27 رجب 1430

السؤال

ما حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم الذي يأتي للبلاد الأوروبية فارّاً بدينه من الظلم الذي وقع عليه في بلده الأصلي، وفقد فيه هويته، وفقد أمل الرجوع إلى وطنه؟ وجزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
د. خالد الماجد

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
للجواب على هذا السؤال يلزم بيان أمرين :
الأول : كون الإقامة في بلد الكفار جائزة .
الثاني : قيام الحاجة إلى أخذ الجنسية .
تفصيل الأمر الأول: الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بالشروط الآتية :
1- وجود الحاجة الشرعية المقتضية للإقامة في بلادهم ولا يمكن سدّها في بلاد المسلمين ، مثل التجارة ، والدعوة ، أو التمثيل الرسمي لبلد مسلم ، أو طلب علم غير متوفر مثله في بلد مسلم من حيث الوجود، أو الجودة والإتقان ، أوالخوف على النفس من القتل أو السجن أو التعذيب ، وليـس مجرد الإيذاء والمضايقة ، أو الخوف على الأهل والولد من ذلك، أو الخوف على المال .
2- أن تكون الإقامة مؤقتة ، لا مؤبّدة ، بل ولا يجوز له أن يعقد النية على التأبيد ، وإنما يعقدها على التأقيت؛ لأن التأبيد يعني كونها هجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر، وهذا مناقضة صريحة لحكم الشرع في إيجاب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام .
ويحصل التأقيت بأن ينوي أنه متى زالت الحاجة إلى الإقامة في بلد الكفار قطع الإقامة وانتقل .
3- أن يكون بلد الكفار الذي يريد الإقامة فيه دار عهد ، لا دار حرب ، وإلا لم يجز الإقامة فيه .
ويكون دار حرب إذا كان أهله يحاربون المسلمين .
4- توفر الحرية الدينية في بلد الكفار، والتي يستطيع المسلم بسببها إقامة شعائر دينه الظاهرة .
5- تمكنه من تعلم شرائع الإسلام في ذلك البلد . فإن عسر عليه لم تجز له الإقامة فيه لاقتضائها الإعراض عن تعلم دين الله .
6- أن يغلب ظنه بقدرته على المحافظة على دينه، ودين أهله وولده. وإلا لم يجز له؛ لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفس والمال والأهل.
فمن توفرت فيه هذه الشروط -وما أعسر توفرها- جاز له أن يقيم في بلاد الكفار، وإلا حرم عليه؛ للنصوص الصريحة الواضحة التي تحرم الإقامة فيها، وتوجب الهجرة منها، وهي معلومة، وللخطورة العظيمة الغالبة على الدين والخلق، والتي لا ينكرها إلا مكابر.
ثانياً: تحقق الحاجة الشرعية لأخذ الجنسية، وهي أن تتوقف المصالح التي من أجلها أقام المسلم في دار الكفار على استخراج الجنسية، وإلا لم يجز له، لما في استخراجها من تولى الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر أو بالقانون، ولأن استخراجها ذريعة إلى تأبيد الإقامة في بلاد الكفار وهو أمر غير جائز – كما سبق –
فمتى تحقق هذان الأمران فإني أرجو أن يغفر الله للمسلم المقيم في بلاد الكفار ما أقدم عليه من هذا الخطر العظيم ، وذلك لأنه إما مضطر للإقامة والضرورة تتيح المحظورة ، وإما للمصلحة الراجحة على المفسدة ، والله أعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.