فرنسا تحل مشاكلها بالسخرية من النقاب !
5 شعبان 1430
ياسمينة صالح

عندما أعلن نيكولا ساركوزي أن نقاب المرأة و حجابها يعكس التخلف الفكري و التراجع في الحريات مما من طموح المرأة و أحقيتها في التواجد في المجتمع، فهذا يعني أنه كان يخاطب المجتمع العربي و الإسلامي، و ينصحهم نصيحة ساركوزية بأن يضعوا الحجاب ضمن المحظورات، أو ضمن اللباس الطائفي ! هذا لأن فرنسا في الحقيقة ليست معنية لا بالحجاب و لا بالنقاب على أساس أن النساء اللواتي يلبسن النقاب على أرض الجمهورية الخامسة لا يتجاوز عددهن 3 بالمائة، و أن المحجبات أيضا لا يصل عددهن في النهاية أكثر من 15% على اعتبار أن النساء المحجبات من المسلمات و قطعا من الفرنسيات اللائي يعتنقن الإسلام و يقررن ارتداء الحجاب ليس عن إجبار، بل عن قناعة مطلقة أن الحجاب جزء لا يتجزأ من لباس المرأة المسلمة، و عليه يبدو جليان أن الخطاب السياسي الساركوزي الذي حشر فيه قضية النقاب و الحجاب أشبه ما يكون بمحاولة للهرب إلى الأمام، عبر إيهام الفرنسيين أنهم في خطر لأنه على أرضهم توجد نساء مسلمات منقبات و محجبات، أشبه ما يكون الكلام عن مشروع يراد به إبعاد الأنظار عن مشاكل فرنسا الحقيقية عبر حصر مخاطرها في ما تتكلم عنه الصحف الفرنسية المسعورة هذه الأيام بخطر الإسلام على فرنسا ! 

 

لا يختلف اثنان على أن المشاكل التي تعيشها فرنسا لا يمكن عدها في جملة من العناوين، و لعل أخطر المشاكل باعتراف خبراء فرنسيين أنفسهم انفجرت خلال عهدة نيكولا ساركوزي، و يجب أن نكون موضوعيين بالقول أن سابقه جاك شيراك الذي اتبع سياسة براغماتية خارجية أكثر منها داخلية أدخل فرنسا في مشاكل كثيرة، لكن الاختلاف الأساسي أن مشاكل فرنسا في هذا العهد تبدو أخطر و أكبر لعدة أسباب أهمها الطريقة غير المفهومة التي حاول ساركوزي أن يتجاوز بها الانسداد السياسي الداخلي في ظل الاحتقان الاجتماعي، فلأول مرة في تاريخ فرنسا تهدد عشرات النقابات الاجتماعية بالنزول إلى جماعيا الشارع احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية في الداخل و التي زادت عليها الأزمة المالية الناتج عنها إفلاس 6 بنوك خاصة، و 12 مؤسسة جعلت مئات الموظفين يوجدون أنفسهم في خانة العاطلين عن العمل و مؤسسات أخرى نشرت صحيفة اللموند الفرنسية إنها آيلة إلى الإفلاس في غياب خطة إنقاذ مالية حقيقية، بمعنى أن عدد المؤسسات الفرنسية التي يعتقد أنها سوف تسقط سقوطا حرا قبل نهاية السنة قد يصل إلى 64 مؤسسة بما فيها 3 مؤسسات رسمية، بكل ما فيها من موظفين و من عملاء على حد سواء جاعلة من الجمهورية الخامسة نفسها مشروع إفلاس مدوي يبدو من الصعب تجاوزه دون حلول اقتصادية حقيقية سوف تجبر فرنسا على تنازلات كانت ترفضها في السنوات الماضية منها السماح ببعض الدول الغنية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي شرفيا  بمن فيها تركيا و نظن أن ثمة مقاعد شرفية يمكن استحداثها لدول أخرى شبيه بتركيا لا لتكون جزء من الخارطة أو السياسة الأوروبية، بل لتكون جزء من صندوق الإنقاذ المالي الذي طرحته فرنسا في الاتحاد الأوروبي كحل مهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و تبدو إيطاليا و اسبانيا منحازة إلى الحل أكثر من ألمانيا. ساركوزي الذي يعرف أن الإنقاذ قد يأتي من دول نفطية طرح بالموازاة لذلك استعداد بلده لمساعدة الدول الراغبة في التعاطي مع النووي السلمي، و الغريب أنه عرض خدمات فرنسا في هذا النووي السلمي على دول مغاربية أثناء زياراته لها، ناهيك على ما يريد بيعه للدول العربية أيضا من طائرات فرنسية تبدو "قديمة" مع الآليات التقنية الحديثة، لكن حاجة فرنسا إلى المال الآن ليست مجرد شيء مطلبي، بل و شيء إجباري أيضا لإيقاف أي تمرد قد يأتي هذه المرة من الشارع الفرنسي، حيث أن خروج الفرنسيين إلى الشارع في احتجاجات في دولة مثل فرنسا، يعني أن الرئيس سيكون أمام خيارين، إما تلبية المطالب، و هذا صعب في وضعه الحالي، و إما الاستقالة، و هذا صعب أيضا لأن ساركوزي يبدو أنه جاء ليبقى !

