من يرسم السياسة الإعلامية للمملكة؟
16 جمادى الثانية 1430
منذر الأسعد

الإعلام السعودي ومأزق الهوية!!

ظهر في بعض المنابر الإعلامية السعودية غير الرسمية خبران، ليس بينهما صلة مباشرة، يتحدث أولهما عن اعتزام وزارة الإعلام خصخصة قنواتها التلفزيونية الأربع: على أن توكل مهمة القنوات العامة والإخبارية إلى مجموعة mbc، وأن تتولى شبكة art مسألة القناة الرياضية. أما النبأ الآخر فيشير إلى قرار غير معلن يلزم مذيعات التلفزة السعودية الحكومية بارتداء العباءة وستر الشَّعْر... وكان موقع (سبق) قد نشر الخبر، ونَسَبَ إلى بعض المصادر أن القناة السعودية الثانية تلقت هذا القرار وبدأت بإلزام جميع مذيعاتها بارتداء العباءة في جميع برامجها.

 

وأشار الموقع إلى أن القنوات (الأولى والثانية والرياضية والإخبارية)، بدأت في تقليل أعداد المذيعات وظهورهن في جميع قنواتها إضافة إلى إسناد عدد قليل من البرامج لهن على عكس ما كان عليه الوضع حتى وقت قريب، في حين فسّرت مصادر أخرى انخفاض أعداد المذيعات في القنوات السعودية التابعة لوزارة الإعلام بتوجه كثير من هؤلاء المذيعات للعمل في قنوات فضائية أخرى.

 

وتواجه المذيعات السعوديات وغيرهن العاملات في القنوات السعودية انتقادات واسعة بشكل مستمر، خاصة مع بداية ظهور قناة الإخبارية والتي بدأت فيها المذيعات السعوديات بتقديم الأخبار وبعض البرامج الحوارية إضافة إلى برامج رياضية. كما اعترفت أصوات ليبرالية –وبعضها نسائية- بأن الإصرار على ظهور المذيعات لم يكن بدوافع مهنية بل لمجرد حضور المرأة شكلاً!!

 

ويتخوف أكثر المتابعين من تكليف قنوات غير مقبولة محلياً مهمة إعادة هيكلة القنوات الرسمية التي يفترض فيها التعبير عن الأكثرية الساحقة في المجتمع، بأن تتجاوز الجوانب الفنية والتقنية إلى عمق التوجهات الأساسية التي ترسم معالم المقبول والمرفوض.بل إن المراقب الموضوعي يندهش من القضية جملة وتفصيلاً، لأن المجموعتين المكلفتين لم تنجحا حتى بالمقاييس التجارية إلا باستثارة الغرائز والتركيز على نشر قيم التغريب وزعزعة المُثُل العليا للأمة الإسلامية، فما الذي يمكنها أن تقدمه من"نصح"لتلفزيون يعبّر عن البلد ذي الهوية الواضحة والمحسومة من شعار رايته:لا إله إلا الله محمد رسول الله، إلى نظام الحكم الأساسي والقوانين السائدة، ناهيكم عن القناعة الاجتماعية الإجماعية، وهي قناعة راسخة لدى الحاكمين والمحكومين في تكوين الدولة منذ ثلاثة قرون؟

 

والواقع أن الإعلام السعودي مرّ بمحطات مختلفة، فقد كان منسجماً مع نفسه ومع محيطه، عندما كان ملتزماً بعامة المنطلقات الإسلامية والضوابط الشرعية، فلم يكن الخروج عليها واسعاً أو متعمداً، ولذلك كان له تأثير تجاوز الحدود بقوة وعمق. لكن الإشكالات جاءت مع مساعي الأصوات العلمانية التي تسللت إلى بعض مفاصل الإعلام المؤثرة، وأخذت تفرض توجهاتها المنبوذة فاصطدمت مع المجتمع بقسوة وخشونة لأنها استفزته في أغلى ما يملك وهو هويته التي يعتز بها ويحرص عليه ويعدها مبرر وجوده بالمعنى الحضاري والسياسي.

 

فهذه الفئة تسعى باستمرار لإخراج الإعلام من جلده، وهي مساعٍ –بالإضافة إلى كونها هدامة شرعياً ومرفوضة اجتماعياً-تسيء إلى البلد وموقعه القيادي في العالمين العربي والإسلامي، ومن يتابع ردود أفعال المتلقين الناطقين بالعربية إزاء ما تبثه شبكات تلفزة يملكها سعوديون في الخارج يجد إجماعاً على الاستهجان والدهشة من أن يأتي هذا الشر المستطير من وسائل إعلامية سعودية-بحسب ملكيتها-.وقد كان لذلك آثار وخيمة على السياسة الخارجية للمملكة إذ أصبح الإعلام المكلف أن يفسرها ويقنع الناس بها أصبح عبئاً عليها، بل جاء حصاده بنتائج عكسية.

 

ونظرة عجلى على إعلام إيران أو قناة المنار-على سبيل المثال وليس للحصر-تكفي لإثارة أسف السعوديين وسخطهم من ضعف أثر إعلامهم بالرغم من كل عوامل القوة والنجاح التي يحوزها، في مقابل تفوق الباطل لأن أهله جعلوا إعلامهم منبراً لتمرير عقائدهم ورؤاهم بينما فشل الإعلام السعودي لأن التغريبيين أجهضوا مسيرته وأرادوا له أن يكون مناوئاً لبلده!!!

 

ولعل السؤال الأكثر إلحاحاً في هذا المقام: من الذي يرسم السياسة الإعلامية للمملكة؟ وهل يُعْقَل ترك قضية بهذه الحيوية لكل وزير أن يفعل فيها ما يراه، فإن كان محسناً كان الأداء حسناً، والعكس صحيح كذلك؟ ثم أليس من الواجب عدم السماح لأي شخص أو فئة بالمساس بثوابت الإعلام التي ينبغي لها أن تنبثق من ثوابت الأمة؟