رداً على ادعاء أننا لا نقرأ.. خذوا الكتاب بقوة
2 ربيع الثاني 1430
د. مبروك رمضان

تجولت في معرض الكتاب الدولي الذي أقيم في الرياض خلال الشهر المنصرم مستطلعاً عدداً من دور النشر الثقافية والأدبية والعلمية وما لديها من إصدارات متنوعة، فلفت انتباهي تلك العناوين الجذابة «المغرية» والأغلفة الأنيقة والأوراق الفاخرة، إلا أنني عندما تأملت بعض هذه الإصدارات وما حوته من فكرة أو أهداف لكاتبها وجدت فيها أحياناً فكرة رائدة وأسلوباً رصيناً ولغة جميلة ومحتوى علميا وثقافيا متميزا، إلا أنك تجد في كثير من الأحيان ما يجعلك تحكم بأن الثقافة أصبحت تجارة في الشكل والمضمون وتصاب بالدهشة من إصدارات مقروءة أو مسموعة ورقية أو إلكترونية وقد حوت غثاءً كغثاء السيل أو أنها تحمل في طياتها سمًا زعافًا ينقل إلى أولادنا وشبابنا ونسائنا بدعاوى متنوعة، وقد يقول قائل لماذا هذا الانزعاج ونحن «أمة لا نقرأ أصلاً» وما طالعتنا به بعض الإحصاءات المضللة بأن نصيب الفرد العربي من القراءة (7) دقائق في العام  وأن كل 300 ألف عربي يقرأون كتاباً واحداً وأن اللغة العربية في المرتبة السادسة من حيث عدد الناطقين بها وغيرها من الإحصاءات ، فضلا عن الاختراعات الأوروبية وما تنفقه هذه الدول في صناعة الكتاب مقابل ما تنفقه الدول العربية، ولا يخفى الهدف من نشر هذه الإحصاءات على هذا النحو فهو يهدف إلى تثبيط الهمم، وقتل روح التنافس، وجلد الذات بما يدعها في نطاق العجز والتراجع، كما أن الكثير من هذه الإحصاءات تؤكد على نقاط محددة مثل نسبة الأمية لدى العرب، وعدد الكتب والعناوين ودخل الفرد وما يخصص منه لشراء الكتب، ثم البرهان على ذلك بالمكتبات المكدسة بالكتب في البيوت للزينة والمباهاة وأن أكثر الكتب قراءة هي الكتب الدينية وكتب الجنس والطبخ.

 

ولعل الإشارة إلى هذه الأنواع واضحة تهدف إلى صيغ القراءة العربية وحصرها في أمور لا تعني الثقافة أو الفكر ولا التقدم العلمي، كما يروجون لفكرة القراءة الجهرية، التي تبح الحناجر ولا يعي منها العقل شيئاً ، ناهيك عن المبالغة في استخدام القنوات الفضائية والهواتف المحمولة التي أصبحت جليس الناس بدلاً من الكتاب والقراءة.

 

وإن صح بعض ما يتم الإشارة إليه فإننا نرى واقعاً غير الذي يدّعون ونتائج غير التي يروجون، فالمبدعون والعلماء والمخترعون والعرب غزوا كثيراً من بلدان الغرب، بل وكانوا مصدراً رئيساً للمعارف وللعلوم في بلادهم ، والمراكز البحثية والإصدارات العلمية تؤكد ذلك كما أن نسبة القراءة أكثر بكثير مما يروجون له في إحصاءاتهم المقلوبة وأرقامهم المغلوطة في كثير من الأحيان، ومما يؤكد تفوق العرب في ذلك وأنهم يقرأون للتعلم والتقدم . انظر إلى اختراعاتهم وإصداراتهم مثل النظام العددي، والصفر، والنظام العشري، أو الدورة في الرئتين والتي عرفها العرب قبل هارفي بثلاثة قرون، واكتشاف كثير من العلوم مثل الجاذبية والعلاقة بين الوزن والسرعة والمسافة وذلك قبل عدة قرون قبل نيوتن، و.. و.. و.. وغيرها.

 

إنه من الصعب الفصل بين الإبداع والقراءة والتثقيف الذاتي وسعة الأفق، وتبين سير العظماء أنهم كانوا منذ الصغر قرّاء نهمين، ولمواكبة تطوير مهاراتنا في البحث والحوار والعلوم والتقدم والارتقاء لابد لنا من الغوص في القراءة والمطالعة لأمهات الكتب والمراجع في شتى المجالات المعرفية، وأن تكون القراءة وسيلة للمعرفة الحقيقية وليست كما هي عند البعض وسيلة للراحة الذهنية ومساعداً على النوم عند القيلولة، نحن أمّة أُمرت بالقراءة، وأمرت بالتفكر، كما أمرت بالعلم مع العمل، نقرأ لنتعلم ونعمل لأن هذا هو ديننا.