دور جماعات الضغط العربية في صنع السياسة الأمريكية
2 جمادى الأول 1430
عماد خضر

ساد مصطلح "اللوبي" في الأوساط الأكاديمية الدارسة لطبيعة النظام السياسي الأمريكي ، وهناك شبه إجماع على أن (جماعة الضغط – اللوبي) تعرف بأنها جماعة منظمة تسعى إلى تحقيق مصالحها سواء أكانت المصالح لأعضائها أم للدول التي تُمثلها داخل الولايات المتحدة، ويتيح النظام السياسي الأمريكي فرصة لنشاط متزايد لهذه اللوبيات، التي استثمرتها في خدمة مصالح أعضائها والدول التي تمثلها وما مثال اللوبي الإسرائيلي ببعيد عن الأذهان العربية.
واللوبي العربي شأنه شأن أي لوبي في الولايات المتحدة الأمريكية يُعبر عن مصالح الأمريكيين العرب في الولايات المتحدة الأمريكية ويدافع عن القضايا العربية بصورة عامة، وبخاصة القضية الفلسطينية والمصالح اللبنانية.

 

ووفق تقرير أصدره المعهد العربي الأمريكي إبان انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة بعنوان " الأمريكيون العرب والمشاركة السياسية"، كتب ميشيل دبليو. سليمان بعنوان "تاريخ المشاركة السياسية للعرب الأمريكيين أن هناك أربع قضايا رئيسية كانت وستظل المحور الرئيسي لمجتمع الأمريكيين العرب، تتعلق القضية الأولي بأحوال وظروف العمل وتهتم بمواجهة التمييز الوظيفي. بينما تتعلق القضية الثانية بالحقوق المدنية والمساواة. أما القضية الثالثة ترتبط بالتسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية. وتتعلق القضية الرابعة بالمواطنة والحاجة للشعور بأن الأمريكيين العرب مقبولون كمواطنين يتمتعون بكل الحقوق بالمجتمع الأمريكي.

 

وأمام ضعف الاهتمام الأكاديمي والبحثي بدور اللوبي العربي في السياسة الأمريكية مقارنة بالجدل الذي يثور من حين لآخر في الولايات المتحدة حول قوة اللوبي الإسرائيلي أو أسطورته، جاء كتاب اللوبي العربي والسياسة الخارجية الأمريكية (The Arab Lobby and US Foreign Policy) ليرد الاعتبار ولو جزئيا عن إهمال الظاهرة في أدب السياسة الخارجية الأمريكية. وتنبع أهمية هذا الكتاب، بحديثه عن إمكانات دور اللوبي العربي ومدى تأثيره في صنع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،  كما يحاول استشراف مستقبله.

 

مؤلف الكتاب هو الدكتور خليل مرّار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دي بول الأمريكية بشيكاغو، وهو متخصص في الصراع العربي الإسرائيلي والفكر السياسي الإسلامي، وحاول من خلال فصول الكتاب الخمسة تركز فقط على جماعات الضغط الأمريكية والمنظمات المؤيدة للعرب، والتي تسعى إلى تحقيق مصلحة الفلسطينيين في دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة. وهو يعتمد في طرحه على مصادر وبينات أولية متمثلة في استطلاعات الرأي العام وفي مقابلات الكاتب مع قيادات هذه المنظمات وأعضائها لفهم محاولاتها ووسائلها للتأثير في السياسة الخارجية الأمريكية لجهة تسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني على أساس حل الدولتين، وعلاقاتها بالرأي العام من جهة، وعلاقاتها بخصومها من المنظمات المؤيدة لإسرائيل، ولاسيما اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك)، من جهة أخرى.

