تحية للمتفوقين خلف الحصار
1 شعبان 1430
الهيثم زعفان
                                     [email protected]

تهنئة قلبية يملؤها الفخر والإعزاز لكل متفوق وناجح في الثانوية العامة أو في الجامعات أو ما بعدها من الذين ملأ الآفاق ذكرهم كمبدعين ومتميزين ينافسون متفوقي الغرب والعالم من أبنائنا بغزة العزة الصامدة خلف الحصار المشدد، فالمتابع للمحرقة التي مرت بها غزة وتداعياتها والحصار المشدد عليها لا يجد أي بواعث أمل في النجاح أو حتى فتح الكتب الدراسية، بل لا يتخيل المرء أن يكون هناك مجالاً لمطالبة الأبناء باستذكار الدروس وتحصيلها، فضلاً عن النجاح فيها بل والتفوق المبهر والمشرف.

إن كل متفوق من متفوقي غزة له مع الآلام والصعاب قصة، غير القصة الكبيرة قصة الحرب على غزة والتي تجمعهم جميعاً، ونذكر أنفسنا ببعض ملامح تلك القصص لنقارن من خلالها النجاح هنا والنجاح هناك:

 
1-    جميع المتفوقين عاشوا رعباً قاتلاً قبل الاختبارات ولمدة اقتربت من الشهر تحت قذف الطائرات العشوائي للقنابل المحرمة دولياً في كل وقت وحين، ومات من الطلاب النابغين الكثير، ومعلوم تأثير الحرب على الصغار وتأثير الوفيات البشعة على الأقران، ولو كان هذا القذف والقتل على الغرب لدخل جميع أطفال الغرب مصحات نفسية ليعالجون من آثار هذا الرعب والقتل البشع، لكنه الشفاء الرباني الذي يجعل الحزن سهلاً.
2-    جميع المتفوقين يعيشون حتى الآن تحت وطأة الحصار المشدد، فهم في سجن كبير، محرومون فيه من كل شئ، ولا يأكلون إلا ما يعينهم على البقاء، فهم في ذلك يعيشون في مرحلة الضروريات حيث لا مجال للحاجيات فضلاً عن التحسينيات.
3-    المتفوقون لم يخرجوا من بلدتهم، ولم يروضوا نفسياتهم بمشاهدة المناظر الخلابة، ويروحوا عنها بالملاهي والمنتزهات، بل حصلوا دروسهم تحت وطأة الدمار وآثار الحرب، ولسان حالهم يقول " هذا هو ركام بيتي، وذاك حطام مدرستي، وهذه هي خيمتي التي نعيش فيها في العراء بجوار مئات العائلات ساكنة الخيام والتي تهدمت بيوتهم على من فيها وما فيها بأطنان من القنابل المحرمة دولياً، خيمة استذكر فيها دروسي تحت ضوء الشمس نهاراً ولمبة الكيروسين ليلاً حيث لا مجال للكهرباء، ولكم تخيل الحياة في العراء بلا ماء ولا كهرباء ولا أية خصوصيات، لكنها معية الله".
4-    ما من ناجح إلا ومات له عزيز أو أصيب إصابة بالغة تحتاج رعاية مكثفة سواء كان أب أو أم أو أخ أو أخت، أو حتى صديق، أو حتى الجميع مرة واحدة، ومعلوم أثر موت أو تألم الشخص العزيز على نفسية الطالب فما بالنا إذا كان الأعزاء المتوفون والمصابون لكل طالب بالعشرات.
 
إن الصعاب تصنع المعجزات والحرب على غزة لم تصنع الانكسار الذي طمع فيه العدو، فهو إن كان يفهم لغة السلاح الجبان الذي يضرب به من وراء جدر والمضروب مقيد، فهو لم ولن يستطيع فك معادلة الشخصية الإسلامية التي تستمد معيتها من الله، ولا يزيدها الحصار والصعاب والتدمير إلا صموداً ونجاحاً وتفوقاً يقود الأمة إلى العزة والتمكين في الأرض.
 
وكما كان هذا النجاح والتفوق هو وليد الحرب والحصار ويمثل رسالة للعدو الصهيوني بفشل نظرية "ضيق عليه كي يختنق" فهو أيضاً رسالة لباقي أبناء الأمة المقصرين في تحصيلهم العلمي لأسباب واهية رغم ما يرفلون فيه من النعيم، رسالة مفادها أن كل مسلم لديه طاقة كامنة إن خرجت عم النجاح والتفوق، ومسكت الأمة بتلابيب العلم واستعادت أمجاد الأحفاد الذين أحسنوا استثمار تلك الطاقة الكامنة فيما يرضي ربنا عز وجل فكانت لهم الرفعة والتمكين قروناً طويلة.