سادة الحرب الاقتصادية – الإقطاعيون الجدد- إمبراطورية العار
19 رجب 1430
د. محمد مورو

اسم الكتاب: سادة الحرب الاقتصادية – الإقطاعيون الجدد- إمبراطورية العار
المؤلف: جان زيجلر
ترجمة: د/ هالة منصور عيسوي
الناشر الفرنسي:le livre de poche
سنة النشر: 2009
عدد الصفحات 323 صفحة 17 × 24سم
عرض وتقديم: د/ محمد مورو

***

هذا الكتاب دعوة لمناهضة الرأسمالية باعتبارها السبب الرئيسي لشقاء العالم، وجوع الإنسان، والمسؤولة عن كوارث الموت وسوء التغذية وانتشار الأمراض والطريق إلى كل أنواع التهلكة، وهو يثبت أن هذه الكوارث تتم عن عمد، فهي حرب اقتصادية وأحياناً عسكرية بالمعنى الحقيقي وليس المجازي يدبرها ويقودها السادة الإقطاعيون الجدد، ومن ثم فهي تستحق حرباً مضادة ينخرط فيها كل سكان العالم المتضررين من آثار تلك الرأسمالية والعولمة، وهم أغلب سكان العالم تقريباً.

 

يقول المؤلف:إنه في بلاد نصف الكرة الجنوبي تمتلئ المدافن الجماعية بضحايا الأوبئة والجوع يوماً بعد يوم، بينما يعاني الغرب من البطالة، ويعمل التخلف الاقتصادي على الزج بالبشر في سجن كبير، فهو يسجنهم في وجود يائس، ستحيل الهروب منه، فالمعاناة من ظلمه لا نهائية، ولا تستطيع إلا قلة قليلة كسر قضبانه والفرار منه.

والمؤلف جان زيجلر مفكر فرنسي منخرط في حركات مناهضة العولمة، والكتاب يقع في 323 صفحة من القطع المتوسط، وهو يضم خمسة أبواب هي:الحق في السعادة، أسلحة الدمار الشامل، الاستنزاف والتضامن، سبل التحرر، عودة النظام الإقطاعي، بالإضافة إلى تمهيد وخاتمة.

 

تحذير من عودة الإقطاع

على عكس التسلسل الماركسي المعروف والصاعد من الرق إلى الإقطاع ثم إلى الرأسمالية فالشيوعية، وغير القابل للعودة إلى الخلف، فإن المؤلف جان زيجلر يحذر من عودة الإقطاع من جديد على أساس أن تصبح العلاقات علاقات سخرة بين سادة وعبيد، وهو ما يتم الآن عن طريق تحكم السادة الإقطاعيين الجدد كما يسميهم جان زيجلر في الأسعار والديون والحروب ومن ثم إخضاع العالم كله لنوع من الرق الجماعي. وهو يرى أن الاختيارات محدودة في النظام الرأسمالي النهاب الذي يزدهر على حساب تجويع الشعوب وتكبيل الدول الفقيرة بالدين، فإما أن يتصرف الحاكم الكوني بإنسانيته – وهذا غير واقعي – ويدمر إمبراطوريته، أو ينساق وراء الشيطان ويتصرف بشراسة وجشع – وهذا الذي يحدث فعلاً – فتسقط جثث الفقراء تحت قدميه، ولا يوجد أي خيار آخر فمن الصعب على الحكام الكونيين – الإقطاعيين الجدد – أن يختاروا طريق التعاطف مع الشعوب الفقيرة.

 

ويعرض المؤلف في هذا الصدد عدداً من أساليب الإقطاعيين الجدد للتحكم في الشعوب عن طريق زيادة أسعار المنتجات الرأسمالية وخفض أسعار الخامات التي تنتجها الشعوب الفقيرة، ومن ثم زيادة الديون على الدول الفقيرة باستمرار، وكذا تعويض النقابات العمالية باضطراد وتحدي القوانين في جميع أنحاء العالم بوقاحة والإفلات من العقاب بالرغم من ارتكاب كل الجرائم وخرق مبادئ حقوق الإنسان.

 

دعوة إلى الثورة

يؤكد المؤلف أن أمراء الحرب الاقتصادية قد أحكموا سيطرتهم على الكوكب، فهم يهاجمون الدول وسيادتها ويعارضون السيادة الشعبية ويدمرون الديمقراطية ويتلفون الطبيعة ويدمرون الإنسان ويقضون على حقوقه، إنهم يحاربون جذرياً حق الإنسان في البحث عن السعادة، ولا تستطيع أي سلطة معارضة أو أي دولة أو أي نقابة التصدي لقوتهم الساحقة.

 

ويضيف زيجلر داعياً إلى الثورة قائلاً " ما العمل إذن تجاه استغلال الحكام الكونيين والعنف الذي يثيره أتباعهم وسخريتهم من حق الإنسان في البحث عن السعادة، يجب أن يبدأ الناس في الثورة من جديد لأن هناك تناقضاً جذرياً بين العدالة الاجتماعية الكونية وبين السلطة الإقطاعية أياً ما كانت، ولذلك تظل الحرب بينهما دائمة، لا يمكن للإنسان أن يقهر الوحدة واليأس أو أي ألم من الآلام الكثيرة التي يتعرض لها إلا بالثورة عليها ".

