حكومة نتنياهو: هل يتكرر سيناريو المجنون؟
12 ربيع الثاني 1430
طلعت رميح

في الوصف السياسي، فان المصطلح الأدق للتعبير عن حالة الحكومة الصهيونية الجديدة –حكومة نتنياهو -هو اننا سنكون في مواجهة حكومة مجانين مدججة بالاسلحة النووية وتخوض معركة مصير وبقاء الكيان الصهيوني، وإذا شئنا توصيفا من مفاهيميا فاننا امام الحكومة الاشد عنصرية وتعصبا مصاب أفرادها بالهستيريا في اتجاهات صناعة القرار واساليب تنفيذه .

المشاهد التى رايناها لعمليات القتل والإبادة في غزة كانت تعبيرا عميقا عن ما وصل اليه التجمع الصهيونى وليس فقط القادة والجيش الصهيوني، إذ ان واحدة من اهم ما اظهرته الانتخابات الصهيونية هو مدى ما وصل التجمع الصهيونى من حالة من العدوانية والعنصرية والجنون ايضا. في تلك الانتخابات عاقب التجمع الصهيونى من طالب بالتوقف المؤقت للعدوان عند مرحلة معينة، خشية انقلاب الأوضاع في الحرب، عند مواجهة مع المقاومة في داخل المدن والتجمعات السكانية في غزة، وفي ذلك إشارة إلى تحول التجمع الصهيوني إلى نمط من الهستيريا في رؤية مصالحه أو في تحديد القرار الذي يخدم مصالحه، وان شهوة القتل باتت هى المسيطرة على العقل الجمعى لا تحقيق الاهداف والمصالح ..الخ .لقد كانت اهم المؤشرات في الانتخابات الصهيونية الأخيرة واخطر ملامحها، ان جرى عقاب وزير الدفاع –رئيس حزب العمل الذي قاد كل تلك المجازر -وإلحاق الهزيمة بحزبه، كما لم يحدث له منذ قيامة من قبل، لمطالبته بعدم الاستمرار في العدوان حتى لا تنقلب نتائج العدوان نصرا واضحا للمقاومة، وحتى لا تتعزز عزلة الكيان الصهيونى داخل أروقة الراى العام الأوروبي ..الخ، فرفض الكيان الصهيوني تعقله المجرم، أو إصراره على حالة تعقل المجرم!.

والجنون في تاريخ الكيان الصهيوني، كان في الغالب فعلا سياسيا مصطنعا، اذ جرى تبرير اخطر الجرائم الصهيونية بارتكاب مجانين لها، كما هو الحال في الحريق الاجرامي المدبر للمسجد الأقصى المبارك، وكما هو الحال في مذبحة الحرم الإبراهيمي خلال صلاة الفجر.
ومرتكبوا تلك الجرائم كانوا جميعا مجانين من نوع خاص، اذ كانوا جميعهم يعانون من هوس التطرف إلى درجة الهستيريا .وفي تلك الفترة ظل الحديث مقصورا على حالات فردية توجهها اجهزة الاستخبارات بطلب من الساسة لانفاذ الاهداف ..الخ .لكن نتائج الانتخابات الصهيونية تظهر –في جوهرها - ان الحكام الجدد أو حكومة نتنياهو هم من ذات النوع الذي ارتكب كل هذه الجرائم، اذ هم كذلك من المهووسون، الذين وصلوا إلى الحكم بعد تزايد نفوذهم ودورهم في الحياة السياسية جراء جرائمهم وأطروحاتهم الهستيرية، وهو ما بات واضحا من اطروحات حزب “إسرائيل” بيتنا وكثير من الاحزاب الصهيونية الأخرى المشاركة في التحالف الحاكم، ونتنياهو بالطبع.

لقد أصبحنا في مواجهة مجانين حكام أو حكومة مجانين، تقود كيانا يشعر بالخطر الداهم القاطع بانه صار اقرب إلى الانهيار .مجانين حكام مدججين بأخطر أنواع أسلحة الإبادة، بما يدخل المنطقة إلى حالة صراع من نوع اخطر مما سبق .مجانين حكام يجعلون الأماكن الإسلامية المقدسة في واجهة الفعل المجنون، مثلهم مثل المجانين الأفراد الأول .

