هل تستطيع الولايات المتحدة الضغط على "إسرائيل"؟! وجهة نظر أمريكية
22 جمادى الأول 1430
هشام منور
لم يكن موقف مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط "جورج ميتشل" إثر جولته الأخيرة، والذي عبر فيه "بقوة" عن رؤية بلاده إزاء مستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط والتأكيد على مبدأ حل الدولتين (الإسرائيلية والفلسطينية) إبان مجاهرة قادة الكيان الصهيوني بوأدهم لهذا المفهوم واستبداله بمجرد "سلام اقتصادي" يستجدي فيه الفلسطينيون متطلباتهم واحتياجاتهم اليومية من "إسرائيل"، لم يكن موقف "ميتشل" هذا وما تبعه من إعلان البيت تأجيل لقاء (نتنياهو) بالرئيس (أوباما) سوى ردّ "مباشر" و"قاس" لم تألفه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من قبل حليفها الاستراتيجي (الولايات المتحدة). فقد دافع "ميتشل" عن الرؤية الأمريكية لحل الدولتين، معتبراً قيام دولتين في المنطقة أولوية أمريكية في هذه المرحلة، محاولاً "ترطيب" الأجواء قليلاً من خلال الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، وتجديد التعهد الأمريكي بأمن "إسرائيل".
وتبدو الأجواء الحالية بين الحليفين الاستراتيجيين (أمريكا وإسرائيل) ملبدة بالغيوم ومرشحة في الوقت ذاته لمزيد من التصعيد في ظل جوّ سياسي مواكب ومؤيد لنهج الرئيس (أوباما) بتغيير لهجة وأسلوب الحوار والتعامل مع "إسرائيل"، ولو قليلاً، في ضوء تعنت برنامج حكومتها الحالية، وصعوبة التواصل والتفاهم على صيغة مرضية مع أقطاب اليمين المتطرف الذين أفرزتهم الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
فقد دعا أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، وأحد مؤلفي كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" (ستيفن والت) الإدارة الأمريكية الجديدة إلى ممارسة دور أكثر "قوة" و"فاعلية" من ذي قبل، ووضع قيود على طرفي الصراع (فلسطين وإسرائيل) للتوصل إلى اتفاق بشأن حل الدولتين الذي اعتبره في صالح الأمن الإسرائيلي في نهاية المطاف، وذلك في مقالة بعنوان "هل تستطيع الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل؟ دليل المستخدم"[1].
ويرى "ستيفن والت" أن هناك عاملين يهددان حل الدولتين، يكمن أحدهما في الاستمرار في سياسة بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية. فهناك أكثر من 290 ألف مستوطن صهيوني يعيشون في مستوطنات بنيت في الضفة الغربية، فضلاً عما يزيد عن 185 ألف مستوطن في القدس الشرقية. وتبرز خطورة الاستيطان فيما يمثله من تحد أمام صناع السلام الأمريكيين، فهم إما أن يطردوا نصف مليون مستوطن إسرائيلي، وإما أن يبقوهم ضمن إطار حل شامل يُبقي على معظم المستوطنين داخل الحدود النهائية لإسرائيل مع حصول الدولة الفلسطينية المنشأة على أراض أخرى كتعويض يجعل من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً مستحيلاً.
بالمقابل، فإن نموّ ما سماه "والت" الاتجاه المتطرف في كلا الجانبين يتهدد عملية السلام في المنطقة، ويدلل على ذلك بنتائج الانتخابات في كلا الطرفين، وصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف من جهة، وحركة حماس من جهة أخرى ليتبوآ سدة الحكم ويحوزا على الشعبية المطلقة. لذلك، فمن الضروري طبقاً لرؤية "والت" ممارسة ضغط أمريكي كبير على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو الأمر الذي يرى فيه تأييداً كبيراً داخل الولايات المتحدة وخارجها. فقد دعت مؤخراً لجنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري برئاسة "هنري سيجمان" و"برنت سكوكروفت" في تقرير لها الرئيس "باراك أوباما" إلى الانخراط الفعال لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي" عبر جملة من الحوافز والضغوطات على كلا الجانبين.
ويؤكد الباحث الأمريكي الشهير أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة نجحت في ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني فقط، لكنها لم تمارس ضغطًا كبيرًا على الجانب الإسرائيلي، ويدعو إلى استخدام استراتيجية من ثماني نقاط لن تكون إدارة أوباما في حاجة إلى استخدام تلك الأدوات الثمانية كلها في الضغط على "إسرائيل"، كما ينصح بعدم استخدامها مجتمعة في التأثير على حكومة "نتنياهو"، وأن تتواصل إدارة أوباما مع مؤيدي "إسرائيل" داخل الولايات المتحدة لتوضيح أن الضغط الأمريكي على "إسرائيل" ضروري على المدى الطويل لاستمرار "إسرائيل" نفسها. وأن واشنطن لن تتخلى عن التزامها بتأييد أمن إسرائيل كمصلحة أمريكية. وفي الوقت ذاته تأكيد استمرار الضغط على حركة (حماس) لتعديل مواقفها.
