فوربس ووادي سوات و"الشافزيون"..
27 ربيع الثاني 1430
أمير سعيد




[]      لقد ظفرت بأثمن صيد لها.. قائمة غير دقيقة عن ثروات قائمة من "الدعاة الجدد" ـ كما يسمونهم بتسمية أيضاً غير دقيقة ـ، ونشرته على الفور، وسرعان ما طار الخبر في كل مكان، وفرح به الخبثاء في الصحافة الصفراء.. لا يهم حينها أن تكون المعلومات دقيقة، ولا يهم أن تضم القائمة دعاة حقيقيين أم مدعين، المهم أن القائمة ستفيد القوى المناوئة لنشاط المصلحين، وللصوت الإسلامي أيا كان قائله، ومهما اختلف الناس في صلاحه أو اختلفوا.. وذاك ما يبغون.


لقد نشرت مجلة فوربس الاقتصادية المتخصصة بنسختها العربية في فبراير 2008 قائمة بأسماء دعاة وعلماء مسلمين من بينهم الأستاذ عمرو خالد، والشيخ عمر عبد الكافي، والدكتور سلمان العودة، والشيخ عائض القرني، وقدرت "ثرواتهم" أو ما يتوقع أن يكون متوافراً لديهم من مال، والتقطتها كثير من وسائل الإعلام التي لا تكن وداً لهؤلاء بغرض تشويه صورتهم لدى محبيهم وتلاميذهم.

لا ندري ما النية الحقيقية وراء نشر التقرير الذي مس علماء ودعاة يكن لهم الكثيرون في العالم الإسلامي احتراماً كبيراً، ولا ندري كيف استقبله هؤلاء الدعاة.. لكن الذي ندريه الآن أن المجلة أغلقت الآن ونشرت الأنباء على استحياء هذا الخبر.

وبالحياء عينه، نشر خبر إغلاق مجلة "إبداع" اليسارية المصرية التي نشرت العديد من التطاولات على ثوابت الإسلام، والتي ماتت إكلينيكياً منذ سنوات قبل صدور قرار القضاء المصري ـ بمثابة رصاصة رحمة ـ لتطاولها على الذات الإلهية بنشر قصيدة مسيئة.

صحيفة البديل اليسارية المصرية تعاني انهياراً مادياً هي الأخرى وتستعد لأن تتخلى عن خطها بعد أن منيت بخسارة مادية لم تعد تحتملها..

العديد من صحفنا كما نرى، سائرة ضد تيار الأمة، تجذف بعناء رجاء أن تسوق لما لا تطيقه الجماهير؛ فتخفق هكذا، أو تظل رهينة مال يضخ إليها يمنحها "قبلة الحياة" لحين.

 

[]      إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الاطلاع على تقرير صادر عن صحيفة "اندبندنت اون صاندي" البريطانية في عددها الأخير يفيد بأن "المغرب ينتج أكثر من 40 مليون زجاجة خمر سنويا، ويهرب معظم هذا الإنتاج إلى عدد من الدول العربية الممتدة مع حدودها خاصة الجزائر وأيضا إلى تونس ومصر والأردن وسورية ولبنان".، (إن صحت المعلومة) أن حاجتنا إلى الإصلاح أكبر بكثير مما نتصور، وأن الظانين بأن مشكلة الأمة هي في حكامها فقط هم واهمون حقيقة، ذاك أن المسألة تتعلق بقدرة الشعوب على إصلاح ذواتها فيما تقدر عليه، وفيما لا يجعلها حبيسة فكرة التغيير من الأعلى، لأن هذه في الواقع تشي بأن الشعوب قد فقدت كلية قدرتها على التأثير والتغيير الإيجابي في واقعها ومعايشها، إلى الحد الذي يجعلها تتعلق بقشة الأمل في صلاح الحكام، فيما هي تغرق حتى أذنيها في الآثام والشرور.

