ربوية الأوراق النقدية والرد على حمزة السالم
21 شعبان 1430
علي بن محمد بن علي حمدان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
موضوع الربا من المواضيع الأساسية في فقه المعاملات المالية لا سيّما المعاصرة منها، خصوصا في ظل انتشار المصارف والأسواق المالية في هذه الأزمان، ولا تزال الأمة تسمع بين الفينة والأخرى بأصوات نشاز تدافع عن المعاملات الربوية، ويثير الشبه حول التحريم، فيتصدى لهم علماء العصر، فتهافت تلك الشبهات كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور. وهؤلاء أصحاب الأصوات النشاز أساليبهم متعددة، ومشاربهم متنوعة، ولهم أهداف ومآرب كثيرة.

 

وقد قرأت ما كتبه الدكتور حمزة السالم حول جريان الربا في الأوراق النقدية المعاصرة، وذلك في مقالته المنشورة في جريدة الجزيرة في العدد13438 من يوم الثلاثاء 14 تموز 2009 م فرأيته بعيدا عن المنهجية العلمية التي يسلكها العلماء الربانيون في استنباط الأحكام الشرعية. وهذه نتيجة لعدم احترامه للتخصص الشرعي، فكان من الأجدر أن يترك الأمر لأهله.

 

وهذا المقال ردّ على الشيخ محمد بن يحيى النجيمي في مقاله المنشور في العدد 13432 ليوم الأربعاء 15 رجب 1430 ومن باب الانصاف فإن ردّ النجيمي لا يشفي غليلا لأنه ابتعد عن التأصيل وأخذ بذكر العموميات ونحى بمقاله منحى الاتهمام والخروج عن أصل الموضوع. نسأل الله الهداية للجميع فأحببت أن أشارك في هذا الموضوع بموضوعية ودون عصبية، فأسأل الله التوفيق والإعانة.

 

أقول عند البحث في مسألة فقهية لا بد من إتباع المنهجية العلمية التي أصلّها العلماء من جمع النصوص الواردة في المسألة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وتطبيق القواعد الأصولية والفقهية وهذا في ظل المقاصد الشرعية المعتبرة حتى يخرج الباحث بنتيجة موفقة سليمة.

 

وقد وقع السالم في أخطاء علمية ومنهجية لا بدّ من بياتها لك أيها القارئ الكريم حتى يتبين منهج الراسخين في العلم فتقتفي أثرهم. أوجز المناقشة في النقاط التالية:
أولا: ذكر السالم أن القول بربوية الفلوس قول خلافي، واستحسن جمهور العلماء قبل أربعين عاماً الأخذ به رغم ضعفه، وذلك لسياسات شرعية كانت مناسبة لذلك الزمان.
أقول: أتفق مع الكاتب بأن مسألة ربوية الفلوس المعاصرة مسألة خلافية،فقد خالف فيه أئمة من أهل العلم منهم الشيخ السعدي والعلاّمة محمد عليش المالكي وغيرهم. لذا فإن المسألة اجتهادية يسوغ فيها الخلاف وتتباين فيها وجهات النظر. أما المجامع الفقهية المعاصرة فهي مجمعة على ربوية الأوراق النقدية المعاصرة وهذا بيّن في قراراتها، وإن خالف بعض أعضائها.

 

وقد ذكر السالم أن القول بريوية الفلوس المعاصرة قول ضعيف، وأن مستنده سياسات شرعية مناسبة لذلك الزمان، وهذا الأمر غير صحيح إذ هو قول قوي له أدلة نصية وقياسية لا يتسع المقام هنا لبسطها وهي موجودة في كثير من الدراسات والأبحاث والرسائل الجامعية.

 

ثانيا: نقل السالم كلام الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في عدم ربوية الأوراق النقدية، واستنتج منه أن الشيخ يجيز المعاملات البنكية، وهذا افتراء على الشيخ رحمه الله لأنه لا يجيز تبادلها مؤجلة حيث قال: (ونهاية الأمر أن يحكم عليها بأحكام الفلوس المعدنية، يمنع فيها أن يباع حاضر منها بمؤجل وما سوى ذلك فجائز) الفتاوى السعدية ص 533 فاشتراط الشيخ السعدي رحمه الله الحلول في مبادلة الأوراق النقدية مع قوله بعدم ربويتها يدل على براعة فقهية عنده، إذ أن مبادلتها نسيئة ليس له معنى إلا القرض ومن المعلوم أن الربا في القرض يجري في جميع الأموال التي تقبل القرض، ولا يبحث في ربا القروض عن علة.

