الصحافة الأمريكية.. بين نقص المعلومات وتسييس الخبر
28 رجب 1430
هشام منور
تفتخر الولايات المتحدة الأمريكية بامتلاكها واحدة من أهم وأقوى وسائل الإعلام العالمية القادرة على تغطية تفاصيل الأحداث الكبرى ودراستها وتحليلها، وهو ما يمنحها القدرة على التأثير في متلقي تلك الوسائل الإعلامية بما يخدم الأهداف التي تتبناها ويسوق لوجهة نظر أصحابها في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
وتكتسب وسائل الإعلام أهمية مضاعفة في سياق الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة خارج حدودها بما يساعد على الترويج لما تزعم أنها تنافح عنه، أو تصوير مدى "دقتها" و"إنسانيتها" في إنجاز أهدافها العسكرية دون الإضرار بالمنشآت المدنية أو تعريض حياة المدنيين للخطر. بيد أن الحال التي كانت تتغنى بها وسائل الإعلام الأمريكي تبدلت في الآونة الأخيرة مع اعترافها نفسها بالفشل الذريع الذي جنته في تغطيتها لحرب العراق الأخيرة.
فتحت عنوان "مهمة غير مكتملة" نشرت دراسة في مجلة (الديمقراطية) تناولت دور الإعلام في تغطية أحداث الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وعلاقتها بالحكومة الأمريكية، وما إذا كان دوره الإعلام يقتصر على نقل السياسات والتصريحات الحكومية دون نقدها أو تقديم وجهات نظر مغايرة ومعارضة. أعد الدراسة كل من " ليسلي جيلب"، الرئيس الشرفي لمجلس العلاقات الخارجية، والصحفي السابق بجريدة نيويورك تايمز، و"جين زيلماتي" الباحثة بمجلس العلاقات الخارجية وتناولت التغطية الإعلامية للحرب الأمريكية على العراق. وتمّ فيها التركيز على الإعلام المكتوب من خلال ثلاث صحف يومية: هي (واشنطن بوست)، و(نيويورك تايمز)، و(وول ستريت جورنال). واثنتين من الصحف الأسبوعية: (تايمز)، و(نيوزويك).
توصلت الدراسة من خلال تقييم المقالات والتقارير التي تم نشرها في الصحف الخمس خلال السنوات الأولى من الحرب إلى إخفاقها في تحليل قرارات الحرب، وطرح الأسئلة والانتقادات التي كان يجب عليها أن تطرحها، حيث اكتفت بنقل وترديد التصريحات الرسمية الصادرة عن الرئيس السابق جورج بوش وإدارته دون النظر في مدى صدقيتها مع قليل من نقل الآراء الناقدة والمشككة أحيانًا.
وضربت الدراسة أربعة أمثلة عبر أربعة أحداث مهمة في الحرب على العراق وما كتب عنها، وهي: قرار تفويض الكونجرس للإدارة بإعلان الحرب على العراق في أكتوبر 2002 م، وخطاب وزير الخارجية السابق (كولن باول) أمام الأمم المتحدة، وخطاب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في شهر مايو من العام 2003 والذي أعلن فيه تحقيق "النصر" في حربه على العراق، وأخيرًا إلقاء القبض على صدام حسين.
وأشارت الدراسة إلى أنه في أثناء مناقشة الكونجرس الأمريكي لقرار الحرب كانت الصحف تردد مقولات الرئيس الأمريكي عن علاقة العراق بالإرهاب وامتلاكه أسلحة دمار شامل بدلاً من تقييم تلك الادعاءات ومحاولة التأكد منها، بل إنها لم تفسح مجالاً للمشككين في تلك الادعاءات. ولم تهتم بطرح قضايا تتعلق بمستقبل العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، والصعوبات التي يمكن أن تواجهها الولايات المتحدة بعد احتلال العراق، ومعوقات بناء الدولة وتكلفتها الباهظة أو ما سيترتب على الحرب من تغييرات في توازنات القوى في المنطقة العربية ومحيطها.
