أنت هنا

ظهور الأسير الأمريكي في عرف الاحتلال
28 رجب 1430




القراءة الأمريكية لمسألة عرض حركة طالبان الأفغانية تسجيلاً مرئياً للأسير الأمريكي لديها مثير للاشمئزاز والضحك معاً؛ فدولة الاحتلال الأولى في العالم آخر من يحق لها الحديث عن حقوق الأسرى والمعتقلين وحتى المختطفين.

وما قاله الناطق باسم الجيش الأمريكي النقيب جون ستوك بأننا "نحن نرى أنه تم استغلال الجندي لأغراض دعائية وهو أمر مخالف للقانون الدولي"، ينشط لنا ذاكرة الأيام الأولى للغزو الأمريكي للعراق عندما ملأت واشنطن الدنيا صراخاً عن عرض جثث قتلى الأمريكيين في الحرب وأخلاقيات التعامل الإعلامي مع الجثث والأسري في واحدة من كبريات جرائم التاريخ المعاصر الممثلة باحتلال العراق وانتهاك سيادته وذبح شعبه من الرئيس إلى الخفير.

الحنان الذي غلف به الناطق لسانه ذكرنا بعجز الولايات المتحدة عن تصنيف معتقلي جوانتنامو الذين عرضوا بشكل مذل على شاشات التلفزة ونقلهم على عربات "الكارو" في المعتقل سيء الصيت، حينها لم تدم حيرة الأمريكيين وخبرائهم القانونيين فاعتبروا المدافعين عن بلادهم الإسلامية (أفغانستان) مقاتلين غير شرعيين.

كانت الشرعية وقتها ـ ولم تزل ـ في الاحتلال، وكانت المقاومة ـ ولم تزل ـ قتالاً غير شرعي، لا يستحق معه المخطوف في المعارك أو خارجها لقب "أسير حرب"!!

الولايات المتحدة أرادت أن تتعامل بوحشية مع الأسرى، لكن دهاتها خشوا من تمتع الأسرى بمزايا اتفاقية جنيف لمعاملة أسرى الحرب، وأحجموا عن اعتبارهم معتقلين بتهم معينة خوفاً من أن يواجهوا استحقاق ضرورة إحالتهم إلى محاكم "عادلة" أو "نصف عادلة"؛ فابتكر المبطلون هذا المسمى.

وفي أبي غريب، كانت الصور المسربة عمداً تشي بأن "دعاة الحرية" هم محترفو إجرام وتعذيب إن تسلطوا على المسلمين، وظهرت الصور البشعة حينئذ، وبرأت "العدالة الأمريكية" ساحات جلاوزة التعذيب إلا واحدة أرادوا وضعها ككبش محرقة لجريمتهم الرسمية العسكرية.

وبعد أن أذهلت المقاومة الطالبانية الأمريكيين وكسرت خنجرهم البارد، وحصدت أرواح مجرمي الحرب الأمريكيين والبريطانيين، وظهر شريط المهانة للعسكرية الأمريكية، تدثر الإعلام العسكري بتلك الواقعة (عرض التسجيل) ليتشبث بقشة يدلل بها على أنه يواجه "إرهابيين" خدشوا حرمة الأسير!!

إن الحالة التي ظهر عليها الأسير الأمريكي تؤكد بأن الفارق كبير بين معاملة حسنة وأخرى لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة، فليت الولايات تتعلم من طالبان "الرجعية والعائدة من القرون الوسطى..." شيئا من الرحمة؛ فظهور الأسير على التلفزة أهون ألف مرة من عرض الجثث الممزقة جراء قصف الولايات المتحدة للأفراح والتجمعات الأفغانية.

لا سواء بين أسر وأسر، وقصف جبان ومقاومة شجاعة، واحتلال ودفاع عن أهل وعرض ومال ودين ووطن.. وعليهم أن يتذكروا قبل البكاء على الأسير أنه لم يتم أسره في لاس فيجاس أو شيكاغو، بل على بعد آلاف الأميال من وطنه الذي يدس أنفه دائماً في شؤون الآخرين ومعتقداتهم وحياتهم، لقد كان الأسير هناك لتنصيب رئيس يلفظه الشعب بكل قومياته وطوائفه، ولقد كان هناك لتغيير نظام أحبه الناس.. جاءوا جميعاً هنا لتأمين المخدرات وإرهاب الشعب، فلا تلوموهم ولوموا أنفسكم.