 

الرصاصة التي لا تصيب تدوش !
لقد ارتبط الرئيس الفرنسي الأسبق بالحقبة الديغولية فكريا و أيديولوجيا، و هذه حقيقة لم يقدر شيراك على تجاوز عقدتها على الرغم من صفقاته الكثيرة مع المحافظين الجدد، و مواقفه الأولى من غزو العراق، قبل أن "يتمرد" لأسباب فضحها أكثر من صحفي فرنسي قائلين أن سبب غضب "شيراك" من بوش أن هذا الأخير رفض إعطاء فرنسا نسبة كبيرة من " الغنائم" في العراق، و أن مسألة المبدأ التي تحدث عنها شيراك للدفاع عن موقفه الرافض للحرب، كان متأخرا، لأن المبدأ الحقيقي توجب أخذه من البداية و ليس في آخر ساعة !  لقد انهارت الديغولية بشكل رهيب في فرنسا جرّاء المشاكل التي وصلت إليها الأمور داخليا ( الفساد و الرشوة و الإسقاطات الأخلاقية)، منها المشاكل السياسية داخل التيارات المشكلة للسلطة نفسها، بحيث أن التشكيلة السياسية التي كانت تصنع في الثمانينات تنوعا تحولت إلى تأزم و كل من يقع في إشكاله يحاول حلّه على حساب المهاجرين و على حساب المسلمين، و هو ما حدث لحزب اليمين المتطرف ( السائد في الجنوب الفرنسي ) كلّما غرق في مشاكل الفساد يحوّل جام غضبه ضد المهاجرين و ضد العرب لإبعاد الأنظار عن المشاكل الداخلية، و هو ما فعلته تشكيلات سياسية يسارية أو حتى يمينية معتدلة، فلماذا لا تفعله السلطة نفسها؟ و الحال أن ما مارسه شيراك نفسه عبر الصورة التي أعطاها بأنه أكثر تسامحا و انفتاحا على المهاجرين، و على المسلمين بشكل خاص، لم يحد من وصول نيكولا ساركوزي ( المتصهين) إلى قيادة وزارة الداخلية في عهد جاك شيراك، و إلى تشكيل ذلك الحراك السياسي ضد المهاجرين، و ضد العرب المسلمين بشكل خاص، و كان واضحا أن ساركوزي الذي يحمل فكرا جاهزا لخصته عبارته الشهيرة "أيها الأوباش" سوف يكون الذراع الذي يتم عبره كنس المهاجرين (العرب و المسلمين) من فرنسا، و طردهم منها بمن فيهم أولئك الذين احتجوا في فبراير هذا العام على رفض السلطات الفرنسية تجديد أوراق إقامتهم مع أنهم عاشوا منذ أكثر من عشر سنوات على التراب الفرنسي، و كان تجديد أوراقهم يتم بشكل عادي في السابق قبل أن تتحول الإجراءات إلى حالة من التعجيز المراد به وضع المهاجرين في ذات خانة المهاجرين غير المرغوب فيهم و الجاهزين للطرد، و لأن العرب و المسلمين الذين يقيمون على التراب الفرنسي استطاعوا أن يؤسسوا لأنفسهم مكانة حقيقية ( 4 رؤساء بلديات من أصول جزائرية و مغربية، وزيرة العدل من أصل مغربي، 3 برلمانيين من أصول مغاربية)، إلا أن الإشكالية التي تطرحها فرنسا الجديدة تكمن في وجود الإسلام نفسه، و وضعه في خانة الخطر جدا لأنه صار يستقطب الشباب الفرنسي إليه، حيث كشفت مجلة "لاكروا" الفرنسية في تحقيق ميداني أن الشباب ما بين 19 و 33 سنة أبدوا رغبتهم في التعرف على الإسلام و معرفة ما فيه، و هذا يعني حسب ذات المجلة أن نسبة اعتناق الإسلام سوف يتزايد رقعتها على اعتبار أن كل من يتعرف على الإسلام يعتنقه، ناهيك على أن عدد الفرنسيات اللواتي اعتقن الإسلام ما بين 2007 و 2008 وصل إلى 49 و هو رقم نشرته بعض الصحف قائلة أنه إن كانت عشرات الفرنسيات سوف يعتنقن الإسلام كل عام فهذا يعني أن فرنسا بعد عشرين سنة ستكون ذات الأغلبية الإسلامية !

