26 رجب 1430

السؤال

انا متزوجه ولدي طفلان,, انا طموحه اكملت دراستي الجامعيه عند زوجي وكان عونا لي والحمد لله على اتمام هذه الدراسه
الان المشكله تكمن في انني اريد دراسه الماجستير في احد الدول العربيه
ومحتاره ان اترك زوجي وطفلاي علما بان مده الدراسه سنتان تتخللها بعض الاجازات
خوفي من ذلك يترك انطباع سيئ عند اطفالي او قد يشعرون بحاله نفسيه علما بانني سوف اتركهم عند والدتي
وايضا خوفي من ان زوجي يفقدني وتتغير حياتنا؟ علما بانه هو موفق على ذلك الامر
هل احقق طموحي وابني مستقبلنا ؟ ام اضحي من اجل زوجي واطفالي.

أجاب عنها:
تسنيم الريدي

الجواب

أختي الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بك على صفحات موقعنا والله أسأل أن ييسر لك الخير أينما كان.
جميل أن تكون المرأة طموحة تهتم بعلمها وثقافتها وبناء شخصيتها، ومن الجميل أيضاً أن يعيش الإنسان في حياته بأهداف واضحة المعالم ... وهذا ما لمسته فيك.
وقد تعلمنا أخيتي أن نرجع كل أمور حياتنا للقرآن والسنة، فقد اتفق الفقهاء على أنه يحرم على المرأة أن تسافر بمفردها، وأنه لا بد من وجود محرم معها؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في منع المرأة من السفر دون محرم؛ ومنها ما في الصحيحين وغيرهما، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، وفيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم)).
فقد قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم": "فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين، أو يوماً، أو بريداً، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم".
وقد حُكي الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم، إلا السفر للحج والعمرة، والخروج من دار الشرك، أو الفرار من الأسر؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "واستدلوا به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهذا إجماع في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك".
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله: "واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم، إلا الهجرة من دار الحرب؛ فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام، وإن لم يكن معها محرم".
وهنا أخيتي فلا يجوز لك السفر بغير زوجك أو أي محرم آخر - ممن تحرمين عليه على التأبيد، بنسب أو سبب مباح كأب أو ابن أو أخ من نسب أو رضاع - للأدلة السابقة، ذلك لأن سفرك هذا ليس مما استثناه العلماء.
ومن تأمل ما في السفر من المخاطر، بالنسبة للمرأة - كالجلوس بجانب رجل أجنبي عنها، واضطرار الطائرة للهبوط أحياناً وتأخر المواعيد ونحو ذلك - عَلِم حكمة الشرع في تحريم سفر المرأة بلا محرم، حتى ولو كان ذلك بوسيلة تقطع المسافة في ساعة أو أقل؛ فإن هذه الأحكام شرَّعها من يعلم حال خلقه، ويعلم ما يصيرون إليه من تطور وتقدم؛ قال الله - تعالى -: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

كذلك أخيتي عليك الانتباه لمخاطر سفرك وترك زوجكِ وأولادكِ وحدهم فترة الدراسة، فمهما كانت فترة الإجازات فبعدك عن أطفالكِ يبني الحواجز النفسية بينكِ وبينهم، وسيشعرون بغربة في بداية فترة سفركِ حتى وإن كانوا سيقيمون عند جدتهم، فحاجتهم لكِ كأم يفتقدونها ستسبب لهم أضرار كثيرة، وبعد أن يتعودوا على الجدة، وتعودين أنتي بشهادة الماجستير سيشعرون بالغربة تجاهكِ أنتي أمهم !!
وعليك أن تعلمي أخيتي أن خبراء التربية وضحوا مخاطر ابتعاد الأم عن أبنائها في العشر سنوات الأولى من حياتهم، فهذا بدوره يشعر الطفل بعدم الأمان، فيكبر ويشب على الخوف من الحياة والخوف ممن حوله، وبالتالي يصبح شخصية لا تعتمد على نفسها ولا تستطيع أن تحب أو أن تعطي الحب... وإياك أن تعتقدي أن الإجازات كفيلة بإزالة شعور الطفل بالغربة، أو تواصلك معهم عبر الهاتف أو الإنترنت سيكون كافياً... أبداً.
كذلك أخيتي بشأن زوجكِ فهو الآن حباً لكِ ورغبة في استكمالك لطموحاتك يوافق على سفرك وتركه في بلادكم دون زوجة ترعاه وتعتني به، لكن في الواقع – كما يتكرر السيناريو دائماً - عندما تسافرين وتمر فترة ليست بالطويلة، سيبدأ بالشعور بالوحدة واحتياجه لكِ، ولن تستطيعين العودة نظراً للجزء الذي قطعتينه في الدراسة، والمصاريف المالية التي لن تستطيعين استردادها، فستضغطين عليه للتحمل قليلاً ... وهنا لن يكون له إلا طريقين ... إما أن يشعر بالحزن والضيق وهذا بدوره يسبب فجوة بين الزوجين، فشهادة الماجستير ليست أهم من الترابط بين الزوجين بقربهما من بعض واعتناء كل منهما بالآخر، إما بالبحث عن زوجة جديدة تعتني به ... وحتى إن تحمل وصبر حتى تعودين ستجدينه زوجاً آخر غير الذي تركتينه، ستجدين زوجاً يشعر في قراره نفسه أن زوجته الحبيبة فضلت دراستها وطموحها على رعايته والاهتمام به، فمشاعر الحب والمودة والرعاية لن يستطيع الحصول عليها إلا منكِ أنت زوجته وشريكته في حياته وحبيبته.

وهنا أخيتي عليك إعادة التفكير في مفهوم الطموح، فـأنتي لن تضحي بدراستكِ خارج البلاد لأجل زوجكِ وأطفالكِ، فهي ليست تضحية لأن ذلك واجب عليك، والطموح رغم أنه شيء رائع ينير حياة الإنسان لكن يجب أن يكون في حدود ما شرعه الله وفي حدود ما تسمح به الإمكانيات و الظروف وبالتالي اقترح عليك أن تبحثي عن جامعة في بلادكِ تستكملين فيها دراستكِ للحصول على درجة الماجستير، وتفكري لاحقاً بعد أن يكبر الأبناء أن تسافري مع زوجكِ للدولة التي تريدينها لحصول على درجة الدكتوراه، لكن كما قلت لكِ برفقة زوجكِ.

وأخيراً أخيتي تيقني أنك لن تستطيعين الإقامة في بلد لا تعرفين فيها أحد بمفردكِ، بعيداً عن زوجكِ وأهلكِ ... لذلك احسمي أمرك وانهي التفكير في هذا الموضوع، وقدمي في أحدى الجامعات ببلادكِ، أو في الجامعات التي تسمح بالدراسة عن بعد عبر الإنترنت إن كان هذا متاحاً لكِ...
وفقك الله و سددك