مواجهة تأثير الإعلام العربي على الأسرة والمجتمع2\2
7 جمادى الثانية 1430
د. محمد البشر

(( 2\2 ))

رابعاً : المحور المجتمعي

   لابد لمؤسسات المجتمع المعنية بالتربية والتوجيه أن تتظافر جهودها وتتكامل مع المؤسسات السياسية والشرعية والقانونية في حماية الأسرة والناشئة من مضامين الإعلام غير الهادف . ومن المؤسسات المعنية بذلك : الأسرة ، ومؤسسات التعليم .

الأسرة : تُجمع كثير من الدراسات العربية والأجنبية ، النظرية والتطبيقية ، على أن الأسرة هي أحد مصادر التنشئة الاجتماعية وأهمها . ويتفق كثير من علماء الاجتماع والإعلام على أن الوالدين هما خط الدفاع الأول أمام موجات التغيير الاجتماعي الذي تقوده في هذا العصر وسائل الإعلام المختلفة .

   وبتأمل واقع التعامل الأٍسري مع مخاطر الإعلام المحلي أو الوافد يلحظ المتابع لهذا الواقع قصور الدور الأُسري في هذه المواجهة . فكلنا يرى الركض اللاهث للوالدين للتكسب وتحصيل المعايش على حساب تربية الناشئة وتحصينهم من موجات الإعلام غير الهادف . وكثير من الأسر قد جلبت التقنية الإعلامية في البيوت وتركتها مشرعة الأبواب والنوافذ دون رقابة من الوالدين على ما ينبغي أن يشاهده أولا يشاهده أفراد الأسرة من البرامج الإعلامية . إن الكثير من الآباء والأمهات يتذمرون من البرامج السيئة وغير الأخلاقية وهم من يتحمل مسؤولية تعرض أبناءهم لهذه البرامج وتأثرهم بها دون أن يكون لهم دور في المراقبة أو التوجيه . فالإعلام لم يدخل بيوتهم عنوة ، ولم يقتحم غرف بيوتهم قسرا. فالوالدان هم من يتحمل المسؤولية الأولى فيما يطرأ على ثقافة الأبناء وأخلاقهم من تغير غير محمود في الوعي أو المعرفة أو السلوك ، أو اختلال في الفطرة النقية .

   ومن أجل مواجهة هذا الواقع فإن على الوالدين أن يستشعرا المسؤولية الشرعية تجاه الأبناء ، وأن يعيا حقيقة التوجيهات النبوية في التأكيد على أنهما مسؤولان أمام الله عن رعيتهما ، وأن هذه الرعية أمانة ومسؤولية سيسألان عنها يوم القيامة ، والتأكيد المستمر على توجيهات الشارع الحكيم في ذلك كفيلة بتأدية الأمانة وتحصين الناشئة من مخاطر المضامين الإعلامية غير الهادفة.

المؤسسات التعليمية : المؤسسة التعليمية – على مستوى التعليم العام - هي المصدر الثاني من مصادر التنشئة الاجتماعية بحسب تصنيف خبراء الاجتماع.[1] ولا بد لهذه المؤسسة أن تضطلع بمهمتها التربوية في تلمس مشكلات المجتمع الفكرية والأخلاقية ، وأن لا يقتصر دورها على الوظيفة التعليمية فحسب.

   كثير من برامج التعليم في الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في التنمية الحضارية تنظم مناشط تربوية وتوجيهية ، تكون مهمتها توعية الناشئة بالمؤثرات التي تهدد بيئتهم التربوية، ومن ذلك العمل على زيادة وعيهم بتأثير وسائل الإعلام على مواقفهم واتجاهاتهم وسلوكهم ، وعلاقة ذلك بالتعرض لبرامج معينة في وسائل الإعلام، أو لقنوات إعلامية محددة.[2]

   والمجتمع في هذه المرحلة الراهنة التي تمثل وسائل الإعلام فيها عاملاً حاسماً في صياغة الوعي والتأثير على السلوك بحاجة إلى مؤسساته التعليمية لتقوم بهذه الوظيفة عبر مناشطها التعليمية والتربوية المختلفة . 