 

فعلى القول بعدم ربوية الفلوس لا يلزم من ذلك انتفاء الربا في معاملة الفلوس، فقد يدخلها الربا من باب آخر وهو ربا النسيئة، إذ لا يلزم في ربا النسيئة أن يكون طرفا المبادلة من الأصناف الربوية، ولذا فرّق الفقهاء بين علة ربا الفضل وعلة ربا النسيئة.كما هو عند الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة والتي رجحها الشيخ السعدي وغيره. ومن المعلوم عنصر الأجل أساس في معاملات المصارف لأن المصرف الربوي ما هو إلا تاجر ديون.

 

هذا وقد صرح الشيخ السعدي رحمه الله بأن حكمها حكم العروض والفلوس المعدنية، وهي محل لربا النسيئة على الراجح عند الحنابلة فلا يجوز مبادلة الفلوس المعدنية نسيئة وإن كانت ليست من الأموال الربوية عندهم. ودخول ربا النسيئة في العروض أمر مشتهر عند العلماء، قال العلامة عليش المالكي: (وكأنه أطلق في قوله لا ربا في العروض ومراده نفي ربا الفضل لوضوحه؛ إذ لا يخفى على من له أدنى مشاركة أن ربا النساء يدخل في العروض، حكاه عن شيخه المنوفي.) مواهب الجليل 12/370

 

ثالثا: ما نقله الكاتب من فتوى علماء الأزهر وما قاله الشيخ محمد الأشقر والدكتور عبد الرحمن يسري فيجاب عنه من وجوه:
أ‌- قول واجتهاد علماء الأزهر ليس بحجة، كما أن قرارات المجامع الفقهية ليست بحجة عند الكاتب مع العلم بأن قرارات المجامع الفقهية أقوى من فتوى الأزهر..

 

ب‌- فتوى مجمع البحوث الإسلامية تتحدث عن استثمارات البنك بشرط أن يكون وكيلا عن العميل، وهذا خارج محل النزاع لأن محل النزاع هو ربوية الفلوس المعاصرة، وليس التكييف الشرعي للعمولات التي يأخذها المصرف من عميله.

 

ت‌- هذه الفتوى أباحت المضاربة مع اشتراط ربح معين وضمان رأس المال، وهي ليست خلافية كما زعم لأنها مخالفة لما عليه إجماع العلماء، قال ابن المنذر رحمه الله: (أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة. اهـ

 

ث‌- الفتوى مخالفة لقرار مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في شهر المحرم سنة 1385هـ - الموافق مايو 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة إسلامية في عهد العلامة حسن مأمون شيخ الأزهر. وقد قرر المؤتمر بالإجماع بشأن المعاملات المصرفية وفيه (أعمال البنوك من الحسابات الجارية، وصرف الشيكات، وخطابات الاعتماد، والكمبيالات الداخلية، التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل - كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا. والحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة.

 

ج‌- قول الشيخ الأشقر ليس بحجة على غيره، وأورده على سبيل التأمل والدراسة وليس تقريرا له، مع أنه استشكل هذا القول في عدم معالجة أمر القروض فتأمل

 

ح‌- اقترح الشيخ الأشقر معاملة الأوراق النقدية معاملة الفلوس، ولكن الشيخ عفا الله عنه لم يحقق حكم تبادل الفلوس عند المذاهب ونسب جواز مبادلتها نسيئة مع التفاضل إلى الحنابلة والشافعية والمالكية، وهذا ليس دقيقا لأن الحنابلة منعوا من تبادل الفلوس بعضها ببعض وبالدراهم نسيئة كما جاء في الإنصاف كذلك الأمر عند المالكية على ما جاء في المدونة وغيرها.ولو اقتصر الشيخ الأشقر على نسبة القول إلى الشافعية فقط لكان صحيحا لأن علة ربا الفضل وعلة ربا النسيئة واحدة عندهم.

 

خ‌- ما نقله الكاتب عن الدكتور عبد الرحمن يسري مجملا ويتعلق بمسألة خارجة محل النزاع وهي مسألة تدهور قيمة العملة، وإلا فإن الدكتور آراءه لا تختلف عما قررته المجامع الفقهية من حرمة تعاملات البنوك الربوية وأوضح ذلك تماما في كتابه قضايا إسلامية معاصرة في النقود والبنوك والتمويل، ليت الكاتب يرجع فينظر فيه.