 

ولكن المؤلف لم يحدد لنا أي طريق لهذه الثورة، فهل هي هبات عفوية بلا تنظيم ولا أيديولوجية؟ ولم يتوجه المؤلف إلى طبقة العمال مثلاً مثل كارل ماركس، بل دعا كل إنسان مظلوم، وهذا بالطبع خروج على الماركسية وهو أمر جيد، ولكن المؤلف لم يقل لنا لماذا فشلت الماركسية ولماذا فشل لاهوت التحرير المسيحي في أمريكا اللاتينية، وهل هناك طريق حضاري وأيديولوجي آخر – خارج إطار الحضارة الغربية وأفكارها وفلسفتها التي ينتمي إليها المؤلف ذاته تصلح أن تكون جذراً ثقافياً لتلك الثورة، وهل تصلح القيم الحضارية الإسلامية مثلاً-بحسب اعتقاده- أن تكون هذا الجذر الثقافي لمواجهة الرأسمالية التي هي إحدى إفرازات الحضارة الغربية، "التي يسميها المؤلف إمبراطورية العار"، وبديهي أن حل المشكلة لا يمكن أن يستند إلى أرضية التفكير التي أفرزتها، وفقاً لقول العالم الرياضي والفيزيائي ألبرت أينشتين: إذا أردت حل مشكلة رياضية فلا تلجأ إلى نفس القوانين والقواعد التي أنشأت هذه المشكلة!!.

 

فضح الرأسمالية وأساليبها

لعل إحدى ميزات الكتاب الرئيسية أنه استند إلى كم هائل جداً من الأمثلة والأحداث التي تفضح الممارسة الرأسمالية ولكن في إطار عاطفي ومفكك وغير منظم.
يقول المؤلف:إنه في عام 2007 مثلاً لقي 36 مليون شخص حتفهم بسبب الآلام المبرحة أو الجوع أو نتيجة تداعيات بعض الأمراض، وسيلقى آخرون حتفهم بسبب نقص الدواء، أو بسبب أوبئة نجح الطب في علاجها منذ زمن بعيد، كما ستدمر المياه الملوثة 9 ملايين طفل دون العاشرة، وسوف يحول المسكن غير الصحي والفئران واليأس والقذارة حياة ملايين الأمهات جحيماً، وسوف تقضي البطالة الدائمة أو المؤقتة والخوف من المستقبل على كرامة ملايين من الرجال والآباء.

 

هؤلاء الضحايا الذين يقتلون بعشرات الملايين كل عام، هم ضحايا ما يطلق عليه (بابوف ) القوانين الفظة، ولا يفصلني عن هؤلاء الشهداء إلا مكان ميلادي، والمهمة الأولى لأي رجل فكر محترم، هي نشر هذه المعلومات وتوضيح ممارسات السادة الإقطاعيين الجدد، فهم مصاصو دماء يخشون ضوء النهار كما يخشون الطاعون ويتعاطف المؤلف مع الشباب الأفارقة الذين يتركون بلادهم كل عام ويجازفون بحياتهم من أجل محاولة الوصول إلى أوروبا ويعتبر أن عدم إنقاذ الغرقى من هؤلاء، أو إطلاق الرصاص على من يصل منهم إلى الشواطئ الأوروبية هي جريمة أوروبية تجعل من أوروبا إمبراطورية للعار، يقول المؤلف "إن الإجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية السبع والعشرين ضد سيل المهاجرين الأفارقة هي – في حقيقة الأمر – إجراءات حرب بمعنى الكلمة بين هذه القوة العالمية، وبين هؤلاء الشباب الأفارقة من القرويين أو الحضريين، الذين لا يملكون أي وسيلة دفاع، والذين تمتهن حقوقهم في التعليم والتوعية الاقتصادية والعمل والغذاء بأسلوب منظم في بلادهم الأصلية، إن هؤلاء الشباب هم ضحايا لقرارات واختيارات اقتصادية شمولية ليسوا مسؤولين عنها، ورغم ذلك فإنهم يُطردون ويطاردون ويهانون عندما يحاولون البحث عن مخرج من أزمتهم من خلال الهجرة".

 

الحرب على "الإرهاب"

يرى المؤلف أن الحرب في إمبراطورية العار ليست عرضية بل دائمة، فهي المعيار والقاعدة، وليست حالة من غياب العقل، بل هي سبب وجود الإمبراطورية ذاته، ويطلق المؤلف مصطلح "العنف الهيكلي" على هذا النظام الجديد للعالم اليوم وعلى هذه الممارسات الجديدة، فقد تحولت ممارسة أقصى درجات العنف إلى ثقافة في يومنا هذا، فهي تسود العالم وتظل قائمة، بل إنها أصبحت التعبير العادي للإقطاعيات الرأسمالية في المؤسسات العسكرية وفي عالم الاقتصاد والسياسة حتى إن هذه الممارسة غدت في جوهر النظام العالمي.

 

ويجزم زيجلر بأن الجماعات "الإرهابية" نشأت كرد فعل طبيعي للعنف الرأسمالي المنظم، فيقول "يجب أن نعلم أن البؤس هو منبت إرهاب الجماعات المتطرفة، وأن الذل والخوف والبؤس تمهد الأرض للأعمال الانتحارية وأنه في مقابل إرهاب الدولة ينشأ إرهاب الجماعات الصغيرة". ويطرح المؤلف مفارقة بديهية، وهي أن تكاليف الحرب في العام الواحد تصل إلى تريليون دولار، في حين أن 58 مليار دولار فقط أي نحو 5% من ميزانيات الحروب والقواعد العسكرية والإنفاق على التسلح، لو أنفقت سنوياً ولمدة عشر سنوات تكفي لتوفير التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأساسية والغذاء المناسب والمياه الصالحة للشراب والبنى التحتية الصحية لكل كائن بشري على وجه الأرض، ولكن الحرب العالمية على الإرهاب تعمي أبصار هؤلاء الذين يقودونها، هذه الحرب ليست لها عدو محدد، وليست لها نهاية متوقعة، إنها حرب ألف سنة.