7 رجب 1430

السؤال

كيف أستطيع أن اجعل تلاميذي محبين لي؛ وما الطريقة المثلى في التعامل مع التلميذ كثير الكلام والحركة؟.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الفاضل:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
فإن سؤالك ذو شقين؛ الأول يتعلق بالوسائل والسبل التي تجلب للمربي محبة تلاميذه وطلابه، والثاني يتعلق بأفضل الطرق الممكنة للتعامل مع ذلك الصنف من الطلاب الذي يكثر من الكلام والحركة أثناء الحلقة، وهو ما يتسبب في الغالب في تشتيت انتباه وتركيز باقي الطلاب، ويؤثر سلبًا على استيعابهم، مما يخشى معه تسرب هذا السلوك لباقي التلاميذ.
أما بخصوص السؤال الأول؛ فهو أمر متعلق بالقلب، ولاشك أن محبة التلاميذ للمعلم، والطلاب للمربي هي أمر ضروري، لا غنى عنه، لكي تؤتي العملية التربوية بين المربي والمتربي أُكُلُها.
ويمكن للمعلم أن يعمق هذه المحبة، بينه وبين تلاميذه من خلال الوسائل التالية:-
1- التوجه إلى الله سبحانه بالدعاء أن يزرع المودة والمحبة بينكم.
2- ربط هذه المحبة بالله، فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
3- توثيق الصلة بهم، بالتعرف الجيد عليهم، وفهم طبائعهم ومعرفة خصالهم.
4- معرفة ما يحبون وما يكرهون، وما يقبلون وما يرفضون، لمراعاة ذلك تربويًا.
5- رصد ميولهم الشخصية، وحصر مواهبهم الرياضية والفنية والـ... إلخ.
6- العمل على توظيف مواهبهم بالشكل الأمثل.
7- السؤال عنهم إذا غابوا، وعيادتهم إذا مرضوا، والحرص على تهنئتهم ومواساتهم.
8- مكافأة المتميز، وتحفيز المتوسط، والأخذ بيد المقصر ليعبر المرحلة بنجاح.
9- تعليمهم أهمية وفضل احترام الكبير (الأب/ الأستاذ/ المربي/.....).
10- العطف عليهم، وتقديم الهدايا الرمزية لهم.

ويجدر بنا هنا أن ننبه إلى أمر في غاية الأهمية؛ من الناحية الشرعية، ألا وهو الحرص على أن تكون هذه المحبة منضبطة بالشرع الحنيف، وأن يكون واضحًا لدينا أن المحبة ليست إلا وسيلة لتحبيبهم في التعلم، والذي هو في النهاية وسيلة للتقرب إلى الله، ونيل رضاه وجنته، وتجنب سخطه وعذابه، كما أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال/ 63).
وقال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
ومن ثم فإنه يجب على المعلم أن يكون تقيًا ورعًا، وأن يكون واعيًا متوازنًا، حتى لا يتحول المحبة إلى تعلق، وهنا يحدث ما يشكو منه كثبرٌ من المربين، من تعلق التلميذ بشخص المعلم أو المربي بعيدًا عن الرسالة أو الحلقة أو العلم، فالقاعدة تقول أنه كلما أحب التلاميذ الحلقة وارتبطوا بالعلم أحبوا معلمهم ومربيهم، أما إذا تعلقوا بشخص المعلم فإنه لا يرجى منهم اكتساب العلم، ولا حصول التربية.

وأما بخصوص السؤال الثاني؛ عن أنسب وأفضل الطرق للتعامل مع التلميذ كثير الحركة، أو كثير الكلام، فإن لي شخصيًا تجربة، أستأذنك أن أنقلها لك في عجالة، لعلها تكون مفيدة، ففي إحدى السنوات كنت أعمل مدرسًا لمادة المكتبة بإحدى المدارس الخاصة، بمصر، فصادفت تلميذًا كثير الكلام مع زملائه، ففكرت في طريقة لاستيعابه، فهداني اللهُ إلى أمرين:-
أولهما: أنني اخترته من بين زملائه ليكون رائد الفصل، فيقف مكاني في وقت عدم وجودي بالفصل، ويكون مسئولا أمامي عن الهدوء والانضباط داخل الفصل، وطلبت منه أن يسجل على السبورة أسماء الطلاب الذين يثيرون الشغب ويكثرون من الكلام ويخلون بهدوء الفصل وانضباطه.
وثانيهما: أنني اخترت من الفصل 15 تلميذًا، للجزء العملي من الحصة، ليمارسوا القراءة في المكتبة، وبالطبع اخترته من بينهم، فيما يستمر باقي الفصل في أماكنهم لدراسة الجزء النظري الخاص بأصول القراءة والتثقيف الذاتي، وفي المكتبة قمت بتوزيع الكتب على التلاميذ، ليقوم كل تلميذ بقراءة كتيبه خلال الحصة، على أن يلخص لي في ورقة واحدة ما استفاده من قراءة الكتيب، وبالطبع اخترت لهذا التلميذ المشاغب، كتيبًا يتحدث عن جملة من الآداب الإسلامية (آداب الأكل والشرب والمشي والكلام وطلب العلم).
وفي اليوم التالي طلبت منه أن يحكي لزملائه ما استفاده من قراءة كتاب الأمس، وهكذا... شيئًا فشيئًا تغير سلوكه إلى الأحسن، وصار يتحسن كل يوم على التالي، ولا أخفي عليك أنني كثيرًا ما كنت أنتهز الفرصة فأخلو به دقائق بعيدًا عن زملائه، فأطلب منه أن يكون قدور لزملائه، وحذرته في الوقت نفسه من أن تأتيني شكوى من زملائه ضده، وظللت هكذا بين التحفيز والتحذير، وبين التشجيع والتهذيب، حتى هداه الله، وتحسنت أحواله كثيرًا.

وختامًا؛
فإن ما سبق لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب، في صورة وصف للداء وتشخيص للدواء، مع ثقتنا بأن على الله وحده الشفاء، وبه سبحانه الأمل والرجاء، نسأل الله تعالى أن يوفقك في مهمتك، وأن يجعلك سببًا في هداية طلابك، وأن يعينك بمدد من عنده، وأن يردهم إلى صوابهم ورشدهم، ردًا جميلا، وأن يصرف عنهم معصيته، وأن يرزقهم رضاه والجنة، وأن يعيذهم من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك وإياهم إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك وعنهم شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.