10 شعبان 1430

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سؤالي هو: أنا طالبة تخرجت- ولله الحمد- هذا العام من الجامعة، وسأتقدم لدراسة الماجستير العام المقبل بإذن الله، لكن لدي طموح بأن أدرس اللغة العربية في إحدى الكليات، لأهمية هذه اللغة، خاصة وأنها تفيد تخصصي، ومعرفتي باللغة ليست بذاك المستوى، وسأكون منتسبة لأتمكن من دراسة الماجستير، لكني في نفس الوقت مترددة، وأخاف أن أشتت الوقت؟ فما رأيكم؟ بارك الله فيكم وفي جهدكم.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا الفضلى:
بداية .. مبارك عليكِ التخرج من الجامعة، هذا العام، ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكِ فيما درستِ، وأن يتقبله منكِ، وأن ينفع به المسلمين، كما نسأله سبحانه أن ييسر لكِ دراسة الماجستير، التي تنوينها العام المقبل بإذن الله، وأن يجعل ما درستِ وما ستدرسين في ميزان حسناتكِ يوم القيامة.. آمين.
دعيني في البداية أحيي طموحكِ لدراسة اللغة العربية، في إحدى الكليات، خاصة وأننا في زمن غفل فيه الكثيرون عن لغة القرآن الكريم، ولعلي لا أخفيكِ سرًا إذا قلت لكِ إن الكثير من شباب الأمة الإسلامية وفتياتها، من خريجي الجامعات- ناهيكِ عمن هم دون الجامعة- لا يعرفون شيئًا عن لغتهم الأصلية، اللغة العربية، بل إنني فُجِعْتُ عندما جمعتني إحدى حلقات القرآن، بأحد المساجد في شهر رمضان الماضي، باثنين أحدهما تخرج في كلية الطب ويعمل طبيبًا، والآخر عضو في هيئة التدريس بإحدى الجامعات، وقد كانا متعثريْنِ في قراءة الكثير من آيات قصارى سور جزء عم.
وأود أن ألفت انتباهك إلى أن اللغة العربية أقدم اللغات الحية على وجه الأرض، كما أنها لم تعد لغة خاصة بالعرب دون غيرهم، وإنما أضحت لغة عالمية يسعى لتعلمها ملايين المسلمين في العالم اليوم، وذلك لارتباطها بدينهم وثقافتهم الإسلامية، ففي ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة.
وتنبع أهمية اللغة العربية من ارتباطها الوثيق بالإسلام كدين ورسالة، وبالقرآن الكريم ككتاب خاتم منزل من عند الله عز وجل، فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم، لتنزل بها الرسالة الخاتمة، قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون).
وقد روي عن الإمام الشافعي (رضي الله عنه) أنه كان يتحدث عن الابتداع في الدين؛ فقال: "ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب"، بل إن الإمام ابن تيمية – رحمه الله- كان يعتبر "تعلم العربية وتعليمها فرضٌ على الكفاية"، وكان يرى أن "اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يُفْهَمُ القرآن ولا تفهم السنة إلا باللغة العربية، ومالا يتم الواجب إلا به، فهو واجب".
وقد أعجبني أنك أوضحتِ في رسالتكِ الأسبابَ التي دعتكِ لأخذ هذا القرار، وهي: "أهمية هذه اللغة"، وأنها "تفيد تخصصي"، كما أن "معرفتي باللغة ليست بذاك المستوى"، فضلا عن أنكِ "سأكون منتسبة لأتمكن من دراسة الماجستير"، فتوكلي على الله، فهو قرار صائب، وتوجه حكيم، وسييسر الله لك الوقت، فاحذري من محاولات الشيطان معك ليثنيَكِ عن قرارك، فيجعلك مترددة، ويخوفك من تشتت الوقت"، وكلها حيل ماكرة منه ليصرفك عن تعلم لغة القرآن، التي - إن أحسنتِ النية وجعلتِ القصد منها طاعة الله – لا يقل أجرها إن شاء الله عن أجر الاستغفار والذكر والتسبيح.
وأود قبل الختام أن أوضح لك أن الوقت هو العمر وهو الحياة، وأن الإنسان سيحاسب يوم القيامة عن عمره فيما أفناه، فقد أخرج الإمام الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟". وفي رواية للترمذي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟". وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" [أخرجه الإمام البخاري].
وختامًا؛ نسأل الله تعالى أن يصرف عنا معصيته، وأن يرزقنا رضاه والجنة، وأن يعيذنا وإياكم من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياكم إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنكم شياطين الإنس والجن، وأن يرزقنا وإياكم تعلم لغة القرآن، وأن يبارك لنا في أوقاتنا، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.