اقتسام الأموال مع الله
3 جمادى الثانية 1430
الهيثم زعفان
                                                  [email protected]
 كلما تأملت قصة الملياردير أوناسيس أسطورة المال في القرن العشرين وما حدث لثروته وأبنائه حزنت كثيراً على أموال أثرياء المسلمين بارك الله في طيبات أموالهم وذرياتهم، فأوناسيس هذا كان لديه ولد وبنت، مات ابنه الوحيد في حادث طائرة عندما كان أوناسيس الأب يقضي شهر العسل مع جاكلين كندي، وابنته ماتت منتحرة في الحمام بعد عدد من الزيجات الفاشلة لتؤول الثروة الضخمة بأكملها إلى حفيدته، والتي تبرعت بمعظمها إلى الجمعيات الخيرية لتؤول في النهاية إلى رعاية الفقراء والمساكين.
 
ترى ماذا كان أوناسيس فاعلاً إذا عرف مسبقاً مصير ثروته وعائلته؟.
فالثروة المكتنزة اقتسمت رغماً عنه مع الفقراء والمعوذين وهو مقبور ولم يعد ذلك عليه بخير بعد مماته بحكم موته على غير ملة الإسلام، فهل هناك الآن من المسلمين من يقتسم ثروته مع الله طواعية في حياته من أجل إنفاقها في أعمال البر والإحسان لينتفع بخير الاقتسام بعد الممات؟.
 
وإذا كان جل اهتمام الأثرياء في الحياة هو تنمية أموالهم عبر التجارة فهل لهم أن يربحوا في تجارة مضمونة غير بائرة مع الله؟ قال تعالى في سورة فاطر " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ".
 
 إنها تجارة لا تعرف إلا المكسب فقط إذا صدقت النوايا وصاحبها الإخلاص.
والله سبحانه وتعالى والذي رزقنا ويدعونا للتجارة معه قد من على المسلمين بثروات ضخمة وهم فيها قيد الاختبار والبلاء وعددهم بفضل الله كبير، فقد كشفت مجلة فوربس عن قائمة "أغنى أثرياء العرب لعام 2009"، فعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية والتي تسببت في خروج 332 من أصحاب المليارات على مستوى العالم من التصنيف العالمي للمليارديرات لينزلوا إلى تصنيف المليونيرات، إلا أن عدد أثرياء العرب قد بلغ 34 مليارديراً، كما قدرت تقارير اقتصادية أن عدد المليونيرات في المنطقة العربية بلغ  395 ألف مليونير كثير منهم يقترب من دائرة المليار دولار.
 
لن نتحدث عن أرقام ثروات هؤلاء الأثرياء فالخفي منها أكثر من المعلن، لكن يكفي فقط الإشارة إلى أن حجم الأموال العربية المغتربة في بنوك وشركات الدول الغربية تجاوز قبل ما عرف بالأزمة المالية العالمية أكثر من أربعة آلاف مليار دولار، مبالغ طالما طالبنا عبر المنابر الإعلامية على مدار عشر سنوات بعودتها إلى العالم العربي والإسلامي، إلا أنها منيت بخسائر فادحة قدرتها الهيئات الدولية وخبراء الاقتصاد بأكثر من 40% من قيمتها، وكأن الأموال تم اقتسامها مع الشيطان رغم أن الفرصة كانت سانحة لاقتسامها مع الله.
 
 كما قدرت جامعة الدول العربية خسائر البلدان العربية جراء تلك الأزمة المالية بـ 2400 مليار دولار، ترى ماذا كان سيحدث لو تم اقتسام هذا المبلغ مع الله قبل خسارته في هذا البلاء المفاجئ؟.
 
أعلم أن هناك فريضة واجبة على المسلمين والمتمثلة في الزكاوات بشتى أنواعها، والتي إن آتاها المسلمون بحقها ما وجدنا بين المسلمين فقيراً لا يجد قوت يومه يحيا حياته ساعياً حول الضروريات وغيره مفرط ومسرف في التحسينات من فئة السبعة نجوم، أو مريضاً لا يجد كلفة العلاج والآخر يجري عمليات التجميل وترهلات الشيخوخة في أفضل المستشفيات العالمية ويتنقل بالطائرات الخاصة المجهزة طبياً، أو عازباً لا يجد تكاليف الزواج ليحصن نفسه من الزنا وليرى ابنه بعد أن بلغ الأربعين سنه ولا يجد ما يحصن به نفسه في حين أن هناك آخر ينفق على يوم عرسه فقط في زيجته الرابعة أكثر من عشرة ملايين من الدولارات إن سلمنا بحسن الأخلاق وعدم الانحراف، وبالتالي فإن الزكاة وحدها كفيلة بوضع البلدان المسلمة في مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً وعلمياً وتقنياً، وعلى اعتبار أن الزكاة من المسلمات التي ينبغي أن يأتي بها المسلم كاحتياجه للماء والهواء، فإن حديثنا اليوم هو حديث عن نوع متفرد من الإنفاق قل أن يجود الزمان بمثله، وندر أن نراه بين أثرياء المسلمين الآن.
 
