15 جمادى الثانية 1430

السؤال

أنا معلم في حلقات تحفيظ القرآن، ولدي طلابٌ في المرحلة المتوسطة، وبدأ بعض الطلاب في التحسن، بشكل ملحوظ، في جميع الجوانب، ولكن لديهم علاقات ببعض الأصدقاء السيئين، فكيف الطريق لإقناعهم بترك هؤلاء؟.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الفاضل:
قرأت رسالتكَ باهتمام شديد، وقد أعجبني كثيرًا أنك وضعت يدك على أصل الداء، وعرفت مكمن الخطر الذي يهدد مستقبل طلابك، ألا وهو "الصحبة السيئة"؛ ولعمري فإن التشخيص الصحيح للداء لهو نصف الدواء، ولا يبقى سوى أن نرد على سؤالك الواضح: كيف الطريق لإقناعهم بترك أصدقاء السوء؟.
وقد لفت انتباهي في سؤالك استخدامك لكلمة"إقناع"، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على إدراكك لطبيعة المرحلة العمرية التي يعيشها طلابك، وحرصك على مخاطبة عقولهم، لأن الشباب في هذه السن يميل إلى النقاش والبحث عن المنطق في الرد، والحجة في الكلام، ولنا في النهج القرآني الحكيم العبرة والعظة، فقد أثنى القرآن على العقلاء والمتدبرين فقال تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) (النساء/82). وقال أيضًا: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد/24).
كما أثنى الله (سبحانه وتعالى) على نعمة الفهم التي من الله بها على نبيه سليمان بن داود عليهما السلام فقال تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء/ 78- 79).
فلا شك أن الصديق (الصالح أو الطالح) يترك بصمات واضحة في أخلاقيات وسلوكيات صديقه، وهو ما نبهنا إليه القرآن الكريم بقوله: (الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) (الزخرف/67)، كما نبهنا إليه سيد الخلق وحبيب الحق محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) ؛ فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح وقال الترمذي حديث حسن).
وعن أبي موسى الأشعري (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة" (متفق عَلَيْهِ). يحذيك: يعطيك.
ومن أجمل ما قال الشعراء في أمر الصديق:
وصاحب إذا صاحبت حراً مبرّزا *** يزين ويزرى بالفتى قـرنـاؤه
واحذر مؤاخــــاة الدنيء لأنه *** يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

واختر صديقك واصطفيه تفاخراً *** إن القرين إلى المقارن يُنســب
تجنب صديق السوء واصرم حباله *** وإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه *** تنل منه صفو الود ما لم تماره

إذا كنت في قومٍ فاصحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرينٍ بالمقــــــارن يقتدي

