أنت هنا

اللعبة الشيعية في السعودية.. كيف تدار؟
7 ربيع الثاني 1430
أمير سعيد

عندما تطالع موقعاً سعودياً شيعياً يتولى الدفاع عن القيادي الشيعي الانفصالي السعودي، تدرك معنى التقية حينما يشربها المؤمنون بها إلى الحد الذي يجعلها تصبغ كل شيء في خطابهم حتى الصور!!
هل رأيتم صوراً من قبل تؤمن بالتقية؟! نعم، إنها هناك في صدر موقع يدافع عن الانفصالي، وتحوي مشاهد لأسلحة خفيفة بأنواع مختلفة وخلفها خريطة ومعالم سعودية، ثم من فوقها كتبت عبارات "جهادنا بالكلمة والموقف وليس بالسلاح"، "مطالبنا بالكلمة، جهادنا بالموقف وليس بالسلاح"، "لا للدخول في صراع مسلح (مفتعل) من الحكومة"، "لا للانجرار نحو مشروع حكومي مسلح"!! أي رسالة إذن تصل وأي هدف يرنون إليه سوى التهديد المبطن؟!
إن الذي يسعى للتهدئة لا يدعو للانفصال صراحة ويهدد به على الملأ عدة مرات، ومن يبغض السلاح لا يرفعه في وجه خصومه السياسيين وفي وجه الدولة، ثم من يدعي كل هذا لا يوقع على صفحته باسم "شهداء القطيف"؛ ففي أي معركة إذن خاض هؤلاء "الشهداء"، وأي "كفار" هم من قتلوا هؤلاء "الشهداء" وفي أي ميدان قاتلوا وعن أي شيء دافعوا، وفي أي جبهة صهيونية أراقوا دماءهم؟!
ليس مهماً في الحقيقة أن نحشر هؤلاء في زاوية الرد، لأنهم كعادتهم سيعمدون إلى حيلة جديدة، لكن الأولى بأن نضعهم أمام استحقاق كبير هم أولئك المدعين أنهم "معتدلون"، والذي يحاول الإعلام المخترق إيرانياً أن يصورهم كذلك، والذين يمارسون الدور ذاته الذي كان ـ ولم يزل ـ يمارسه حزب العمل "الإسرائيلي" في مقابل الليكود في تعاطيهما مع الشأن العربي والإسلامي، من التعامل مع الخصم بلعبة الصقور والحمائم.
لا مشكلة عند الانفصالي الصريح؛ فذاك قد اعترف صراحة بما يختلج في نفسه من عداء لبلاده ورغبته في تقسيمها وإضعافها، وأمره ليس بحاجة لبيان، فالرجل اعتبر أن كرامته أعز عليه من وطنه ومن تماسكه وما إلى ذلك، مع أنه كان قبل أيام قليلة فقط من هياجه وثورته يرسل إلى أمير المنطقة الشرقية بوثيقة مطالب، ويقول ما نصه فيها: "سأتحدث بصراحة ووضوح ومن دون تقية ولا مجاملات، لأن التقية موردها دفع الضرر البالغ والخوف من وقوع الجور والظلم والاضطهاد وأنا لا أتوقع حدوث شيء من ذلك عليَّ ولذلك أنا لست مضطَّراً ولا مجبراً على ممارسة التقية التي لم تشرع إلا لدفع الضرر البالغ من الجور والظلم والاضطهاد"، أي أنه لا يشعر بضرر بالغ ولا يتوقعه ولا يخاف الجور؛ وهو أيضاً ما دفعه إلى التحدث بكل جرأة عن تقسيم بلاده.. النمر إذن يعلن أنه لا يشعر بظلم وسيتكلم بصراحة وعندما تحدث أمام الجماهير حرضهم على الانفصال وهدد الدولة التي يعترف قبل أيام أنها لا تظلمه، وهو من قبل ومن بعد يقول أنه لا يستخدم التقية؛ فما الذي دعاه للطلب بالانفصال الآن إن لم يكن يتحرك ضمن خطة واسعة المدى ومتعددة الأدوار؟!
للبعض دور في التسخين، ولآخرين جهدهم في تبريد المواقف، لاعتبارهم حمائم ووسطاء ومعتدلين، وبهذين الفريقين تتحرك القاطرة الشيعية إلى الأمام في السعودية، وتجني كل يوم مكسب لها، وتتمدد في الإعلام الذي يضم أيضاً "معتدلين" لا يعجبهم كلام النمر ولكنهم لا يدينونه!!
وإذا كان "المتشدد" الانفصالي يجهر بأنه تجاوز مرحلة التقية إما لأنه  مشروع "شهيد كربلائي" جديد ذي كرامة لا تضاهيها كرامة الأمة كلها ولا مصالحها الاستراتيجية في بقاء دولها متماسكة قوية!!، أو لأنه لا يعاني من جور مثلما كان يعلن بـ"تقية" في "اللاتقية!!"؛ فإن آخرين لم يعلنوا أنهم قد خرجوا من حيزها، وما زالوا يمارسون دورهم المرسوم بدقة، ويلتحفون برداء الاعتدال الفضفاض.. هذا الرداء الذي يمنحهم فرصة الصمت عندما يطلبون للشهادة، ولا يضيق عليهم حين يستحقون إدانة خيانة الوطن!!