فمن الأشياء التي تثلج الصدور في فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكاد تختفي من واقعنا المعاصر، هو ما عرف "بقسمة الأموال مع الله"، فتجد الصحابي كل فترة، يقسم ماله مع الله، فهذا يقسم مرة، وذاك مرتين، وآخر ثلاثة وهكذا، فنجد أبو بكر الصديق رضي الله عنه يضع ماله كله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونجد عثمان بن عفان رضي الله عنه إمام من أئمة المسلمين في الإنفاق والبذل يشتري بئر روميه بخمسة وثلاثين ألف درهم ويوسع المسجد النبوي بشرائه للبقعة التي بجواره بخمسة وعشرين ألف درهم، ويقوم رضي الله عنه بتجهيز جيش العسرة حتى لم يتركه بحاجة إلى خطام أو عقال، وفي عام قحط المطر يقول للتجار يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ وكانت قافلة كبيرة جداً وعامرة والسوق متعطش والاحتياج كبير فقالوا للعشرة اثنا عشر، قال عثمان رضي الله عنه قد زادوني قال التجار يا أبا عمر ما بقي بالمدينة تجار غيرنا فمن زادك؟ قال: زادني الله – تبارك وتعالى- بكل درهم عشرة أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين، وكثير من صور البذل واقتسام الأموال مع الله عند سيدنا عثمان رضي الله عنه، ونجد كذلك اقتسام الأموال مع الله عند عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، كما نجد أيضاً الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو ممن أنعم الله عليهم بتلك النعمة، فعن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: قال ابن عباس متحدثاً عن الحسن بن علي: ولقـد قاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى إنه يعطي الخف ويمسك النعل. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه خطب الناس ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس، ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس. وقد بعث إليه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بمائة ألف، فقسمها الحسن رضي الله عنه بين جلسائه، فأصاب كل واحد منهم عشرة آلاف.
 
كما نجد زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم قد قاسم الله تعالى ماله مرتين، ليسير بذلك على درب الصحابة الأبرار الذين قاسموا مالهم مع الله، والأمثلة على ذلك كثيرة وممتعة.
 
فالتوفيق للإنفاق في سبيل الله رزق من الله يمن به على من يشاء من عباده، والتربية على البذل والإنفاق لا تأتي إلا بالممارسة العملية الإنفاقية للمربين في كافة الميادين، وهو نوع من التربية بحاجة إلى التفعيل داخل المجتمع الإسلامي، ليعود لدينا هذا الجيل المنفق الباذل الذي لا يخشي بنفقته الفقر بل يتاجر مع الله بإنفاقه في سبيل الله، رجاء لرحمته سبحانه، وطمعاً في جنته جل وعلا.
إن قسمة المال مع الله خصلة فريدة ندر أن نجدها الآن في زماننا، إن لم تكن طمست من قاموس العمل الخيري الإسلامي، نسأل الله إحياء تلك الخصلة في نفوس المسلمين. لكن المرء يعجب كثيراً عندما يجد سلوك الإنفاق السخي الذي يصل لدرجة اقتسام المال مع الفقراء موجود عند غير المسلمين فحين قراءة ما فعله الملياردير الأمريكي "وارن بافيت" ومقارنته بالسلوك الإنفاقي لمليارديرات المسلمين نجد البون شاسعاً والألم عميق، فهذا الملياردير الذي لا يزال يقطن نفس المنزل الذي اشتراه عندما تزوج منذ خمسين عاماً، ويقود سيارته بنفسه ولا يمتلك هاتفاً محمولاً، ولا تراه محاطاً بحراس شخصيين، قرر فجأة التبرع بـ(31) مليار دولار من ثروته للأعمال الخيرية وهو ما يقارب نصف ثروته في أضخم عملية تبرع لأعمال خيرية يشهدها التاريخ البشري، وليس هذا فقط، بل إنه تبرع بالمبلغ لمؤسسة (بيل وميليندا جيتس) الخيرية، ولم يلجأ لإنشاء منظمة خيرية خاصة تخلد اسمه، كما يفعل أقرانه من أمثال جيتس وروكفلر وفورد.
 
والملفت أنه على الرغم من اقتسام هذا الثري لثروته مع الفقراء إلا أن ثروته في ازدياد شديد.
فهل يغار أحد أثرياء المسلمين من هذا الثري الأمريكي الذي اقتسم ماله مع الفقراء ويقوم الثري المسلم باقتسام ماله مع الله ليحيي بذلك سيرة السلف الصالح ويكسب في الدارين ويدخل السرور علي المسلمين ويعلي من شأن الأمة، بل وستكون ثروته في ازدياد بإذن الله؟.
سؤال أسأل الله أن يرزق أثرياء المسلمين الإجابة عليه عملياً، ويقتسموا أموالهم مع الله.