هل تغير الموقف الأمريكي من مهاجمة "إسرائيل" لإيران؟
25 رجب 1430
د أسامة عثمان

إن ضربة عسكرية "إسرائيلية" لما تعتقده منشآت نووية إيرانية لا يمكن استبعاده بالكلية؛ ذلك أنه – بحسب تصريحات نتنياهو وأعضاء حكومته- من أكثر ما يقلقهم في الوقت الحاضر, وهم مع ذلك يستخدمون " الخطر النووي الإيراني" ذريعة للتهرب والتنصل من استحقاقات سياسية تفرضها عملية "السلام" واتفاقية خارطة الطريق ومقررات اجتماع  أنابوليس.

ولكن الجديد في هذا الشأن هو الموقف الأمريكي؛ فهل تغير؟

 

 

وقد كان يعارض مثل تلك الضربة, ويحذر منها، وقد بدأ تحول واضح نحو هذا الموقف منذ تقرير أجهزة المخابرات والأمن القومي الأميركية التي أكدت فيه أن إيران أوقفت تطوير برنامجها النووي العسكري منذ سنة 2003م .

 

وقد اتفق معظم المحللين والخبراء "الإسرائيليين"- بحسب ما ذكره الدكتور محمود محارب، أستاذ الدراسات "الإسرائيلية" في جامعة القدس - : " أن هذا التقرير شكل ضربة قوية لسياسة إسرائيل تجاه إيران ومشروعها النووي. وعبر عن هذا التوجه بصورة واضحة شموئيل روزنر، مراسل صحيفة هآرتس في واشنطن، والوف بن، المحلل السياسي لصحيفة هآرتس في مقال لهما بجريدة هآرتس (4/12/2007)، حيث أكدا أن التقرير خلق واقعا جديدا على مستوى متخذي القرار الأميركي والمستوى الداخلي الأميركي وعلى الصعيد الدولي؛ وأن الخيار العسكري ، سواء الأميركي أو الإسرائيلي ، لم يعد قائما في الزمن المرئي، على الأقل إلى أن يظهر تقرير آخر يقول عكس ذلك، أو أن تظهر بينة جديدة تؤكد نقيض ما يقوله هذا التقرير."

 

ولم تُصدر أمريكا حتى الآن ما يتناقض وهذا التقرير، بل إن تصريحات أمريكية قد تعاقبت على ضرورة تقديم الطرق الديبلوماسية؛ حتى تستنفد نفسها، ثم يُبحث الخيار العسكري.
ولكن الذي بعث على هذا التساؤل عن تغيُّرٍ في الموقف الأمريكي في هذا الشأن هو ما صرح به نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن  الذي أوضح  : " في لقاء تلفزيوني قائلا إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تملي على بلد ذي سيادة ما يفعله وما لا يفعله. وسئل بايدن ثلاث مرات خلال لقاء متلفز بقناة إي بي سي عما إذا كانت الولايات المتحدة ستقف حجر عثرة في طريق إسرائيل، ورد نائب الرئيس الأمريكي كل مرة قائلا إن إسرائيل بصفتها دولة ذات سيادة مؤهلة لاتخاذ القرار الذي تراه صوابا. وقال كذلك إن خيار الحوار مع إيران والذي عرضه الرئيس أوباما لا يزال قائما، لكن "على إيران أن تبادر إلى الاستجابة".

 

ومع أن هذه التصريحات لا تُفهِم أن أمريكا تمنح "إسرائيل" غطاء للضربة بقدر ما تُحمِّلها المسؤولية بأسلوب مبطن؛ فهي "دولة ذات سيادة وتستطيع أن تقرر"؛ ما قد يعني أنها صاحبة القرار, وهي من يتحمل نتائجه؛ فإن تصريح الأميرال مايكل مولن قائد هيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة التالي لتصريح بايدن جاء متباينا معه. وقد أعاد التذكير بالموقف الرسمي الأمريكي؛ إذ قال: " أشعر منذ بعض الوقت بالقلق من هجوم يشن على إيران, لأن هذا الأمر سيكون مزعزعا جدا للاستقرار ومن المستحيل التكهن بعواقبه" .

