24 جمادى الأول 1430

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أنا مدرس تحفيظ وأتابع طلابي في المرحلة المتوسطة والثانوية ، والمشكلة هي عدم اهتمامهم بأمور الالتزام وطلب العلم وحضور المحاضرات وإن حضروها لا يتابعونها بل يخرجون من المسجد التي تقام فيه المحاضرة أو الدرس بحجة عدم فهم كلام الشيخ الذي يلقي المحاضرة أو الدرس وأنهم يملون من طول الجلوس عند سماع المحاضرة أو يشغلون نفسهم بالجوالات ويقضون أوقاتهم بالتفاهات .
أصبحت أخاف عليهم من الإنتكاسة - نسأل الله السلامة والعافية - علما بأنني بين فترة والأخرى أتابعهم عن طريق الجوال وأحاول تثبيتهم وقد يعوقني بعض الأحيان متابعتهم وأتردد في ذلك خوفاً من أن أتعلق بهم أو يزدروني في كثرة متابعتي لهم علماً أني كنت أتابعهم في الأسبوع مرة أو مرتين حتى لا أضيّق عليهم وأنهم أيضاً يكنون لي الإحترام والتقدير ، و المشكلة الأكبر أن بعضهم ممن ممن أتوسم فيهم الخير و قد ينتفع بهم في أمور الدعوة أو حتى الإستقامة قد ترك التحفيظ بدعوى عدم وجود مواصلات.
أرجوا الإفادة...

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد :
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن أجيب على سؤالك الهام الذي أرسلته في بثك لما أهمك أود أن أشكر الله سبحانه أن جعل في قلوب العاملين في حقل الدعوة الإسلامية من يتسامون فوق همومهم ليكون هم الدعوة الإسلامية ومشاكلها أعظم همومهم , وأود أيضا أن أشكر لك ثقتك بإخوانك في موقع المسلم , وأسأل الله أن نكون جميعا من حملة رايته السائرين على درب الهدى السالكين طريق الفلاح في الدنيا والآخرة
أخي الكريم :
ذكرت أنك تعمل مدرسا وتتابع طلابك متابعة الوالد لأبنائه فجزاك الله خيرا , فقليل من يهتم بهذا الأمر ويعتبر أن مهمته تنتهي بنهاية وقت دوامه , وما عليه إن أحسن طلابه أو أساءوا , ولا شك أن هذا من حسن خلقك ويقظة إيمانك نسال الله لنا ولك الثبات
وذكرت أخي الكريم أن أعظم ما يشغلك في تقييمك لطلابك هو عدم اهتمامهم بقضية الالتزام الشرعي وطلب العلم , وأكرر دعائي لك , حيث أن كل إنسان يهتم بتقييم من يراهم حسب توجهاته ورغباته وأولوياته فدل ذلك على عمق التربية الإيمانية داخلك - جزاك الله خيرا وأعظم الله لك الأجر
ووجدت - أخي الكريم – من طلابك عزوفا وإعراضا عن دروس العلم والانشغال بالتافه من الأمور , ولك الحق كل الحق في الغصة والمرارة التي تشعر بها حينما ترى ذلك التقاعس والنكوص من طلابك
والحق أن كل من يتعرض للدعوة الإسلامية ويجعلها أعظم همه ويضعها نصب عينيه يصاب بمثل ما أصبت به من الهم والغم لما يرى من حال الناس وعدم التزامهم وابتعادهم عن الجادة وانشغالهم بالتوافه والسفاسف من الأمور عن عظيمها ومعاليها
وما كان هذا جديدا فقد كان ذلك من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم حيث ذكر الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ما رواه ابن عمر رضي الله عنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا و يمسي كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل .
وفي صحيح مسلم يبتدئ الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه بقوله " بادروا بالأعمال " وذكر الحديث
وفي حديث رواه الإمام احمد وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر "
وحسنا فعلت أخي الكريم إذ واصلت متابعتك لطلابك بالجوال وأشعرتهم بدورك التربوي في ذلك وهكذا يجب أن يكون المعلم المربي وفي ذلك تحقيق لدورك كراع لهم مسئول عنهم أمام ربك سبحانه , ففي الصحيح عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " قال الشيخ الألباني : صحيح
وعليك أخي الكريم أمور - لا أقولها تنبيها - بل تذكرة فالذكرى تنفع المؤمنين
1- استعن بالله سبحانه وأكثر من الدعاء لهم بأن يصلح الله أحوالهم فالدعاء المخلص يرضي الله سبحانه ويفتح القلوب الموصدة
2- لا تقلق أخي الكريم من كثرة سؤالك عن طلابك وتتبعهم ففي ذلك خير لك ولهم , والإنسان قد يفتقد الاهتمام من بعض أهله , فلا تظن انك قد تضجرهم بذلك الاهتمام , فغالب شكوى الناس في هذه الأيام من عدم الاهتمام بهم والسؤال عنهم وتفقد أحوالهم من آبائهم وأمهاتهم
3- عليك بالرفق عامة في جميع أمورك ولا تغلظ إلا على من ترى انه تصلحه الغلظة وهم قليل أما الرفق يصلح معظم الناس فقد نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة الدواب فضلا عن الإنسان المكرم فقد ذكر البخاري في الأدب المفرد قول السيدة عائشة : كنت على بعير فيه صعوبة فجعلت أضربه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : عليك بالرفق فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه " وقال الشيخ الألباني : صحيح
4- قد تعتاد الإنسان لحظات يفتر فيها عن العمل ويكسل عنه وأيام أخرى ينشط فيها للطاعات ويدع الخمول والكسل وخاصة في مواسم الخير
وقد حسن الألباني ما رواه الإمام احمد عن النبي صلى الله عليه وسلم " فإن لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فإما إلى سنة وإما إلى بدعة فمن كانت إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك "
فاحرص كل الحرص على استغلال فترات نشاطهم لتذكيرهم وتقويمهم وتثبيتهم وكن معهم في أوقات فتورهم بالنصح والإرشاد واجعل بينهم وبينك بابا مفتوحا لا يغلق فيسرون إليك بما لا يسرونه لخواصهم
5- انتق منهم واستخلص من تراه أقرب للهداية والطاعة وخصه بمزيد من العناية والاتصال والسؤال حتى يستقيم حاله فهو الأقرب , ثم استعن به بعد الله سبحانه على قرنائه فهو الأقدر على التأثير فيهم فهو منهم ومعهم ويعرف عنهم مالا تستطيع معرفته مما يستر عنك
6- لا بأس أن تبحث عن حل مادي إن استطعت لمن ترى فيه قربا للالتزام مثل من ترك التحفيظ بحجة عدم وجود مواصلات , فحاول أن تدرس الأمر معه وتساهم معه في إيجاد حل ولو بمساهمة أهل الخير , فما من مشروع أنفع للأمة من تخريج داعية عامل لله سبحانه , فالدعاة العاملون المخلصون هم ميزان اعتدالها وقوام نهضتها
وفقك الله أخانا الكريم الفاضل ولا تحرم إخوانك في موقع المسلم من رسالة أخرى تبين لنا ما توصلت إليه , وتبين فيها خلاصة تجربتك لتنفع بها إخوانك الدعاة العاملين في حقل الدعوة الإسلامية
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى لآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا