خطوات عملية للحد من التمدد الإيراني في المنطقة!
2 جمادى الثانية 1430
حامد العمري
من أبرز ما يميز الطائفة الشيعية عن غيرها , هو ما استحدثته من طقوس اللطميات و البكائيات , و هي تكتفي بذلك عن كثير من العبادات , في حين  نجد أن أهل السنة يرفضون هذا النوع من البدع, و يميلون أكثر في عباداتهم إلى الناحية العملية , فنجدهم في يوم عاشورا مثلاً يصومون و لا ينوحون .
غير أن الوضع عن الصعيد السياسي يكاد يكون مختلف اختلافاً جذرياً , ذلك أن الناظر إلى الوضع السياسي للدولة الفارسية الشيعية ( إيران) , و إلى الدول السنية ( العربية ) , يخُيَّل إليه في الوهلة الأولى انه أمام دولة فارسية سنية و دول عربية شيعية!!
ذلك انه في الوقت الذي تعمل فيه إيران  بجدية و عزم و جلد في سبيل  الأخذ بأسباب استعادة أمجادها الفارسية التي قضى عليها العرب ( كما يتصورون ) , نجد أن العرب يكتفون باللطميات و البكائيات المحزنة المطربة! على جزر تم احتلالها و دول تم اختراقها و مذهب تم ترويجه , و ذلك عبر حسينيات القمم العربية و عزاءات  المؤتمرات الخليجية!!
إن أغلب العرب اليوم باتوا يُجمعون ( بعد تغابٍ وتعامٍ طويلين ) على خطورة المد الإيراني داخل المنطقة العربية , بل أنهم أصبحوا أكثر شجاعة و قدرة على التصريح بذلك , و لكن , هل يكفي ذلك الآن ؟ وهل ذلك كل ما نحتاجه اليوم ؟  , هل يكفي أن نعلن الآن أن الخطر الإيراني يساوي الخطر الإسرائيلي؟ 
 اعتقد انه و في الوقت الذي باتت فيه إيران على مرمى حجر من عيدها النيروزي الأكبر (  إعلان دخولها النادي النووي ) , و في الوقت الذي أصبحت فيه التنظيمات الموالية لإيران تمارس التخريب في البلدان العربية دون خوف أو حياء, ابتداء بما يمارسه حزب الله , مرورا بالحوثيين و انتهاء بمثيري الشغب في دول الخليج ( و الذين كان من آخر أنشطتهم أحداث البقيع الأخيرة ) , وفي الوقت الذي تحاصرنا القواعد و البوارج الإيرانية من عدة اتجاهات (1) , و في الوقت الذي يعج الفضاء العربي بقنوات لنشر المذهب الإيراني و الأخلاق الفارسية , في الوقت الذي يحدث فيه كل ذلك , يبقى الحديث عن خطر المشروع الإيراني على أهميته  مضيعة للوقت!
إن التحدي الحالي لا يكمن في تكرار تلك المعزوفة المشروخة , بل في اتخاذ خطوات أكثر عملية على المدى القصير و البعيد .
و من تلك الخطوات التي أعتقد أنه من المهم القيام بها:
1. التعجيل بإنشاء مفاعل نووي عربي أو على الأقل خليجي, و ليكن سلمياً ( على الطريقة الإيرانية ) !
2. الدفع باتجاه إحداث شرخ في العلاقة بين المشروعين الأمريكي و الإيراني , و اللذين أثبتا أنهما و إن اختلفا على بعض المصالح , إلا أنهما يتفقان في أهمية توحيد الجهد نحو العدو المشترك ( الإسلام السني ) , و يمكن أن يكون ذلك عبر لعبة المصالح , و مع أن هناك من يرى أن الوقت قد ضاق عن إمكانية فعل ذلك , بسبب حدوث ( زواج متعة  كاثالوكي !!) بين إيران و أمريكا , جعل من علاقتهما أهم عند أمريكا من علاقاتها مع العرب , بسبب أن إيران بات بيدها الكثير من الملفات الهامة (2) , إلا أن النجاح في فك الارتباط بين هذين المشروعين يبقى من شانه أن يقلص من قدرة إيران على التمدد الذي لم يكن له أن يكون لولا الإذن الأمريكي الواضح , فأمريكا التي تسعى لإحداث نوع من التوازن بين القوى السنية و الشيعية في المنطقة , هي من سلمت مفاتيح العراق لإيران , و هي أيضاً من تستمع لتلميحات إيران بإمكانية ضمها لدولة عربية خليجية دون إنكار! (3)
3. السعي إلى اختراق المجتمع الإيراني ثقافياً , و السعي إلى تنوير و تحرير العقل الإيراني الرازح تحت سلطة سياسية  توسعية , و سلطة دينية طائفية عنصرية , تغذي فيه عقيدة بغض العرب و تصورهم كأعدى الأعداء , و لا يمكن بأي حال أن يكون ذلك عبر ما يوجد اليوم من محاولات رديئة لبعض شركات الإعلام( العربية التمويل الغربية المنهج ) , والتي وجهت بعض قنواتها و مواقعها الالكترونية للمشاهد و القارئ الفارسي , فهذه المحاولات (التجارية ) و على فرض قدرتها على إحداث اختراق ما , فإن ما تقوم به سيكون في النهاية  لمصلحة المشروع الغربي , حيث أن جهدها ينصب على ترجمة الثقافة الغربية إلى اللغة الفارسية!