المجانين ..السياسيين
  حين نقول اننا نواجه حكومة مجانين مصابين بهستيريا الكراهية وشهوة القتل إلى هذه الدرجة، فذلك لان من أتوا بهم إلى الحكم هم الذين لم يكفهم كل هذا السلوك الذي شاهدناه على شاشات التلفزة، فاستنفر الناس من كل الاديان والاجناس والأقوام من كل البشر، إلا هم فقد فصاروا على العكس يقصدون من هو مصاب بأشد حالات السلوك الهستيرى، أو صاروا يبحثون عن من هو مصاب بالجنون السياسى والسلوك الهستيري المتطرف إلى درجة الجنون السلوكي النفسى ولا نقصد الجنون العادي الذي يفقد الإنسان القدرة على التمييز فيما هو بديهى .

وحين نقول انهم من ذات الصنف الذي ارتكب المجازر واحرق المسجد الاقصى فنقصد تحديدا ان القادم في السلوك الرسمى الصهيوني في ظل تلك الحكومة الجديدة، هو سلوك دائم من الجنون يتوجه بأفعاله تحديدا إلى الرمزيات الدينية بشكل خاص وبصفة دائمة، اى اننا سنشهد مسلسلا متطاولا وممتدا من السلوك الموجه –باستخدام قوة الحكومة والجيش لا الافراد –نحو ذات الافاعيل التى كان يقوم بها المجانين الافراد (تحت رعاية مستترة من اجهوة المخابرات الصهيونية)،وان هذا السلوك سيحظى بتاييد ودعم "هستيرى" من الناخبين الذين صوتوا لهؤلاء المجانين واتوا بهم إلى الحكم.

لقد كان شخص مثل ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل” بيتنا، مجرد مسئول سياسى لحزب معارض مغمور حين كان يصرخ علنا بضرورة قصف منشات تمثل جوهر الأمن القومي لبلدان عربية، ومن ثم كان هناك من يقول انه لا يمثل الراى والسلوك الرسمي للحكومة الصهيونية، كما حين كان يرفع شعار طرد العرب الفلسطينيين من الاراضى المحتلة في عام 48، كان هناك من يقول انها تصريحات دعائية، لكنه الان اصبح وزيرا لخارجية الكيان الصهيوني، وهكذا الحال في وزارات أخرى بات يسيطر عليها خاصة الوزارة المسئولة عن اعمال البناء والاستيطان –التى كان يتولاها في فترة سابقة السفاح ايريل شارون ، وهو ما يعنى ان هذا المجنون "رسميا" صار هو المتحدث الرسمى باسم الكيان خارجيا، كما صار مسئولا عن اجراءات التهويد .فاذا اضفنا لذلك قدر من ارائه المتعلقة بالمقدسات يظهر لنا إلى اين تسير خطط وسياسات الكيان الصهيونى في المرحلة القادمة .

الأقصى ورمزيته
في تتبع ممارسات المجانين السياسيين الصهاينة، نجد ان سلوكهم العدواني –الذي كان يظهر للآخرين في العالم باعتباره سلوكا فرديا-كان موجها بشكل محدد نحو الرمزيات الدينية .كان ذلك امرا واضحا في حريق المسجد الأقصى وفي مذبحة الحرم الابراهيمى ..الخ، والان فان التحليل الدقيق للتوقعات المستقبلية لسلوك الحكومة المجنونة في الكيان الصهيوني على حساب الأحزاب السياسية القديمة، يشير إلى ان هذا النمط من الاعمال سيكون هو المتاح امامها بالدرجة الأولى لتحقيق أهدافها ولإرضاء جمهورها وتطوير أوضاعها السياسية في داخل الكيان الصهيوني .
فإذا كانت أهدافهم أو لنقل رغباتهم، ان لا يكون هناك سقف ولا حدود لسلوكهم العدواني، وإذا كانوا يتمنون لو تمكنوا –كما قال احدهم صارخا-إبادة سكان غزة مثلا، فان الظروف التى وصلوا فيها للحكم وموازين القوة الحاصلة والأوضاع الكلية للغرب في العالم، ستجعلهم يركزون على الأفعال الرمزية المتاحة لهم اكثر من الدخول في صراعات كلية على الاقل في المرحلة الأولى لتوليهم الحكم .
وإذا كان من الصعب عليهم مثلا القيام بقصف منشات حيوية في بعض الدول العربية بالأسلحة النووية، كما إذا كان من غير الممكن ان يقوم جيشهم بعدما جرى له في غزة بشن عدوان واسع جديد بهذا الاتجاه أو باتجاهات أخرى في المنطقة، كما إذا كان صعبا عليهم القيام بعمليات طرد واسعة للسكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة –كما تحدث ليبرمان كثيرا ومطولا خلال الحملة الانتخابية –فالاغلب ان يجرى التوجه نحو عمليات رمزية باتجاه المقدسات الإسلامية، وهنا يبلغ الخطر ذروته على المسجد الاقصى تحديدا .