 

[]      الذين استقبلوا الأنباء الواردة من وادي سوات الباكستاني أو صوماليلاند أو الصومال بشأن تطبيق الشريعة بسعادة، هم مصيبون، كونهم ـ مع سائر المسلمين ـ تواقين لحكم عادل يعيد إلى الشعوب حقوقها، ويبسط الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، هكذا الظن بشريعة الإسلام بغض النظر عمن يطبقها. لكن أتراها هذه الإجراءات كافية لكي نرى أحوالاً مغايرة لما كنا نعاني في تلك الربوع؟! ربما لا؛ إذ إن الشعوب في حقيقة الأمر بحاجة لأكثر من قرارات وإجراءات، بحاجة لعدل في التطبيق كما هو في النظرية، معوزة إلى روح تسرى بين الناس تؤوب بهم إلى بارئهم، وليس مجرد قوانين ـ لها كامل الاحترام ـ تقضى بها بينهم، فالإسلام لا يمكن اختزاله في مؤسسات قضائية أو مجالس حكم، وإنما هو بعث كامل في حياة المؤمنين، يشمل الأخلاق والمعاملات والقلوب والجوارح..

إن أكثر من منطقة وبلد هي الآن تعلن عن تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن الاستقلال لم يحدث لها، ولا البعث الحقيقي قد حصل، إنما هي مجرد إجراءات إذا لم تتلها مفردات النهضة الحضارية فلن تكون ثمة دولة نموذجية للإسلام، وستبقى قوانين الشريعة والحدود هي أيسر ما يمكن اتخاذه من إجراءات لبعث هذه الأمة؛ فإذا رضيت الشعوب وحكامها بذاك وسكنت، تراجعت القهقرى، وفشلت تجربتها.. كالعادة.

 

[]      "الشافيزيون"، هم أولئك البسطاء "النخبويون" الذين يتطفلون على أماكن التنظير؛ ويتبعون كل ناعق بـ"المقاومة" فيضعونه فوق رؤوسنا لمجرد أنه قد قال كلمة ضد الكيان الصهيوني أو ضد الولايات المتحدة، متجاهلين بسذاجة أن موقفاً "مشرفاً" حين يتخذه حاكم أو مسؤول قد يستأهل التحية الهادئة لا الاندفاع الأهوج الذي سرعان ما يكشف عن سطحية شديدة تتسم بها تلك الشخصيات التي تتصدر المشهد في عالمينا العربي والإسلامي.

وعندما عارض شافيز (الرئيس الفنزويلي) الولايات المتحدة، وقطع علاقته بـ"إسرائيل" وضعه عرب كثيرون فوق رؤوسهم متجاهلين أنه فقط لا يعدو كونه صاحب مصلحة ما في اتخاذ موقف كهذا، ولا تمنعه أيديولوجيته من اتخاذ نقيضه إذا ما اقتضت الضرورة غيره، وهذا ما أبداه شافيز عند أول لقاء مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهو ذاته الذي يقوله اليوم نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ"حزب الله" عن العلاقات مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حينما سألته وكالة فرانس برس: "أحد سفراء الدول الأوروبية الكبرى أبلغنا معلومات من الأمريكيين مفادها إنهم سيتعاملون مع أي حكومة تتشكل بعد الانتخابات."؛ فـ""التواصل الذي يحصل بيننا وبين جمعيات ونواب من كل انحاء العالم كشف للغربيين ان الدعاية الإعلامية المخابراتية الغربية مشوهة ومشوشة (..) لقد اكتشفوا أننا نقبل بالحوار ولدينا فكر منفتح ولنا قضية نطرحها بشكل منطقي وان مقاومتنا مدروسة وتضع لنفسها ضوابط وحدودا"..

إن الواجب هو في أن نعي وضعنا جيداً على الخريطة، وندرك أن معاركنا لن يخوضها غيرنا بدلاً عنا، وأن مصلحتنا بين أيدينا لا في أيدي خصومنا، ولا حتى حلفاءنا، هكذا ينبغي أن تخاطب "الجماهير" "النخبة" لكيلا تتمادى في "بساطتها وعفويتها"!!