 

موقف "إسرائيل" بعد تصريحات بايدن:
أكدت مصادر أمنية في "إسرائيل" أنها  تستعد لمرحلة ما بعد فشل الجهود الديبلوماسية التي يبذلها الغرب مع إيران. وقد قال وزير الدولة "الإسرائيلي" يوسي بيلد في تصريح إذاعي تعقيبا على تصريحات بايدن: إنه لا يثق أن يايدن يعبر عن مواقف متفق عليها في البيت الأبيض" وهو ما تأكد فعلا بتصريحات مولن. وتأكد بصفة رسمية بالنفي الذي أعلنته الخارجية الأمريكية.

 

الخارجية الأمريكية تنفي إعطاء "إسرائيل" الضوء الأخضر:

 

وقد رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية هو إيان كيلي فكرة أن يكون نائب الرئيس الأميركي قد بدا وكأنه يعطي "إسرائيل" الضوء الأخضر لمهاجمة إيران.  وقال "لا أريد بالتأكيد أن أعطي ضوءا أخضر لأي عمل عسكري كان" مكررا فقط أقوال بايدن الذي شدد على أن إسرائيل هي "دولة ذات سيادة" مع حق اتخاذ قراراتها العسكرية. وأضاف "لن نملي عليها (اسرائيل) أعمالها". وأوضح "نحن أيضا ملتزمون لدى إسرائيل بأمنها ونقاسمها قلقها حيال البرنامج النووي الإيراني". ورفض أيضا الفكرة القائلة بأن إدارة اوباما تخلت عن سياسة الانفتاح مع إيران بعد القمع الوحشي للمظاهرات الاحتجاجية على الانتخابت الرئاسية في 12 حزيران/يونيو. (الثلاثاء 7 يوليو 2009) موقع قناة فرانس 24.
فإذا كان الموقف الأمريكي لم يتغير جوهريا فكيف يفهم تصريح بايدن, وما سر توقيته؟.
لعل من أهم ما تحققه هذه الصياغة الجديدة للموقف الأمريكي, على الصعيد الأمريكي, أنه يخفف من حدة الضغوط التي تمارسها جماعات الضغط المؤيدة لـ "إسرائيل" فالموقف السابق ربما أظهر إدارة أوباما في موقف المدافع عن إيران من "ردة فعل إسرائيلية" تراها ضرورية للحفاظ على أمنها.

 

كما لا يمكن عزل هذا الموقف الذي أعلنه بايدن عن الظروف الخاصة والحرجة التي تعيشها إيران, وهي على غير ما يحاول البعض تصويره، ليست منتهية, ولا تداعياتُها متوقفة, فما زال المعارضون يصرون على عدم شرعية أحمدي نجاد, وهم يمثلون ثقلا في الشارع الإيراني لا يمكن الاستهانة به, يعززهم انقسامٌ في المؤسسة الدينية والعلمية. ولعل آخر تلك المواقف ما كان من المرجع الديني آية الله لطف الله صافي كلبكاني الذي يتمتع بنفوذ كبير في مرجعية قُم, وكان رئيسًا لمجلس صيانة الدستور في السنوات الأولى بعد الثورة؛ إذ نفى ما كان أعلنه التلفزيون الإيراني من مباركته للرئيس أحمدي نجاد، وأوضح في بيان صادر عن مكتبه أنه لم يؤيد حتى الآن أي مرشح للرئاسة في إيران على رغم تثبيت محمود أحمد نجاد رئيسا." فنجاد وخامنئي والتركيبة السياسية الحاكمة في حرج وخطر إن لم يؤدِ إلى إسقاطها؛ فلا أقل من أن يضعفها, أو يربكها, على نحو مزعج.

