19 رجب 1430

السؤال

في الآونة الأخيرة بدأت اتخذ قرارات سخيفة نوعًا ما، فقد اتخذت قرارًا بأخذ راحة من الدراسة، من غير سبب يدعو إلى ذلك؛ فأوقفت قيدي الآن، وتوقفت عن الدراسة على أن أكمل الفصل القادم.
وأيضًا أحيانًا أفكر بأمور لا ينبغي التفكير فيها، عندما أكون وحدي، وهي سخيفة سخافة لا توصف من شدة سخافتها، مع العلم أنني أشغل نفسي بأمور نافعة، وأتضايق إذا مر علي يوم لم أستفد منه شيئًا، ولكنني بدأت أمّل، خاصة وأنني لا أجد من يحثني على الأفكار والمشاريع.
علمًا بأنني ملتزم مع جماعة دعوية، لكنهم قليلو الحركة، ويغلب عليهم الكسل، فهَمُّ بعضهم كرة القدم، والآخرون همهم الأكل، مع ما فيهم من الصلاح والاستقامة!

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الفاضل:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
فإنني بداية أنصحك – أخي الحبيب- ألا تسمح للشيطان أن يسرب اليأس إلى نفسك، فإن النفس باليأس ثقيلة، ليس هذا فحسب؛ بل إنها قد تبدو ضعيفة وعاجزة، وإن الشيطان في أحايين كثيرة يلعب بتلك النفس اليائسة كلعب الأطفال والغلمان بالكرة!، والمسلم لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله ولا يستسلم لحيل الشيطان ومكره، قال تعالى :(... إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)(النساء/76).
أما بخصوص القرارات التي تتخذها أحيانًا وتصفها بـ"سخيفة"، وخاصة ذلك القرار الذي اتخذته بأخذ راحة من الدراسة، من غير سبب يدعو إلى ذلك؛ حيث قمت بإيقاف قيدك، وتوقفت عن الدراسة على أن تكملها في الفصل القادم؛ فهي وإن بدت قرارات غريبة إلا أنها – في تقديري- ليست هي المرض الذي نبحث عنه، وإنما هي لا تزيد عن كونها أعراضًا لمرض آخر ألا وهو فقدان الرغبة، أو الخوف من المستقبل، أما مسألة تأجيل الدراسة لعام في حد ذاتها فليست مشكلة، وإنما المشكلة كما أشرت لكونه قرارًا لا يستند إلى ضرورة، أو مبرر منطقي مقبول، بل إنه صدر (من غير سبب يدعو إلى ذلك).
ورغم عدم وضوح كلامك حول الأمور التي تفكر فيها أحيانًا، والتي وصفتها بقولك (أمور لا ينبغي التفكير فيها)، فإنها قد تكون من تلبيس إبليس، عليه لعنة الله، أو أنها من هواجس النفس، بل ربما تكون من وساوس الشيطان، وقد كشفت جانبًا من الحقيقية عندما أوضحت أن هذه الخواطر أو الهواجس تزداد (عندما أكون وحدي)، وهو ما يؤكد أنها من تلبيس إبليس، أو هواجس النفس، أو وساوس الشيطان، وقد وصفتها بأنها (سخيفة سخافة لا توصف من شدة سخافتها)، فاستعذ بالله ولا تفكر في هذه الوساوس.
وعلى الرغم من أنني استغربت أن تقع منك مثل هذه التصرفات التي وصفتها بالـ(سخيفة) في الوقت الذي تؤكد فيه أنك تشغل نفسك بأمور نافعة، وينتابك الضيق إذا مر عليك يوم لم تستفد منه شيئًا، إلا أنني وجدت التفسير واضحًا بين ثنايا كلامك عندما قلت (لكنني بدأت أمّل)، ولا أخفيك أن الملل يورث الكسل، والكسل يورث العقم الفكري، ومن ثم فلا أستبعد أبدًا أن يكون الملل والشعور بفقدان البوصلة هو السبب المنطقي وراء هذه المشاعر السلبية التي تنتابك، كما لمحت في كلامك سببًا آخر لهذا الشعور السلبي، وهو قولك (لا أجد من يحثني على الأفكار والمشاريع).
وما هداني اللهُ إليه أنك شخص عملي تحب الإنجاز، والعمل المتواصل، لكنك ممن يفتقدون لخاصية الدفع الذاتي، وتحتاج لدفع وتحفيز وتشجيع الآخرين، وهذه ملامح للكثير من الناس، الذين يتوقف إنتاجهم وسعيهم، بل وحبهم للحياة على تشجيع وتحفيز الآخرين لهم، وهذا ليس عيبًا لكن لا يجب أن يصل بنا إلى هذا الحد، فالأصل أن المسلم يقبل التحدي، ويسعى لصناعة الحياة، ولا ينتصر على اليأس وحسب بل يقضي عليه بالضربة القاضية.

وقبل الختام وعندما هممت أفرح بكلمتك (علمًا بأنني ملتزم مع جماعة دعوية)، وأتساءل كيف لمسلم يعمل في جماعة دعوية، ويعيش بين إخوانه من الدعاة والمربين، أن تتسرب لنفسه هذه المشاعر السلبية، وجدتك تصف أفراد هذه الجماعة بأنهم (قليلو الحركة)، و(يغلب عليهم الكسل)، (هَمُّ بعضهم كرة القدم، والآخرون همهم الأكل)، وهي صفات سلبية لا توجد في جماعة إلا قضت عليها، ناهيك عن أن تكون هذه الجماعة عاملة لنصرة الإسلام، وإعادة مجده، فهي مؤشرات لا شك تدعو للقلق والتساؤل، بل وتوجب مراجعة هذه الجماعة لنفسها، والوقوف على أخطائها والسعي إصلاح عيوبها.
وختامًا؛
فإن ما سبق لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب، في صورة وصف للداء وتشخيص للدواء، مع ثقتنا بأن على الله وحده الشفاء، وبه سبحانه الأمل والرجاء، نسأل الله تعالى أن يصرف عنا معصيته، وأن يرزقنا رضاه والجنة، وأن يعيذنا وإياكم من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياكم إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنكم
شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.