الداعية الأردني نضال العبادي: أمتنا تعاني إشكالية في التربية وليس في التعليم!

كشف النائب الأردني السابق، والمحامي الشرعي، والداعية الإسلامي الأردني نضال العبادي، عن أن "الأمة الإسلامية تعاني إشكالية في التربية وليس في التعليم، فما أكثر المعلمين المنظرين!، وما أقل المربين المزكين، كثيرون هم العلماء منا، وأصحاب الشهادات الرفيعة البديعة، مضيفًا "لقد اختلطت بالعديد من علماء الشام- سوريا- فوجدت عندهم التربية قبل التعليم، وهذا ما نحتاجه في معظم دولنا، العالِـم المربي، لتقضي على مقولة قديمة صارت مثلا تقول: "ولد الشيخ يتيم".
وقال العبادي في حوار خاص للقسم التربوي بموقع "المسلم": "من خلال اختلاطي بالحركات الإسلامية وجدت أن دعاة الاتجاه العلمي السلفي أكثر تأثيرًا في أسرهم وأبنائهم من غيرهم من الحركات"؛ مستطردًا: "كما وجدت أقل الناس تأثيرا في أهليهم علماء السلاطين ودعاة حزب التحرير، ثم يأتي في الوسط الإخوان المسلمون حاليًا".
وأضاف العبادي: "في الحقيقة ليس عندي دراسات رقمية، ولكنها خبرات عملية كونتها على مدى ثلاثين عامًا تقريبًا، وقد أكون مخطئًا، وأقول على الرغم من انتشار التيار الإخواني أفقيا على مستوى العالم، إلا أن هناك تراجعا لصالح الاتجاه السلفي كما ونوعا من حيث القيادات والأتباع، ومن حيث سعة العلم والاطلاع، ومن حيث التأثير والإقناع".
وأشار العبادي إلى عدد من المؤشرات للتأكيد على ذلك منها "انتشار الفضائيات السلفية المرموقة، التي تتمتع بحضور جماهيري كبير، وهي تسحب البساط من تحت أرجل من يسمون بالدعاة الجدد، حيث يسمع ويشاهد المتابع علمًا غزيرًا، وأدبًا جمًا، والتزامًا أكثر، وتأسيًا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأضرب مثالا على ذلك بالشيخ محمد حسان والدكتور حازم شومان، على سبيل المثال لا الحصر، في الوقت الذي لا تتوافر فيه لأكبر حركة إسلامية فضائية مركزية واحدة".
وأتذكر أنني تفاجأت كثيرًا وأنا أشاهد إحدى زوجات أحد علماء الدعوة وهي بمجمع عام قد ظهرت بحلتها وزينتها ومكياجها بشكل لافت في حجاب يحتاج لحجاب وللأسف أقول: إن لدينا ملحوظات كثيرة على حجاب بعض الأخوات وعلى عبثهن بما نهين عنه بشكل واضح صريح كالنمص مثلا، وهذا من المؤشرات، ومن المؤشرات التساهل في موضوع الموسيقى والغناء، ورنات الهواتف ونغماتها تدل على ذلك، وانتشار ما يسمى بالنشيد الإسلامي، مع الأسف وهو ليس إسلاميا غالبا إلا في كلماته.
مزيد من التفاصيل في نص الحوار الساخن:
* هل انشغال الدعاة بالدعوة له تأثير سلبي على بيوتهم وأهليهم؟ وما نوع هذا التأثير؟ وما مداه؟
** إن انشغال الدعاة بالدعوة قطعًا له تأثير، وتأثير كبير على بيوتهم وأهليهم، هذا إذا صاحب انشغالهم بالدعوة انشغالهم عن بيوتهم وذويهم، وكلما زاد الانشغال وزادت الشهرة زاد التأثير، وكلما استغرق الانشغال معظم الوقت وكان خاليًا من التخطيط السليم، وكان الداعية غير ملم بعلم "إدارة الوقت"، ولا متمكن من "فقه الأولويات" وترتيبها، "فالأقربون أولى بالمعروف"، ولا بنظرية الحقوق والواجبات الفقهية، "إن لأهلك عليك حقًا... فأعط كل ذي حق حقه"، كان التأثير أكثر سلبية.
 