الجنون والحقائق
واقع الحال ان هذا التحول نحو حالة متشددة من العنصرية والتطرف السافر والجنون في السلوك السياسى، لم يحدث في الكيان الصهيوني لمجرد تغيير مؤقت في الحالة النفسية أو لأخطاء ساسة في هذا الحزب أو غيره خلال إعداد الحملات الانتخابية، لكن ما جرى ناتج عن تغييرات فعلية عميقة، تتلخص جميعها في ضعف ثقة التجمع الصهيوني في إمكانية الاستمرار بالبقاء، فضلا عن عدم قدرته على تحقيق حلم بناء الدولة الصهيونية وفق المفاهيم الأولى لتشكله أو قيامة، وهو ما تجسد في ظواهر عديدة جديدة على المجتمع الصهيونى .

وهنا فليس هناك مجال امام هؤلاء المجانين الساعين لاستعادة الثقة في إمكانية بقاء الكيان الصهيونى الا التصرف وفق اعلى درجات الجنون لتثبيت الأوضاع النفسية لهذا الكيان ولتقديم قدر من الانتصارات الزاعقة..على الاقل على المستوى النفسى .

لقد كانت الفكرة البرنامجية الرئيسية التى تحول بها حزب ليبرمان إلى القوة السياسية الثالثة في التجمع الصهيوني خلال الانتخابات، هي فكرة طرد المواطنين العرب لتحقيق النقاء العرقى للكيان الصهيونى –ككيان يهودى-ومنع العرب من دخول الكنيست واجبار السكان الفلسطينيين على اداء قسم الولاء للكيان الصهيونى ومن لا يقسم يجرد من المواطنة ..الخ .كما ان قبول تلك التيارات بفكرة إقامة دولتين أو دولة يهودية وكيان فلسطينى (بشكل ادق )، يقوم في جوهرة على فكرة طرد العرب من داخل الخط الأخضر، لا على إقامة دولة فلسطينية للفلسطينيين في الضفة والقطاع، وكذا يمكن القول بان ما جرى في غزة كان مقدمات التعبير عن طبيعة التغييرات الحادثة اذ جاء العدوان على غزة ليعكس تطويرا في الرؤية الإستراتيجية الصهيونية بالانتقال من إستراتيجية الاحتواء والتطويع –أوسلو-إلى إستراتيجية ما يسمى بالتنظيف العرقى عن طريق الابادة والتطهير.كما هذه التشكيلة الجديدة في حكم الكيان الصهيوني، وصلت إلى سدة الحكم وفق شعارات اقرب إلى تبنى رؤية ان الحرب لا التهديد بها، خير وسيلة للفعل السياسي –وهو ما يشمل حتى الدول التى سبق توقيع معاهدات واتفاقات معها -وان لا مفاوضات حتى بين كل حربين ولو حتى للالهاء .

ولذلك هى حكومة المجانين .. التي ستدخل المنطقة إلى صراع مجنون، نكون نحن المجانين فيه اذا ظللنا نتحدث عن المفاوضات والرباعية والشريك أو الوسيط الامريكى