وعلى الرغم من تغير تلك الصورة القاتمة قليلاً بعد بدء الحرب، إذ قامت الصحف الأمريكية بتغطية أفضل للأحداث داخل العراق وصعود المقاومة ضد الوجود الأميركي في العراق، وتزايد أعمال العنف الطائفي وعدم الاستقرار، فإنها أخفقت في ربط ما يجري من أحداث عنف في العراق بخطاب الرئيس الأمريكي وادعاءاته بالنصر وبإنجاز المهمة التي أرسلت القوات الأمريكية لإتمامها. لكن  تغطية أعمال العنف في العراق ازدادت، وبخاصة من قبل الصحف الأسبوعية التايمز والنيوزويك، وبدأت الصحف تتساءل عما إذا كانت القوات الأمريكية قد حققت نصرًا حقيقيًّا في العراق نتيجة تزايد التغطية من داخل العراق، ومع ذلك  لم تقم بمهاجمة الإدارة بصورة مباشرة، كما بقي عدد كبير من التساؤلات غائباً مثل مدى صحة المعلومات الاستخباراتية التي وظفتها الإدارة لشن حربها على العراق، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين نتيجة الهجمات الأمريكية، وتزايد نفوذ القاعدة في العراق بعد الغزو.
تخلص الدراسة إلى تحديد جملة أسباب انقياد الصحف الكبرى وراء الإدارة الأمريكية وإخفاقها في تقديم تغطية متوازنة ، وأول تلك الأسباب يتمحور حول أداء الصحف لوظيفتها الأساسية، وهي تغطية كل ما هو جديد، وبالتالي يجب عليها تقديم عرض دقيق لتصريحات الحكومة وسياساتها. ولكن لابد أن يقترن هذا النوع من التغطية لقرارات وسياسات الإدارة بتقديم تساؤلات حول مدى دقة وصحة المعلومات والسياسات التي تتبناها الإدارة، ونشر مقالات تحليلية تنتقد سياسات الحكومة وتشكك في صحتها. كما أكدت الدراسة على نقص المعلومة في المقالات والتقارير عن القضايا والمناطق التي قامت بتغطيتها، ولذلك تفوقت المقالات والتغطيات التي يكتبها المراسلون الصحافيون من العراق من حيث واقعيتها ودقتها وقدرتها على نقل صورة أفضل لما يحدث على الساحة العراقية.
ولا تنسى الدراسة أن تقدم عدداً من التوصيات للصحف من أجل تقديم تغطية أفضل للقضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية وقرارات الحروب، كتشجيع الصحافيين والمراسلين على الاطلاع والقراءة أكثر عن المناطق والدول التي يقومون بتغطيتها، والاطلاع على ما يتم نشره من مقالات وتقارير تتعلق بها، ودفعهم إلى تقديم رؤى تحليلية ونقدية للسياسات، وليس فقط نقل الأخبار والتصريحات الرسمية دون مساءلتها أو نقدها وعدم الاكتفاء فقط عند تحليل الأحداث بنقل آراء الباحثين والمحللين. كما تنصح الدراسة بالاعتماد بصورة أكبر على المراسلين الصحافيين في الخارج؛ لأنهم أكثر قدرة على نقل ما يجري على الأرض من أحداث وتقديم رؤى شاملة ودقيقة بسبب وجودهم داخل منطقة الحدث. وأن تهتم مراكز الصحافة في الجامعات ومعاهد الإعلام بمراقبة الصحف وإجراء الدراسات والأبحاث عن كيفية أدائها لعملها وتقديم التوصيات والمقترحات للصحف من أجل تقديم تغطية إعلامية أفضل.
والخلاصة أن تبعية الإعلام الغربي وخدمته لجهات وهيئات ومؤسسات معروفة وانحرافه عن الالتزام بمهنية العمل الصحفي لصالح تسويق أهداف وغايات معينة قد أسهمت إلى حد بعيد في تزييف كثير من التقارير والكتابات التي غطت الحرب الأمريكية على العراق، فضلاً عن لوثة الاتباع الأعمى للحكومة الأمريكية التي كانت تمارس قدراً أكبر من التضليل المتعمد للرأي العام الأمريكي لتمرير أهدافها من الحرب على العراق.