 

يقول الكاتب إن تأثير اللوبي العربي في السياسة الخارجية الأمريكية تفاوت من مرحلة إلى أخرى، وقد ارتبط بالتغيرات الرئيسة في البيئتين الدولية والداخلية الأمريكية، وكذلك بمدى قوة اللوبي اليهودي وفعاليته. ولذلك، تم تقسيم الكتاب حسب مراحل تأثير جماعات الضغط العربية التي صنفها الكتاب إلى ست مراحل؛ هي مرحلة الحرب الباردة، ومرحلة التحولات الدولية أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، ومرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية، ومرحلة مدريد وأوسلو، ومرحلة ما بعد 11 سبتمبر، ومرحلة خريطة الطريق وما بعدها. وفي كل منها، يتوقف الكاتب عند أحداث مفصلية كان لها تأثير جوهري على جهود منظمات اللوبي العربي للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية.

 

ويؤكد الكتاب أن مرحلة الحرب الباردة شهدت تأسيس التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والتي كانت فيها سيطرة اللوبي اليهودي طاغية فيما يتعلق بالتأثير على السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. وبفعل هذا التأثير، تم الربط بين الفلسطينيين والعدو الشيوعي، وكان ينظر إلى مجرد الحديث عن الفلسطينيين أو حقوقهم المشروعة على أنه ضد المصلحة الوطنية الأمريكية. ذلك أن اللوبي الصهيوني نجح في إقناع كل من الرأي العام وصانعي السياسة بأن التحالف مع تل أبيب واتباع سياسات محابية لها يعد من المصلحة الأمريكية؛ فهي تمثل خط الدفاع الأول ضد تغلغل النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط. وبمفهوم المخالفة، كانت هذه المرحلة من أسوأ مراحل اللوبي العربي؛ حيث كان ينظر إلى منظماته بعين الشك والريبة.

 

ومن المراحل الأخرى التي شهدت نشاطاً وانتعاشاً للوبي العربي، كما يرصدها الكاتب، مرحلة التحولات الدولية في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، بفعل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وقدرة المنظمات الموالية للعرب على استغلال صور معاناة الفلسطينيين في استمالة الرأي العام الأمريكي إلى جانب الفلسطينيين، وإقناع الإدارة الأمريكية بأنه لا يمكن تأمين حليفتهم المدللة، أو تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط في ظل بقاء الاحتلال، وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ومن المتغيرات الأخرى التي ساهمت إيجابياً في أنشطة اللوبي العربي في هذه المرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي ساهم في بطلان حجج اللوبي اليهودي بالربط بين الكيان الصهيوني ومواجهة العدو السوفيتي وشيعته من العرب والفلسطينيين.

 

ولكن الغزو العراقي للكويت (1990م) أثر تأثيراً سلبياً بالغاً في تنظيمات اللوبي العربي؛ فقد أدى إلى تفشي الانقسامات الحادة بين صفوفها حول الموقف من الغزو ثم الحرب، وإضعاف حججها المتعلقة بانحياز العرب للسلام وليس العنف، وتضييق هامش المناورة أمامها إلى أقصى حد، فيما يتعلق بادعاء توافق أهدافها مع مصلحة الولايات المتحدة التي تقود حرباً ضد بلد عربي. ولم تسلم هذه التنظيمات من توابع الحرب، حيث خضعت لحساب عسير سواء من جانب الدول العربية التي كانت منقسمة بدورها حول الغزو والحرب، وتمثلت بعض نتائجها في قطع المساهمات المالية عنها، أم من جانب الرأي العام الأمريكي الذي نظر إلى بعض هذه التنظيمات نظرة شك، من زاوية أنها كانت تعمل ضد المصلحة الأمريكية. ولكن مرة أخرى، تعافت تنظيمات اللوبي العربي من تلك التأثيرات السلبية بفعل عوامل خارجية في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية؛ أي بانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط (أكتوبر-نوفمبر 1991م)، وتوقيع اتفاق أوسلو، برعاية أمريكية، بين الفلسطينيين والصهاينة في  1993م.

 

ويتناول الكتاب القضايا والتحولات التي ساهمت في تبني الإدارة الأمريكية لنظرة اللوبي اليهودي للأحداث في المنطقة وبخاصة مرحلة ما بعد 11 سبتمبر وحتى إقرار خريطة الطريق في أبريل   2003م، ويشدد على تشابهها مع مرحلة الحرب الباردة، من ناحية هيمنة اللوبي الصهيوني على التأثير في صنع السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي اليهودي، مقابل التضاؤل الحاد لدور نظيره العربي. فقد استطاع اللوبي اليهودي استعادة هيمنته، في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، وتمكن مرة أخرى من تسيير الرأي العام وصناع السياسة وتحقيق التوافق بين السياسات التي يدعو إليها والمصلحة الوطنية الأمريكية. وتم الربط بين الإرهاب وبين العرب والمقاومة الفلسطينية.