* وماذا يجب على الداعية ليقلل من هذا التأثير السلبي؟
** يحسن بالداعية أن يتقن تلك الفنون التي أشرنا إليها في الإجابة عن السؤال السابق، وعند ذلك لا يكون تأثير انشغاله سلبيًا في الأعم الأغلب، خاصة إذا أحسن الداعية "رجلا كان أو امرأة"، اختيار زوجه أو زوجته، وأحسن في إشراكهم معه في أنشطته، ووزع عليهم بعض المهام، وأعانهم على اختيار الرفقة الصالحة، والمسجد النشيط، والمدرسة المناسبة، والمسكن المناسب؛ من حيث الجيرة، والقرب من قاعدته الدعوية، مع اعتقادي بأن تأثير الأم في التربية أكبر، لأنها أكثر التصاقًا بالبيت والأولاد.
وقد قيل في المثل الشامي "الأب جنى والأم بنى"، أي هو يجني الأموال وهي تربي العيال، خاصة إذا تعاونا وأتقنا تربية المولود الأول؛ لأن الولد الأول إن أحسنت تربيته أراح والديه كثيرًا في تربية باقي الأبناء، "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، وفي هذا الحديث صرح النبي عليه الصلاة والسلام بذكر الزوجين الرجل والمرأة.
 
* وما هي في تقديرك أهم العناصر التي يجب أن يحرص عليها الدعاة في تربية أبنائهم تربية سليمة؟
** لا يفوتني أن أُذَكِرَ بعنصرين هامين؛ الأول: هو التربية بالقدوة، والثاني: هو ما اهتمت به الأجيال المتعاقبة؛ من العلماء والمصلحين والأمراء؛ حيث كانوا رغم علمهم وصلاحهم يختارون لأولادهم معلمين مربين، متخصصين ومتفرغين، يعينوهم في تلك المهمة، تحفيظًا وتعليمًا وتأديبًا وتهذيبًا، وقد تطورت تلك الفكرة إلى الكتاتيب والحِلَق، فكما قيل في المثل "زامر الحي لا يطرب"، وحاليًا أعرف بعض العلماء في الأردن ممن سلكوا مع أبنائهم هذا الطريق، فكان الأبناء من خيرة الخيرة، حفظًا تامًا لكتاب الله، وتأدبًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهذبًا وتأدبًا؛ يضرب بهم المثل الطيب.
وأعتقد أن المدى يزداد صعوبة إذا شغل الوالدان معًا، يلي ذلك إذا كانت الأم مقصرة، ويلي ذلك أن يكون الأب هو المقصر، ولذلك أقول للزوج الداعية، رجلا كان أو امرأة: لا بد قبل الزواج من وضع الطرف الآخر بصورة وضعك الدعوي، هذا إذا كان الطرف الآخر ليس من ذوي الفكر نفسه، وأحذر من الزواج ممن يعادي الدعوة ويعارضها، لأن الأمر سيزداد صعوبة وخطرا على الأبناء ومثل هذا الزواج لن يستمر.
 
* وهل يمكن للدعاة أن يحققوا التوازن بين بيوتهم ودعوتهم؟ كيف يمكن أن يصلوا إلى هذا التوازن؟
** على الداعية أن يأخذ بالأسباب التي ذكرت بعضها فيما سبق، ويحرص على تربية أبنائه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، حرصًا زائدًا يفوق حرصه على نجاح دعوته مع غيرهم، فحقهم عليه أكبر من حقوق الآخرين، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهلوكم نارا وقودها الناس والحجارة"، وقال أيضًا: "وأنذر عشيرتك الأقربين".
وعليه أن يكون متوازنًا كأسوته صلى الله عليه وسلم، الذي كان يوازن بين الدعوة والزوجة، وبين الدعوة والأبناء، وبين الدعوة وحقوق النفس، لكن أحيانًا- ورغم الأخذ بالأسباب- قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ فيحصل ما لا تحمد عقباه، مما لم يكن بالحسبان، فلا يخرج الأبناء دعاة كآبائهم، وهذا من القضاء والقدر، وهو غالبًا بلاء، وليس عقوبة للآباء الذين لم يقصروا، وهو يحتاج إلى الصبر والمصابرة، مع الدعاء حتى يردهم الله إلى حماه ورياضه، والقرآن الكريم مليء بالأمثلة على هذا.
 