 

الشجرة التي تغطي الغابة !
ليس ثمة شك أن الحملة الشرسة ضد لباس المرأة المسلمة و التي شنها ساركوزي شخصيا و تقودها الصحف الفرنسية المتصهينة ليست السبب الوحيد الذي جعل الرئيس الفرنسي يتكلم عن النقاب و كأن 90% من الفرنسيات يضعنه، أو كأن كل المسلمات في فرنسا يضعنه، حيث يبدو جليا أن الحديث عن النقاب جاء في هذه الظروف التي تعيشها فرنسا لإشغال الرأي العام عن المشاكل الكبيرة التي تعاني منها الجمهورية الخامسة، و من يفتح صحيفة فرنسية يقرأ أكثر من موضوع حول التهديدات الإرهابية المحتملة ضد الأراضي الفرنسية رابطا تلك التهديدات بالمسلمين، و هو ما يعني أن هذه الأسطوانة المشروحة ستتكرر، و لأن ساركوزي ليس فرنسيا حقيقيا فقد يلجأ كما لجأت بريطانيا إلى عرض العضلات، حيث كشف موقع "فولتير" على الانترنت أن التفجيرات التي عاشتها بريطانيا في يوليو عام 2005 قام بها عناصر تابعين لجهاز الاستعلامات البريطانية لتقويض العرب و المسلمين داخل بريطانيا، و إن فعلتها بريطانيا عام 2005 و إيطاليا قبلها 2003، فلن يكون من الصعب خلق أجواء من الرعب و ربطها بالمسلمين ليتم تصفيتهم تماما من التراب الفرنسي التي يعتبرها الفرنسيون البوابة الأوروبية !  فالسياسية الفرنسية اليوم بعيدة كل البعد عن المصالح العربية، لأنها منحازة بشكل شبه كامل إلى إسرائيل، حيث أن الصحف التي تشن الحرب ضد الإسلام حاليا معروفة عناوينها و هي التي تشكل اللوبي اليهودي في فرنسا، في غياب ردة الفعل الحقيقة من المسلمين الذين بكل أسف انكمشوا، مفضلين حروبهم الخاصة ضد بعضهم، حرب المغاربة ضد الجزائريين، أو الجزائريين ضد المغاربة لأجل الاستحواذ على المساجد، و التي زاد في كارثيتها ما صرح به عمدة مسجد باريس " دليل أبوبكر" لإحدى المجلات اليهودية في فرنسا و هو الحوار الذي أثار جدالا كبيرا في الجزائر، امتدح فيه "دليل أبوبكر" إسرائيل و اعتبرها دولة "رائعة" في الوقت الذي لم تجف فيه دموع سكان غزة !  كلها إسقاطات نخشى أنها تساهم في هذه الحرب على الثواب، في الوقت الذي يلجأ إلى ال" دعم العربي" من دول الخليج و كأن دول الخليج تقع في كوكب زحل و تدين بالديانة السواحيلية، و إن يتبجح ساركوزي أنه يعرف الشخصية العربية جيدا فنتمنى أن تقف الدول الإسلامية في وجه المشروع الأوروبي الذي يبدأ حاليا من فرنسا لتقليم أظافر المسلمين و تجريدهم من كرامتهم و من شخصيتهم التي تبدأ باللباس و تنتهي بالحق في الوجود، حتى لا يصدر عمدة مدينة نيم قرارا بهدم مسجد من اثنين بحجة أن مآذنه تزعج راحة سكان المدينة في وقت صلاة الفجر، كما كشفت عنه أكثر من صحيفة.. !