 

ولم يكن لهذا الموقف الذي أعلنه يايدن أن يمر دون إحداث التفاعل الضروي من النظام الإيراني في هذا الوقت الذي يبدو فيه بأمس الحاجة إلى احتواء الشعب المنقسم على نفسه تجاه شرعية الرئيس أحمدي نجاد وحتى وصل التشكيك والتطاول على المرشد الأعلى علي خامنئي. فقد صرح : رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني محذرا الأميركيين من أنهم سيعتبرون المسؤولين عن أي ضربة يمكن أن توجهها إسرائيل إلى إيران.
ويظهر التوظيف السياسي في تصريحات خامنئي التي حذر فيها من التدخلات والمخاطر الأجنبية بأن الشعب الإيراني سيتوحد بالرغم من خلافاته في وجههم, وسيرد؛ الأمر الذي سيشعر الشعب بالخطر الخارجي, ويَصُفُّ قواه وراء قيادة  نجاد وخامنئي.
وليس هذا الهدوء الذي تريده الزعامة الإيرانية الحاكمة متعارضا مع الأولويات الأمريكية الراهنة؛ فليست هي الآن في وارد إحداث تغيير في إيران، وهي المنشغلة بملفات ساخنة, ولعل أولها أفغانستان, وليس بعيدا عنها العراق, وفي كلا المَلفين تحتاج أمريكا إلى إيران مستقرة ومتعاونة, وهو ما لا تكف عنه الزعامة الإيرانية الحالية.
ولم يبد على إدارة أوباما اهتماما باستثمار التشكيك الواسع في نتائج الانتخابات, بل إن أوباما حاول قدر الإمكان عدم التدخل, وقد ظل على موقفه من استمرار الحوار مع إيران مع رئيسها المشكك في شرعيته, وهو ما يصب في صالحه, ويضفي عليه اعترافا, وإن بدا ضمنيا, وغير مباشر.

 

كما أن هذا التصريح الذي يوهم بعدم اكتراث أمريكا بضربة "إسرائيلية" لإيران, قد ينطوي على رسالة مبطنة إلى حكومة نتنياهو؛ ليسقط من "إسرائيل" ورقة حاولت المساومة بها للتهرب من ضغوط ممكنة عليها لوقف الاستيطان والتزامات ضرورية لاستئناف المفاوضات. وتفصيل ذلك أن أمريكا في وقت من الأوقات حاولت أن تجعل من "الخطر النووي الإيراني" وسيلة للضغط على "إسرائيل", بالقول إن حل القضية الفلسطينية والتقدم فيها هو الذي من شأنه أن يضعف النفوذ الإيراني, وأن الأولوية ليست للملف الإيراني بقدر ما هي لملف النزاع في الشرق الأوسط, ردا على "إسرائيل" التي طالما قدمت الخطر الإيراني على استحقاقات "السلام"؛ ولما تبيَّن لحكومة نتنياهو أن أمريكا تستخدم الخطر الإيراني ورقة ابتزاز ضدها راحت هي تقلب السحر على الساحر؛ وبدلا من أن تكون إيران ورقة ضغط عليها استطاعت أن تحولها إلى ورقة ضغط بيدها؛ إذ صارت تلوح بقيامها بضربة عسكرية على إيران, ومن شأن ذلك أن  يربك السياسة الأمريكية, أو يتسبب في أزمات هي في غنى عنها في هذا الوقت الذي تعمل فيه على تهدئة المنطقة, بعامة, والعراق, بخاصة الذي لإيران دور ملموس في بناء استقراره, أو انتكاسه نحو الفوضى والتفجيرات؛ وإذا حصل ذلك لن تستطيع إدارة أوباما التفرغ لما تراه العدو الأول طالبان والقاعدة.
وأيا كان فقد تخففت إدارة أوباما بتصريحات بايدن من أي اتهام يشكك في التزامها بأمن "إسرائيل" وأفادت التيار الذي يقوده خامنئي ونجاد, كما أنها قللت من أهمية التزام "إسرائيل" بالرغبة الأمريكية القاضية بمنع ضربة "إسرائيلية" لإيران؛ في الوقت الذي لم تمنحها فيه ضوءا أخضر, أو غطاء أمريكيا يضمن لحكومة نتنياهو عدم التورط في تداعيات تقلقها, في حال انفردت بضربة دون ذاك الغطاء. ويبدو أن "إسرائيل" قد فهمت هذا الموقف جيدا؛ فظلت على موقفها السابق, هذا في العلن, وبحسب الظاهر من تصريحاتهم.