 

ويوضح الدكتور مرّار، أن جماعات الضغط العربية عاشت أسوأ مراحلها على الإطلاق، وأصبحت في موقف الدفاع والتصدي سواء على المستوى الفكري والأيديولوجي ضد محاولات الجماعات الموالية للكيان الصهيوني بوصمها بتأييد الإرهاب، أو على المستوى المادي في مواجهة استهداف أعضائها ومقارها.

 

قدمت أحداث 11 سبتمبر فرصة حقيقية لتنظيمات اللوبي العربي لعكس الصورة التي سادت عن أدائها المتواضع للغاية أثناء فترة الحرب الباردة وما بعدها حيث ارتبطت فترة نشاطهم في أواخر هذه المرحلة بعامل خارجي هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فقد نجحت تنظيمات اللوبي العربي، وخصوصاً الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين والمعهد العربي الأمريكي، في المواجهة هذه المرة، و استطاعت من خلال وسائل متنوعة إقناع الرأي العام والإدارة الأمريكية بأن عدم تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو العامل الأساسي لتغذية "الإرهاب"، وإتاحة الفرص أمام تنظيماته لتجنيد المزيد من الإرهابيين. ومن ثم، فإن تسوية هذا الصراع باتجاه الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، بما في ذلك حقهم في تأسيس دولتهم المستقلة التي تعيش في سلام جنباً إلى جنب مع الدولة اليهودية، أصبح مصلحة وطنية أمريكية. والمراقب يجد أن اللوبي العربي قد اتبع استراتيجية خصمه نفسها في التصدي والعمل، من خلال الربط بين أهدافه والمصلحة الوطنية الأمريكية. وبالتالي تغلبت التنظيمات العربية على الصورة القائلة بعدم قدرتهم على مواجهة حملات اللوبي الإسرائيلي.

 

ويعتبر مؤلف الكتاب أن إعلان خريطة الطريق لحل القضية الفلسطينية في منتصف 2003، والتي تعترف بمبدأ الدولتين أساساً لتسوية القضية الفلسطينية، على أنه انتصار للوبي العربي، مع الاعتراف بصعوبة الربط بين تأثيراته واتخاذ هذا القرار غير المسبوق في تاريخ الولايات المتحدة.

 

. لكن هذا لا يعني أن الطريق معبد أمام اللوبي العربي لتحقيق أهدافه إذ إن عليه  مواجهة اللوبي المناوئ وهو خصم يفوقها في كل شي تقريباً سواء في التمويل، أو العلاقات العامة، أو الروابط المؤسسية بدوائر صنع السياسة في البنتاغون والكونجرس والبيت الأبيض، والمساهمة في الحملات الانتخابية وغيرها الكثير.

 

ما يحسب لهذا الكتاب أنه يدرس ظاهرة تعاني من إهمال الباحثين لها لأسباب عديدة ومتباينة، فهو يمحص تنظيمات اللوبي العربي وطبيعة القضايا التي تدافع عنها. وهو يقدم وصفة حقيقة يوضح فيها طبيعة الاستراتيجيات التنفيذية والتكتيكية التي يمكن لهذه التنظيمات توظيفها لاستمالة الرأي العام.

 

كلمة المحرر:

هذا مع ملاحظة تعارض رؤية المؤلف مع الأكثرية الساحقة من  الفلسطينيين والعرب والمسلمين التي ترفض  وجود الكيان الصهيوني كلياً،فضلاً عن تاريخ أمريكا الطويل في الانحياز المطلق لليهود في صراعهم مع العرب والمسلمين،وعدم صدقها حتى بالقياس إلى الحلول الجائرة المتبناة في الأمم المتحدة!!