    لذلك فالمطلوب اكبر من ذلك , و أعني أنه لابد من و جود منظومة إعلامية متكاملة ذات خطط إستراتيجية , كما يجب دعم المحاولات الإعلامية القائمة و التي يقوم عليها بعض أبناء إيران نفسها , و الذين يجاهدون بصدق لتحرير العقلية الإيرانية من ربقة السلطتين الآنفتين , و هي محاولات ذات اثر مشجع بالرغم من ضعفها (4)
و يمكن الاستفادة من التجربة الإيرانية نفسها ,حيث بات جلياً أن الإيرانيين قد استطاعوا و عبر جهودهم الإعلامية اختراق الكثير من المجتمعات العربية , فهنالك القنوات الإيرانية الرسمية الموجهة للمشاهد العربي كقناة العالم , ناهيك عن القنوات الطائفية الممولة إيرانيا ,بل كشف باحث مصري متخصص في شؤون التبشير، أن ما يقارب الأربعين من القنوات التبشيرية الشيعية تبثعبر القمرين الصناعيين نايل سات و عرب سات ، وأن جلها موجه للأطفال في صورة مواد ترفيهية أو حواريةأو تعليمية أو دينية وتراثية, و أن تلك القنوات تصاغ مادتها الإعلامية وفق العقيدة الشيعية وموجهة لخلخلة عقيدةأهل السنة والجماعة بل والسعي لتشييع أكبر قدر ممكن منهم (5)
 و قد أصبحت هذه القنوات تتابع و ترصد أغلب الأحداث الداخلية للبلدان العربية , و لعلنا نذكر التغطية الإعلامية لأحداث الشغب التي أحدتها بعض الموالين للنظام الإيراني في البقيع , حيث عمدت هذه القنوات إلى محاولة خلق رأى عام يصور السعوديين كأعداء للزوار و المعتمرين , و كلنا نذكر العبارات الطائفية و التهييجية التي كانت تعج بها النشرات و الأشرطة الإخبارية لتلك القنوات و من قبيل ( الوهابية النواصب , التكفيريون , ميليشيا الهيئة , الخ ) , بل أن قناة press tv  الإيرانية و الناطقة باللغة الانجليزية ذهبت إلى أبعد من ذلك , حيث زعمت أن السلطات السعودية قد أقدمت على قتل بعض الزوار , كما تحدثت عن اضطهاد كبير للأقلية الشيعية في البلاد .
ومن وسائل الاختراق الثقافي المطلوب , دعم الرموز الثقافية الإيرانية المعتدلة و المناوئة للمشروع الصفوي الجديد , و هذا الأسلوب نستفيده أيضاً من التجربة الإيرانية في اختراقنا, حيث أن الإيرانيين استطاعوا , و عبر بريق التومان (العملة الإيرانية ) أن يعموا أبصار شريحة من المفكرين القوميين و الإسلاميين الكبار عن الخطر الإيراني , بل جعلوهم يرون في ذلك  مصدر قوة للأمة , فكان أن شنوا حملة لتوهين جهد أحد علماء الأمة الذي انتقد بقوة حملة التشييع القائمة .   
و الخلاصة في هذا الباب , أنه ينبغي توجيه الجهود نحو توسيع مفهوم المواجهة , فليست المسالة حسماً عسكرياً , بل مشروع ضخم يهدف إلى إعادة الوعي إلى العقل الإيراني و يعود به إلى فترة ما قبل العهد الصفوي , حيث كانت أكثرية أهل تلك البلاد على العقيدة الصحيحة , و على الاحترام المتبادل مع جيرانهم و اخوانهم العرب , و أظن أن هذا الهدف و إن بدا صعباً , إلا انه يبقى أقرب نظرياُ إلى التحقيق من الهدف الإيراني الرامي إلى تشييع العرب  , حيث أننا إزاء 23 دولة سنية في مواجهة دولة شيعية!
4. السعي إلى احتواء الأقليات الشيعية الموجودة في الدول السنية , و ذلك بإعطائها كافة حقوقها الوطنية, و تذكيرها بانتمائها وواجبها الوطني و القومي ,  و لكن و في الوقت نفسه ينبغي عدم التساهل مع أية محاولة لزعزعة الوحدة الوطنية لتلك الدول أو العبث بأمنها , فاللين في غير موضعه هو في الحقيقة ضعف بيِّن.
و أخيرا , فهذه رؤية متواضعة , مبعثها الغيرة على أمننا الوطني و القومي و قبل ذلك الديني , و تبقى الإرادة السياسية هي العامل الأكبر المناط به تحقيق تلك الخطوات.
 
 
****************************
1)  أشارت بعض التقارير إلى أن إيران تمكنت من بناء قاعدة عسكرية بحرية بالقرب من ميناء عصب الإريتري , كذلك فقد أفاد موقع التلفزيون الرسمي الإيراني بتاريخ 14مايو الجاري أن إيران سترسل بارجتين حربيتين إلى خليج عدن لحماية بحريتها التجارية وسفنها النفطية من القراصنة الصوماليين.
3) كنت قد كتبت مقالا عن حقيقة العلاقات الأمريكية الإيرانية , و ذلك قبل التوجه الأخير لإدارة اوباما تجاه إيران , و قد جاء ذلك التوجه الجديد ليؤكد صحة ما كتبت , انظر مقال: (في ذكرى الثورة الخمينية , تأملات في حقيقة العلاقات الإيرانية الأمريكية! )