ونصيحتي لك ألخصها في النقاط التالية:-
1- الجأ إلى الله: قم في السحر، توضأ وصلِّ ركعتين من دون الفريضة، ثم ارفع يديك إلى الله وتضرع إليه، واسأله العون على إصلاح طلابك، أدعه وألح عليه في الدعاء أن يصرف عن طلابك قرناء السوء، وشياطين الإنس والجن، ولا تستهن بالدعاء، فإنه سهم نافذ، إن صادف إخلاصًا وصدقًا؛ فكلما كنت صادقًا في دعائك ورجائك كلما عجل الله لك صلاح طلابك.
2- اجلس مع نفسك: وأمسك بورقة وقلم، ودون بها أسماء طلابك، ومحاور للتقييم؛ مثل: أخلاقه/ سلوكياته/ قوة شخصيته/ متانة حفظه/ طاعته للمربي/ حبه لزملائه/ حب زملائه له/ علاقته بقرناء السوء/......إلخ، ثم وضع تحت كل محور الدرجة التي يستحقها كل طالب، ثم انظر في تقديره العام (ممتاز/ جيد جدًا/ جيد/ متوسط/ ضعيف/ ضعيف جدًا).
3- قسم قائمة الأسماء إلى ثلاثة مستويات، (أقل من 50 %)، (أقل من درجة 75%)، (أكثر من 75%).
4- ابدأ بالجلوس مع الفئة الأعلى، والتي حصلت على أكثر من 75%، والمفترض فيهم أن يكونوا الأحسن أخلاقًا، والأقوم سلوكًا، وحاول قدر الجهد أن تقوم بتحصينهم، وتفهيمهم بخطورة صاحب السوء، وأنه مثل مرض السرطان ينتشر في الجسد، ومثل السوس الذي ينخر في العظام، في محاولة منك لانتقاء عناصر نابهة منهم لمعاونتك في تخليص باقي زملائهم من أصدقاء السوء، ثم اجلس مع المجموعات الأخرى أيضًا مع استخدام الخطاب الموجه غير المباشر.
5- خصص جزءً من وقتك: ولو ربع ساعة يوميًا، في بداية كل حلقة، من حلقات التحفيظ، لإلقاء خاطرة موجهة، بعد قراءة آية قرآنية أو حديثًا نبويًا، يتحدث عن فضل القرين الصالح، وسوء عاقبة الصحبة السيئة في الدنيا والآخرة، وذلك من وحي الآية أو الحديث، وقم بين الفينة والأخرى بمس الموضوع مسًا خفيفًا، بطريقة غير مباشرة، ومن طرف خفي، تلميحًا لا تصريحًا، واعمد إلى انتقاء بعض القصص القصير والهادف، الذي يفيد في توصيل الرسالة.
6- أجر مسابقات متنوعة: بين طلابك، فتارة مسابقة على الهواء، في ذكر آية قرآنية للدلالة على خطورة القرين السوء، أو أكمل حديثًا نبويًا في بيان أنواع الأصدقاء في الدنيا، على أن توزع الجوائز فور الجواب، وكن واعيًا في انتقاء من يجيب على أسئلة المسابقة، كما يمكنك أن تعلن عن مسابقة بحثية، لكتابة بحث صغير يتكون من 5- 7 صفحات، حول الصفات التي يجب توافرها في الصديق الصالح، وألن عن جوائز قيمة لأفضل البحوث المقدمة، وإن كان من بين الفائزين أحد طلابك الذين تعف أن لهم علاقة مع أحد أصدقاء السوء، فكافئه واطلب منه أن يعرض على زملائه، في 5 دقائق، ملخصًا لبحثه الفائز، وثق أنه سيكون لهذه الخطوة أثر طيب في نفسه.
7- أقم حفلا للفائزين: في المسجد الذي تربي فيه طلابك، لتوزيع الجوائز على الطلاب الفائزين، يحضره أولياء أورهم، واحرص على أن تتخلل الحفل عدة فقرات (الافتتاح بآيات في الموضوع بصوت أحد الطلاب من أصحاب الصوت الحسن/ كلمة توجيهية/ أنشودة إسلامية/ كلمة الطلاب/ كلمة أولياء الأمور/ توزيع الجوائز/ الختام بالقرآن).
8- اصحبهم في رحلة هادفة: واحرص فيها على تعميق صلاتهم، وتقوية علاقاتهم ببعضهم، فاعقد لهم تعارفًا موسعًا، واسع إلى تقريبهم لبعضهم، فإن خبرة الحياة علمتنا أن طالب الحلقة لا يبحث عن صديق خارج الحلقة إلا إذا فشل في الحصول عليه من داخلها، كما يمكنك أن تعقد مؤاخاة بينهم، اقتداء بما فعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الهجرة، إذ آخى بين المهاجرين والمهاجرين، ثم آخى بين الأنصار والأنصار، ثم عقد المؤاخاة الكبرى بين المهاجرين والأنصار، فيمكنك ربط كل اثنين من الطرب ببعضهما، على أن تراعي وأنت تسجل الثنائيات أن يكون أحد الاثنين ممن تثق في صلاحه ووعيه، وتذكر القول المأثور "الصاحب ساحب"!
وختامًا؛
فإن ما سبق لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب، في صورة وصف للداء وتشخيص للدواء، مع ثقتنا بأن على الله وحده الشفاء، وبه سبحانه الأمل والرجاء، نسأل الله تعالى أن يوفقك في مهمتك، وأن يجعلك سببًا في هداية طلابك، وأن يعينك بمدد من عنده، وأن يردهم إلى صوابهم ورشدهم، ردًا جميلا، وأن يصرف عنهم معصيته، وأن يرزقهم رضاه والجنة، وأن يعيذهم من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك وإياهم إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك وعنهم شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.