أما التعليم الجامعي فإن من مسؤوليته أن يقدم إلى مؤسسات التعليم العام ، وإلى المسؤولين عن التعليم والأمن الدراسات التطبيقية والبحوث المسحية الميدانية للتعرف على تأثير مضامين الإعلام غير الهادف على ثقافة الناشئة ، وسلوكهم وأخلاقهم . هذه إحدى وظائف التعليم الجامعي ، ومن أجل هذه الوظيفة تأسست مراكز خدمة المجتمع ، وعمادات البحث العلمي ، وكراسي البحث في الجامعات ، ورصدت لهذه الجهات العلمية ميزانيات خُصصت لإجراء البحوث التطبيقية التي تعالج مشكلات المجتمع . ولا شك أن تأثير وسائل الإعلام على أخلاق الناشئة وسلوكهم يتصدر هذه المشكلات الاجتماعية التي أسهمت تقنية وسائل الإعلام الحديثة في ظهورها بشكل يدعو المؤسسات التعليمية أن تتصدى لها ، وتضع البرامج التربوية والاستراتيجيات العلمية لمواجهتها.

 
الخاتمة :
 

   لا ريب أن وسائل الإعلام الجماهيرية باتت اليوم عاملاً مؤثراً في تشكيل الوعي ، وتوجيه القيم ، والتأثير على الأخلاق والسلوك . ووسائل الإعلام العربية التجارية هي من يقوم بهذه الوظيفة بعيداً عن عين المراقبة أو المحاسبة . وبنزوع هذه الوسائل إلى المنحى الربحي في مضامينها وبرامجها أصبحت تمثل هاجساً للمسؤولين عن الأمن والأخلاق على حدٍّ سواء . وقضية مواجهتها ومحاولة الحد من تأثيرها على الأسرة والمجتمع أكبر من أن تُحصر في نداءات موسمية ، أو دعوات ، دينية أو أخلاقية ، مؤقتة . وهي أكبر من أن تطرق طرقاً عارضاً ثم تخبو بعدها الأصوات أو النداءات .

 

   ومن لازم إدراك أهميتها وتأثيرها الجهر دوماً بالحديث عنها ، واستمرار محاولات معالجتها ، بحسبانها قضية دينية ، وأمنية ، وتربوية وأخلاقية سيكون لها الأثر البالغ في حياة الأسرة والمجتمع غداً ومستقبلاً .

 

 هذا البحث هو محاولة لإعداد تصور عملي لمواجهة تأثير وسائل الإعلام العربية على قيم المجتمع السعودي وأخلاقه ، بوصفه مجتمعاً يستهدفه موضوع البحث لاعتبارات ذُكرت في مقدمته ، مع التركيز على القنوات الفضائية باعتبارها الوسيلة الإعلامية الأكثر تعرضاً لها من الجمهور على اختلاف مستوياته الإجتماعية وفئاته العُمرية وتفاوت دخله الإقتصادي التي تشكل البناء الإجتماعي للأسرة المسلمة .

 

ولا شك أن المحاور الأربعة التي تأسس عليها التصور العملي المقترح لمواجهة تأثيرات الوسيلة الإعلامية على الأسرة والمجتمع تحتاج الى رؤية ناقدة من أهل الرأي والاختصاص لمراجعتها وتطويرها حتى تكون أكثر فاعلية في البناء النظري والقانوني ، وأكثر قابلية للتطبيق العملي لتحقق هذه الندوات أهدافها التي عُقدت من أجلها .
والحمد لله في البدء والمنتهى ، وصلى الله على النبي المصطفى و على آله وصحبه وسلم .
 
 


[1]Hiebert, Ray Eldon , Ungurait, Donald F, & Bohn , Thomas W. (1985) . Mass Media : An Introduction to Modern Communication . Longman,      New York , PP. 245-252
[2] عبدالله بن علي الفردي ، العلاقة بين التعرض للبرامج الحوارية السياسية في القنوات الفضائية العربية والوعي السياسي لدى الشباب السعودي في الجامعات . رسالة دكتوراه ، قسم الإعلام ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، 1429هـ ، ص ص 28 -44.