأخيراً ينتهي العكش إلى تسخيف فكرة تأسيس جماعة ضغط  عربية أو إسلامية "لوبي" أمريكا فهي تشبه فكرة إنشاء لوبي يهودي في ألمانيا النازية.
والمأخذ الأبرز على الكتاب هو عدم انضباطه في مصطلحات تتصل بالعقيدة مع أنه يأتي بها في نطاق سخريته من تلاعب اليهود والصليبيين بنصوص دياناتهم التي حرّفوها، لكن ذلك لا يجيز له ما فعل.