وتتمثل استراتيجية "والت" ذات النقاط الثمانية في خفض المساعدات الأمريكية لإسرائيل، والتي تقدر بثلاثة مليارات دولار سنوياً. ويرى أن هذه الوسيلة ستحقق نجاحاً كبيراً، ولكنه لا ينصح بأن لا تكون أولى وسائل الضغط الأمريكي على "إسرائيل"؛ لأن أي محاولة لخفض المساعدات الأمريكية لإسرائيل سيشعل مواجهة داخل الكونجرس الأمريكي من قبل اللوبي الصهيوني.
وينصح بعد ذلك بتغيير لهجة الخطاب الأمريكي في وصف الممارسات الإسرائيلية إزاء توسيع المستوطنات، والابتعاد عن استخدام مصطلح "غير مساعدة" التي تُعبر عن ضعف الخطاب الأمريكي الرسمي. وينصح باستخدام مفاهيم ومصطلحات جديدة في وصف تلك المستوطنات مثل "غير شرعية" و"منتهكة للقانون الدولي". كما ينصح بوصف الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي بأوصاف جديدة من مثل "يتعارض مع الديمقراطية"، أو "غير حكيم"، "قسري" و"غير عادل"، بغية إرسال رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية أن رفض حل الدولتين يُهدد العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية الاستراتيجية.
كما تتناول خطته للضغط على إسرائيل تدعيم قرار من الأمم المتحدة يدين الاحتلال، والتوقف عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار ينتقد "إسرائيل"، ورعاية قرار يدين الاحتلال ويدعو إلى حل الدولتين وتبنيه. كما يطالب بخفض مستوى التعاون الاستراتيجي القائم حاليًا بين الدولتين، على المستويين العسكري والاستخباري، إذ يمكن لأوباما استخدام هذا التعاون الاستراتيجي كآلية للتأثير على الجانب الإسرائيلي من خلال إرجاء عدد من اجتماعات المشتركة، أو خفض مستوى التمثيل الأمريكي لاتفاقيات التعاون المشترك. ويشمل ذلك أيضاً خفض واردات الولايات المتحدة من المعدات العسكرية الإسرائيلية. وهذه الوسيلة سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الإسرائيلي المترنح في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، اتخاذ موقف متشدد من المنظمات الخاصة التي تجمع التبرعات الخاصة للمنظمات الخيرية العاملة في "إسرائيل" مستقطعة ضريبة داخل الولايات المتحدة لدعم النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. ويرى "والت" أنه كما تراقب الولايات المتحدة الإسهامات الخيرية إلى ما تطلق عليهم المنظمات الإرهابية، على وزارة الخزانة الأمريكية اتخاذ خطوات صارمة تجاه المنظمات "الخيرية" بما فيها المنظمات الصهيونية المسيحية البارزة التي تدعم الأنشطة غير القانونية.
وتشمل هذه الخطة أخيراً وضع قيود على ضمانات القروض الأمريكية لـ"إسرائيل"، والتي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً. فعلى سبيل المثال احتفظت إدارة (بوش الأب) في عام 1992 على ما يقرب من 10 مليار دولار ضمانات إلى أن وافقت "إسرائيل" على وقف بناء المستوطنات، وحضور مؤتمر مدريد للسلام. وهو ما يمكن ممارسته أيضاً مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ويبقى، أن نجاح استراتيجية الضغوط الأمريكية على الحكومة "الإسرائيلية" اليمينية الحالية لن يكتب لها النجاح ما لم تنجح في تكوين تيار شعبي وأكاديمي وسياسي مؤيد لتلك الإجراءات دون أن تسمح بممارسة الضغوط على الرئيس الأمريكي لوقفها تعاطفاً وتأييداً لإسرائيل، وإذا كانت إدارة أوباما قد شرعت بالفعل بممارسة ضغوط خفية على حكومة نتنياهو من خلال "تأجيل" (لا إلغاء) مقابلته بذريعة واهية من الناحية الدبلوماسية، فإن رؤية أوباما لمستقبل عملية السلام، وجديته في طرحها وتنفيذها ستحددان مدى قدرته على "مقاومة" الضغوط التي ستمارس عليه ابتداء لمنع المساس بالربيبة التاريخية المدللة "إسرائيل".


[1] - لمطالعة المقالة كاملة، يمكن زيارة موقع مجلة "السياسة الخارجية" على الانترنت.