القرن الحادي والعشرون لن يكون أمريكياً
12 جمادى الأول 1430
منذر الأسعد

الكتاب:القرن الحادي والعشرون لن يكون أمريكياً
تأليف:بيير بيارنيس
ترجمة:مدني قصري
الناشر:المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت
ط1-2003م
348صفحة/قطع عادي(17×24سم)

عرض: مهند الخليل

***

استهل المؤلف كتابه بمقدمة اختار لها عنوان(سلام بارد وحروب ساخنة)وخصصها للتذكير بالنظام الدولي الذي قام بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستمر حتى سقوط الاتحاد السوفياتي في عام1991م،لتتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على الساحة العالمية،وهي هيمنة يرى بيارنيس أنها لن تدوم طويلاً،مستدلاً بقدرة العرب وفرنسا على منع واشنطن من شن حرب جديدة على العراق في عام 1998م.

 

الكبار أولاً

يتكون الكتاب من16فصلاً،هي:
1-العالم للأمريكيين-2-الذين يقولون لا-3-استعادة قوة ومجد الإمبراطورية الصينية السلفية-4-نهضة روسيا-5-اليابان تسعى إلى أن تكون بلداً طبيعياً-6-يقظة العملاق الهندي-7-عد إلى بيتك يا جرنيجوس-8-هل يكمن بعد الخطر الأحمر الخطر الأخضر-9-قرن من الفرص الضائعة في الجزائر-10-أرض إسرائيل أولاً-11-كم يسعدني أن أكون تركياً لكن الحمد لله أنني مسلم-12-البؤرة البلقانية-13-العودة إلى اللعبة الكبرى حول قزوين-14-النمور والتنينات تتدهور صحتها-15-إفريقيا المجهولة-16-طموحات وشكوك جنوب إفريقيا.
وتتفاوت أحجام الفصول تفاوتاً لا تخطئه عين القارئ،وربما كان معقولاً أن تحظى الفصول المخصصة للاعبين الكبار بأكبر فصول الكتاب(وهم:أمريكا-روسيا-اليابان-الصين).

 

والكتاب يدل على متابعة تفصيلية للأحداث والمتغيرات في أنحاء الأرض،وقدرة واضحة على الرصد والتحليل-بصرف النظر عن مدى الدقة في الرؤى التي يقرأ بها الوقائع-.
فهو على قناعة تامة بأن المهمة الأساسية  لحلف شمال الأطلسي"الناتو" في الفترة الراهنة هي العداء لأوربا،مع أن واجبه وسبب نشأته أصلاً يتلخص في الدفاع عن القارة العجوز وقد فعل ذلك في حقبة الحرب الباردة.لكن إصرار الأمريكيين اليوم على توسيع نطاق الحلف شرقاً لا يؤدي إلا إلى استفزاز موسكو بلا مبرر،وإيقاظ القومية الروسية المهانة،والتي لن تجد من تصب جام غضبها عليه سوى جيرانها الأقربين وهم الأوربيون وحدهم.

 

تركيبة الصين وتسلح اليابان

لا يغادر الكاتب قارته إلا بعد أن يفجر السؤال الجوهري حول الدافع وراء مساعيها نحو التوحد،أهو دافع اقتصادي محض بما يعني مواصلة تبعيتها للعم سام،أم أن التطلع إلى الاستقلال عن الأمريكيين هو الغاية المنشودة؟
وعندما يتجه المؤلف إلى الصين يلحظ تغيراً خطيراً في تركيبتها السكانية،بتأثير هجرة عشرات الملايين من الريف إلى المدن-وقد يصبحون مئات من الملايين-،وما ينتج عن ذلك من أحزمة فقر وتجمعات مهمشة تعد بيئة ملائمة للاضطرابات الأمنية والاجتماعية،ليترافق الأمر مع بوادر تذمر في مقاطعات الأطراف من الضرائب الباهظة التي تذهب إلى بكين بينما تتردى الخدمات في المناطق النائية بسبب توجيه مزيد من الأموال للمدن الكبرى التي تكتظ أكثر وأكثر بمزيد من المهاجرين.

 

والرجل يتوقع انبعاث روسيا من جديد بالرغم من تفشي الموبقات فيها(المخدرات-الدعارة-سيطرة عصابات المافيا...)،ووقوع34مليون روسي تحت خط الفقر.وفي المقابل،يرى أن اليابان سوف تصبح دولة"طبيعية"-بحسب تعبيره-بأن تتسلح تدريجياً،ولو جاء ذلك في نطاق الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء الصين،وإن كان يعتقد أن طوكيو لن تبالغ في هذا المسار لحرصها المفهوم على عدم استفزاز بكين بغير حساب خلافاًً لرغبات واشنطن!!

 

هفوات وخطايا

من الهنات التي تسيء إلى الكتاب سوء الترجمة وركاكة عبارات المترجم بصورة شبه شاملة،ويضاف إلى هذا رداءة الورق والطباعة تبعاً لذلك.
وقد وقع المؤلف في أخطاء معلوماتية ليس لها ما يبررها،ومنها ظنه أن الملك عبد الله بن عبد العزيز هو شقيق للملك فهد،مع أنه أخ له من الأب،وكذلك زعمه أن طالبان من أكثر المذاهب الصوفية تشدداً على طريقة الوهابية السعودية-وفي هذا الادعاء جملة مفتريات متناقضة كما نعلم بداهة-.

 

أما خطايا بيارنيس فعديدة وبشعة،ومنها تزييفه عشرة قرون من الحكم الإسلامي للهند،زاعماً أنها شهدتْ فرضاً إجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام،وهو زعم كاذب لا سند له في التاريخ ولا في الواقع،وإلا فكيف بقي غير المسلمين هناك بالملايين بل ظلوا هم أكثرية السكان؟

 

ومما يؤخذ على كتاب كهذا أنه تناول أعقد وأقدم صراع شرس في العالم في ست صفحات،وتبريره البارد لانحياز بلاده (فرنسا)إلى الانقلابيين في الجزائر على حساب الديموقراطية،وما يفضح مسلكه أنه اختار للحديث عنها عنواناً استعمارياً هو:قرن من الفرص الضائعة!!ولم يبين تلك الفرص ولا على مَنْ ضاعت؟

 

وقد كان الكاتب منصفاً لمسلمي البلقان الذين حاول الصرب الحاقدون استئصالهم،لكنه منح الديكتاتور الهالك تيتو صورة وردية غير صحيحة.وفي مقابل إقراره باستغلال قومه للأفارقة تاريخياً تحت رايات حضارية كاذبة،ونعيه عليهم سوء معاملتهم للأفارقة المهاجرين إليهم في ما بعد،فإنه لم يكن موضوعياً في تصويره نهضة نمور آسيا به حاصل نظمهم الاستبدادية وتشغيلهم عمالة غير شرعية كالسجناء والأطفال!!