* هل لك أن تذكرنا ببعض الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم؟
** لقد ضرب الله لنا في كتابه العزيز أمثلة سلبية للزوجات؛ كزوجة نوح ولوط عليهما السلام؛ حيث خانتاهما، خيانة عقائدية لا زوجية، وكابن نوح عليه السلام، هذا في مجال الكفر، كما ضرب لنا أمثلة في مجال المعصية دون الكفر؛ تمثلت في كيد إخوة يوسف ليوسف عليه السلام، رغم أنهم أبناء أنبياء (نبي بن نبي بن نبي)، "يعقوب بن إسحق بن إبراهيم"، وضرب لنا مثالا أيضا بأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
كما ضرب لنا القرآن أمثلة إيجابي،ة رغم البيئة السلبية التي كانوا يعيشون بها، كامرأة فرعون، وضرب لنا أمثلة إيجابية في بيئة إيجابية كآل عمران حتى عيسى عليه السلام، ومن ذلك "نوح ومعظم أولاده"، و"إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف"، و"داود وسليمان"، و"زكريا ويحيى"، و"مريم وعيسى"، عليهم الصلاة والسلام، وختام ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يبله ربه بشطط زوجة ولا ولد ولا حفيد؛ فكلهم صلحاء رضي الله عنهم وأرضاهم.
 
* ولكن.. ما علاقة انشغال الدعاة بأمور الدعوة، بالاستقرار الأسري؟
** أعتقد جازمًا بأن الانشغال- غير الممنهج وغير المبرمج- عن البيت والأبناء، حتى ولو كان انشغالا بالدعوة، مع وجود الإهمال من الزوجين أو أحدهما، يهدد استقرار البيت، بل يدمره ويقضي عليه، خاصة إذا ظن أحدهما أو كلاهما بأن التربية تنتقل بالوراثة والجينات، وتتحصل بمجرد لغة الأمر والنهي "افعل ولا تفعل"، والتخويف والتحذير من عذاب القبر والنار، على الرغم من أهميته، مع غياب لغة التربية القائمة على الحب، والحرص والود، والبشاشة والسرور، والقدوة الحسنة، وإشعار الأهل والأبناء بالرعاية والعناية مع استمرار الحوار الهادئ، الهادف البناء، الذي يعزز الإيجابيات، ويبني جسور المحبة والتواصل والثقة، ويصنع الشخصية الإيجابية، ويعلي صروح النفوس، ويغيرها للسلوك المرغوب.
 
* وهل بالفعل نحن بحاجة لكل هذا؟!!
** نعم إننا نحتاج إلى ذلك كله، وغيره من الوسائل التربوية، وأن نتابع أبناءنا متابعة حثيثة، من الضروري والمهم جدا برمجة الحياة الأسرية مع المهام والواجبات الدعوية، ويؤخذ بالحسبان وضع وقت احتياطي للطوارئ، إن صح التعبير، بحيث مهما انشغل الداعية يبقى له مع أهله وقت مقدس، وصلة يومية، موزعة على ساعات اليوم والليلة، يخالطهم، يتابعهم، يؤاكلهم، يمازحهم، يهتم بشؤونهم، ودراستهم، وصحتهم، وحفظهم؛ يلامسهم، يدعو لهم، يرقيهم، يوصلهم لمدارسهم وجامعاتهم وأماكن عملهم، يتفسح ويسافر معهم.
يسمع همومهم، ويساعدهم في حلها، له معهم جلسة عائلية يومية، يزدادون فيها علمًا وورعًا؛ يقوم معهم بعبادات جماعية، كقيام ليلة، أو عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو صلة رحم، أو زيارة اجتماعية، يصطحبهم في أنشطته بحسب جنسهم، يعتمروا معًا ويحجوا معًا، يشعرهم بأن دينه ودعوته تتطلب منه القيام بذلك حتى يحبوا دعوته، ويشعرهم بأنهم أهم ما في حياته، وأنه يحبهم، وأنه يمنحهم أفضل أوقاته، ويضرب لهم الأمثلة النموذجية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الدعاة قديمًا وحديثًا، الذين كانوا هم وعائلاتهم دعاة إلى الله وكانت بيوتهم خلية نحل في نشر الدعوة.
 
