أنت هنا

الدفاع عن ألمانيا وأيضًا عن فرنسا!
11 شعبان 1430
د. محمد يحيى
في أعقاب حادث استشهاد المصرية مروه الشربيني على يد متعصب ألماني صليبي النزعة بعد أن هاجم حجابها، وهاجم من خلالها كل رموز الإسلام بل والإسلام نفسه واصفًا إياه بدين إرهابي.
وبعد الضجة التي أعقبت هذا الحادث، وأيقظت العالم الإسلامي على نوازع الكراهية والعنصرية الموجودة في أوروبا ضد هذا العالم وعقيدته، فوجئنا في منابر علمانية عديدة في البلاد الإسلامية بأصوات تخرج لكي تدافع وياللعجب! عن ألمانيا وعن ما يحدث فيها، فإذا تابعنا مثلاً بعض أنماط هذه المقالات التي نشرت في صحف مصرية لوجدنا ما يأتي:
أولا: ظهر هناك كتاب علمانيون يقولون أن ألمانيا نفسها هي بخير، وأن الجميع فيها محبون للإسلام وأنهم لا يمارسون ضد الإسلام أي مشاعر عنصرية، بل على العكس، فإن الحادث الذي وقع، وكان فرديًا وجد الرفض التام من الجميع في ألمانيا، وهكذا وبجرة قلم خرجت ألمانيا وخرج سياسيوها وأحزابها ووسائل إعلامها وجمهورها العام والخاص جميعًا برءاء من دم الشهيدة مروه الشربيني بل وبرءاء من أي عمل يدعو إلى كراهية الإسلام أو يمارس بالفعل هذه الكراهية.
والمضحك المبكي في هذه العملية الغريبة التي سعت إلى تبرئة الألمان أو الدولة الألمانية أو المجتمع الألماني أو عناصر من هذا المجتمع من تهم العنصرية ومعاداة الإسلام، كانت هناك حملات تشن تارة باسم اليهودية، وتارة أخرى باسم المهاجرين الأجانب تشتكي كلها من انتشار تيارات العداء للسامية والعداء للأجانب ولا سيما أصحاب البشرات السمراء أو الصفراء أو الداكنة وهو عداء ذكرت هذه المصادر وهي غير إسلامية كلها أنه يسود وينتشر في المجتمع الإسلامي.
وهكذا، فبينما يقول اليهود أن المجتمع الألماني ومعه مجتمعات أخرى في أوروبا من شرقها إلى غربها تمارس العداء للسامية وتروج له وتنشره وتشجع تيارات اليمين المتطرف والمتعصب الذي يمارس اللا سامية فإن البعض ممن يقولون أنهم مسلمون ويكتبون في بلدان إسلامية يخرجون علينا في محاولات متعسفة ومستميتة وملحة لتبرئة ألمانيا، كل ألمانيا من هذا الداء الذي هو التعصب العنصري ضد الإسلام، والأدهى من ذلك أنه في الوقت الذي تشتكي فيه جماعات حقوق الإنسان وجماعات أخرى في المجتمع الألماني من سريان تيار العداء للأجانب داخل قطاعات واسعة في ذلك المجتمع وتطالب هذه الجماعات بإحقاق حقوق المهاجرين الغير شرعيين والكف عن سوء معاملتهم والكف عن طردهم من البلاد، فإن هناك من المسلمين من يخرج لكي يبرئ بعض جوانب المجتمع الألماني من تهم هي ثابتة فيه بحكم الممارسة وبحكم التاريخ بل وثابتة بحكم شهادات أبناء هذا المجتمع نفسه، وبحكم شهادات المنظمات اليهودية العاملة فيه.
فها نحن الآن مطلوب منا أن نصدق أن المجتمع الألماني يعاني من انتشار موجات العداء لليهود والسامية، ويعاني أيضًا من انتشار موجات العداء للأجانب على اختلاف ألوانهم وعقائدهم، لكنه بريء تمامًا من أي عداء للإسلام، رغم أن هذا المجتمع نفسه، وعلى لسان بعض وزراءه، وجد تأييدًا لظاهرة الرسوم المسيئة للإسلام التي ظهرت في الدنمرك منذ فترة، ووجدنا وزيرًا ألمانيًا يخرج ليقول أن نشر هذه الرسوم لا غبار عليه لأنها جزء من حرية العقيدة.
والواقع أن التيارات العنصرية في ألمانيا هي تيارات قديمة، بل تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر عندما ارتفعت نغمة الألمانية القومية البيضاء والآرية الموجهة ضد العناصر المختلفة، كما أن هذه العنصرية وجدت أرفع درجاتها شراسة في خلال عهد الحكم النازي في ألمانيا، حيث صنف البشر عمومًا على درجات كان أدناها هم البشر ساكنوا منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وهم في جلهم من المسلمين.
وفي الأعوام الأخيرة، نشطت في ألمانيا وفي بلدان أوروبية أخرى تيارات تدافع عن هذا الاتجاه العنصري، وهي التي عرفت باسم اليمين الجديد أو باسم النازيون الجدد، وغيرهم، وقد حققوا انتصارات ملحوظة في المجالس النيابية المحلية وفي مجالس البرلمان الأوروبي وعلى مستوى البلديات وغير ذلك، كما حققوا انتشارًا في أوساط الجماهير، وصارت لهم كلمة مسموعة في الإعلام على الأقل الصحفي.
فكيف يأتي الآن البعض ليحاولوا نكاية في الإسلام والمسلمين أن يبرءوا هذا المجتمع الألماني أو على الأقل جوانب مهمة منه من تهمة العداء للإسلام بينما هي تهمة ثابتة وموجودة كما يشهد بذلك على الأقل في حالات العداء لليهود وهي أصعب بكثير من حالات العداء للإسلام؛ لأن لليهودية مؤسسات قوية تنهض إذا مسها أذى إعلامي أو غير إعلامي، كذلك فإنه حتى للمهاجرين غير الشرعيين وهم الآن مرفوضون في طول أوروبا وعرضها، وتقوم الأحزاب المختلفة بوضع برامج لإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، أقول بالنسبة لهؤلاء فهناك تيار ملحوظ من العداء والرفض والعنصرية والمعاداة، فإذا كان هناك تيارات بمثل هذه الدرجة من العداء والشراسة لليهود وللعناصر غير البيضاء، فلماذا لا يكون هناك تيار يعادي الإسلام نفسه، وهو الذي توجد في أوروبا أسباب تاريخية عريقة لمعاداته ترجع إلى الحروب الصليبية وإلى قبلها عندما كانوا يرون أن الإسلام هو الخطر القادم إليهم من الجنوب الأندلسي.
إن الأصوات التي انطلقت بعد حادث الشهيدة مروه الشربيني لكي تدافع عن الموقف الألماني تحت شعارات الموضوعية أو قولة الحق، إنما انطلقت في الواقع نكاية في المسلمين ومحاولة مأجورة دفاعًا عن الجانب الأوروبي في أوساط المسلمين، فكأن هؤلاء يتكلمون باسم الغرب في أوساط المسلمين وعلى صفحات جرائدهم، والحقيقة أن هذا الدفاع عن ألمانيا كان له ذيل تمثل في الدفاع أيضًا عن فرنسا، وذلك تحية لموقف ساركوزي الأخير الذي هاجم فيه النقاب ودعا إلى حظره ولهذا الحديث مقال ثان.