إن ما فعله الانفصالي قد أراد حصد العديد من المكتسبات، منها رفع سقف المطالب لطائفته عبر اتخاذه حداً أعلى يمكن من خلاله تحقيق بعض المطالب باعتبار أن هذه مما يعزز الصف المعتدل ويجنب المتطرفين في الطائفة قيادة الجماهير!
ومنها تحريض الغوغاء للإفادة منهم في أي تحرك جماهيري، عبر إيجاد لطمية جديدة ورمزاً "مناضلاً" يمكن اعتباره شارة للجماهير وملهماً لـ"الثائرين.. المستضعفين.. المظلومين.. المقهورين".. إلى آخر كلمات القاموس الشيعي السياسي المعاصر، بحيث يمكن تصعيده كاريزمياً أمامها.
ومنها صناعة قضية إقليمية ودولية إذا ما تم توقيفه، لاعتباره لدى إيران أحد مطالبها وأحد أوراقها ـ بظنها ـ في أي مفاوضات يمكنها التنازل عنها إذا ما حصلت على غيرها في الوقت المناسب، ومادة للحديث الغربي الذي تتسع ذمته دوماً لاعتبار أمثال هؤلاء "مناضلي رأي" أو "انفصاليين متمردين" إذا ما اقتضت الضرورة يوماً هذا أو نقيضه!
وبالفعل فقد أنفقت أموالاً لتدشين موقع يليق بـ"المناضل" بلغات حية عديدة لمخاطبة المسلمين في طهران وقم وواشنطن ولندن وربما أيضاً مسلمي تل أبيب!! لإسماع العالم "الحر" كله صوت هذا الرجل ليهب مدافعاً عن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، مثلما فعلت من قبل واشنطن ولندن لإعادة كربلاء والنجف لأهلها "المنتجبين"!! 
إن هذه المراوحة ما بين "التشدد" و"الاعتدال" في خطابات زعامات الشيعة المحليين في السعودية، لا يمكن فصله عن تلك الأدوار التي يصنعها فريقا "المحافظين" و"الإصلاحيين" في إيران، وما يقوم به فضل الله ونصر الله في لبنان، وما يقوم به "المتدينون" والعلمانيون الشيعة في العراق، وما إلى ذلك، ولا يمكن كذلك حسابه إلا تجييراً لهم في مصلحة الدولة الراعية/إيران، ورصيداً إضافياً لأطماعها في الخليج، وإلا فما الرابط بين نفط الخليج وطقوس تمارس في مقبرة البقيع، وما السبب الأساسي في رفض "المعتدلين" حتى الآن إدانة الدعوات الانفصالية، وأعمال الشغب التي وقعت ولماذا لا يبدو لهم دور يذكر في تشجيع الطائفة الشيعية في السعودية على انتهاج أسلوب حضاري في مطالبها، وعدم جرها إلى الفوضى عبر الشحن العاطفي المستمر في خطابات الزعماء "المعتدلين"؟!
يحدثوننا هم دوماً عن حرصهم على بلادهم، لكن أترانا نجهل فعل المايسترو الإيراني الذي يحرك الجموع من وراء ستار، فتعزف له الزعامات على أوتار المشروع النووي الإيراني، والاستراتيجية التوسعية. لقد كان بوسعنا دوماً أن ندرك حجم حب هؤلاء لآل البيت رضوان الله تعالى عليهم كلما وجدنا أن التكتيك الإيراني يستدعي مزيداً من "الحب" لآل البيت أو تقليلاً من هذه "المحبة"، وعامتهم ـ للأسف ـ لا يدركون، ولقد كنا نسمع "هيهات منا الذلة" كلما نادت فيهم إيران "هيهات منكم إلا الذلة والتبعية" لنا.. ولقد ظللت دوماً أتعجب لتبعية مذهب "آل البيت" إلى مراجع إيرانية وفارسية فيه، وتقليد كبار شيوخ الشيعة في بلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لآيات فارس، وظللت لا أفهم شيوع العمائم السوداء (التي تنتسب للنسب الكريم) في أقصى بلاد العجم، ولا أكاد أجد نظائرها في أكناف روضة رسول الله وبيته!!
إنها السياسة إذن عندما تستبد بالبسطاء فتصيرهم ثواراً ساذجين.. واللعبة التي تدار بإحكام لفرض إرادة إيران على المنطقة؛ فيتحدث هذا عن الانفصال، وذاك عن الفقه الجعفري ومحاكمه، وذلك عن المقامات والحسينيات.. وتلطم الجماهير!! وتعمد إيران بكل هذه المفردات فتكتب بها "القنبلة النووية الواعدة"، وبساطاً أحمر يشمل منطقة غابت عن التاريخ والسياسة معاً..