* وهل تتحمل الحركة الإسلامية جزءا من معاناة الدعاة وعدم قدرتهم على التوازن بين دعوتهم وبيوتهم؟
** بالطبع فإن الحركة الإسلامية عمومًا تتحمل جزءا كبيرًا من معاناة الدعاة، خاصة الدعاة الذين يستحيون من قول لا، فترهقهم الدعوة بمهام إدارية ودعوية، تنوء بالعصبة أولي القوة من الرجال، يستغلون فيه حياءه وخدمته التي لا يرغب بها عن أحد حتى ولو على حساب راحته وصحته وأسرته، وقد درجت عند الدعاة مقولة "فاضي وراضي"، لذلك الذي يكلف بالمهام الكثيرة، ولو على حساب الجودة، ووضع الرجل المناسب في الموقع المناسب.
وفي المقابل؛ هناك دعاة يريدون أن يكون لهم قرصًا في كل عرس، وعضوية في كل لجنة، وحملا لبطيختين في يد واحدة، مع أن الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه، وقد ورد في الحديث النهي عن الغلو وتكليف النفس بما لا تستطيعه، وشبه ذلك برجل يركب دابة يضربها حتى تسرع دون أن يريحها، يريد أن يصل بأقصى سرعة؛ لكنه بذلك التصرف لا يبقي له ظهرًا يركب فيقضي على دابته، ولا يصل مبتغاه حيث لا أرضًا قطع، وإنما بقي في مكانه، لا نريد أن يكون الداعية شمعة تضيء لغيرها وتحرق نفسها وأولادها.
وعلى الحركة الإسلامية وقادتها أن يقنعوا الدعاة بالزواج من بعضهم، وأن يؤهلوهم لذلك من خلال دورات تدريبية تتعلق بالتوفيق بين الزواج والدعوة والتوازن بينهما، هذا للراغبين بالزواج أو المتزوجين، أما العزاب لصغر سن أو تأخر زواج أو ترمل أو طلاق، فهؤلاء يشغلون أكثر من غيرهم، لاغتنام أوقاتهم وحماسهم وتفرغهم، فيما يفيدهم ودعوتهم ويبعدهم عن الهموم والغموم والاكتئاب.
 
* هل تحضر ذاكرتكم الآن نماذج عملية يمكن ذكرها في هذا الجانب؟
** النماذج كثيرة على المستوى الوطني المحلي، وعلى المستوى الإقليمي، وعلى المستوى العالمي، ومن ذلك عائلة الشيخ سعيد حوى- يرحمه الله تعالى- وقد اخترتها لأنها شخصية معروفة على مستوى العالم، فالشيخ سعيد- يرحمه الله- عالم معروف، ومربٍ فاضل، وأولادُه - ما شاء الله لا قوة إلا بالله- كلهم علماء وخطباء وأئمة، وهكذا أصهاره وأحفاده، جيل طيب من جيل طيب، حتى شمل هذا الخير أبناء إخوانه فكان منهم المنشد المحبوب يحيى حوى الحافظ لكتاب الله تعالى.
 
* ولكن قد يحدث أن يتزوج الداعية بأخت من خارج الصف أو العكس، وقد يحدث في هذه الحالة أزمة ثقة من طرف الداعية تجاه الطرف الآخر، فكيف يتعامل مع هذه الأزمة؟
** ذكرت قبل قليل أن التوفيق بين أبناء الدعوة ينبغي أن يكون على رأس أولويات الدعوة، لأن في ذلك حل لمعظم أركان تلك المشكلة موضوع الحوار، وذكرت كيف يمكن التفاهم على ذلك قبل الزواج، وتحدثت عن حسن اختيار الزوج، وهنا أقول: يحسن بالداعية أن يدخل زوجه أو زوجته في دعوته؛ فيضمه للصف فيرتاح ويريح، وأضيف بأن اعتماد بيوت الدعاة لتكون المركز الأساس للدعوة حتى لا يضطر الداعية للغياب عن بيته كثيرًا، وحتى يعينه أهله في مهمته.
وتزداد الخطورة إذا كان الرجل الزوج من خارج الصف وكانت الزوجة من الصف، فربما منعها من نشاطاتها ودعوتها، فقتلها دعويًا، وحرم الدعوة من جهودها، لأنه من شدة أنانيته يريدها له وحده، مهما ترتب على ذلك من خسارة للمجتمع والدعوة، وأنا أعرف حالات زواج كانت مقبرة للداعيات، وفي المقابل أعرف حالات كان الزوج قد منح زوجته صلاحيات وحريات ممارسة الدعوة ثم منعها، لما رأى التقصير منها بحقه وحق بيته وأبنائه.
ــــــــــــ