 

ومما سبق نقول إن معاملة الفلوس المعاصرة نسيئة بعضها ببعض لا يمكن لعالم رباني يقول بجوازه بل أجزم أنه إجماع مقطوع به، لأن حقيقته القرض والقاعدة الشرعية المعروفة (كل قرض جرّ منفعة فهو ربا).

 

رابعا: ربا الديون وربا البيوع: دندن السالم بالفرق بين ربا البيوع وربا القروض، واتهم غيره بالخلط بينهما، لكن في الحقيقة هو الذي خلط بينهما وتبين عواره في هذه الجزئية، وليته فهم الفرق بينهما، وأدى به ذلك إلى إلزام غيره بأن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم مرابيا، وأن فيه اتهام لعلمائنا بأنهم يفتون بجواز الربا.
والحقيقة أن هذه المسألة هي السبب الرئيس في زلة هذا الكاتب وعدم فهمه لكلام العلماء أوقعه في هذا الزلل الكبير، وهذا دليل على عدم أهليته في الكتابة في هذا الموضوع، لذا أنصحه أن يترك الكتابة في هذا الموضوع لأنه ليس من صناعته، واللبيب يترك ما لا يحسنه.

 

أقول: المقصود بربا الديون ما كانت العرب تفعله وهو الزيادة عند قرض الدراهم والدنانير أو قلب الدين على المدين والمعروف بأنظرني أزدك. وأما ربا البيوع فهو الذي جاءت به السنة والمعروف بربا الأصناف الستة، وهو قسمان ربا الفضل وربا النسيئة.

 

وفي هذه النقطة مسائل يبدو أن الكاتب لم ينتبه لها، نوجزها في النقاط التالية:
1) أهمية البحث في علة الربا نافعة في ربا البيوع وليس في ربا القروض، إذ الربا في عقد القرض يجري في جميع الأموال القابلة للقرض وهذا بإجماع أهل العلم حتى ابن حزم رحمه الله والذي يقول بحصر الربا في الأصناف الستة،يرى أن ربا القرض في كل شيء

 

2) تبرز هنا مسألة دقيقة مهمة وهي تكييف العقد هل هو عقد بيع أو عقد قرض، إذ أن الفرق بين البيع والقرض دقيق جداً، لأن القرض تمليك فيه معنى المعاوضة وليس تبرعاً محضاً.

 

من خلال التأصيل السابق يتبين الخطأ الأساس الذي وقع فيه السالم، وهو وهمه في تكييف العقد بين البيع والقرض، فزعم أن يفرّق بينهما على أساس النية، وهذا خطأ في فهم الكاتب وسأبين ذلك من خلال ذكره لمسألة بيع الحيوان بالحيوان، ونقله لكلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في التفريق بين عقدي البيع والقرض ولنبدأ بمسألة بيع الحيوان بالحيوان فأقول: عند دراسة مسألة فقهية لا بد من إتباع منهجية علمية متعارف عليها عند أهل العلم، ومن أبجديات هذه المنهجية تتبع النصوص الواردة في المسألة وعدم إهمال أي منها والملاحظ على الكاتب أنه تجاهل هذا تماما وتعلق بأحاديث تجيز مبادلة الحيوان بالحيوان متفاضلا ونسيئة كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيشاً فنفدت إبل الصدقة، فأمره أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة).

 

ولكن ثمة نصوص أخرى في المسألة تجاهلها الكاتب أوردها على النحو التالي:
1) ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وغيرهم من حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحيوان اثنان بواحد لا بأس به يداً بيد ولا خير فيه نساء)
2) ما أخرجه أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأخذوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الربا، قيل يا رسول الله احل بيع الفرس بالأفرس والنجيبة بالإبل قال: لا بأس إن كان يدً بيد).
3) ما أخرجه ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لا يصلح الحيوان بالحيوانين، ولا الشاة بالشاتين إلا يداً بيد)
4) ما رواه ابن سيرين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت لابن عمر البعير بالبعيرين إلى أجل فكرهه). ومثله عن طاووس عن أبيه عن ابن عمر.
5) قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: (العبد خير من العبدين والبعير خير من البعيرين والثوب خير من الثوبين، لا بأس به يداً بيد إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن).
6) ما رواه سعيد بن المسيب قال: سئل عمر عن الشاة بالشاتين إلى المحيا يعني الخصب، فكره ذلك.

 

فدلت هذه الآثار بمنطوقها على عدم جواز التفاضل والنسيئة في بيع الحيوان بجنسه أو الثوب بجنسه ونحو ذلك، مما يدل دلالة واضحة على أن علة ربا الفضل مختلفة عن علة ربا النسيئة، فتأمل.
لذا فلا بد من الجمع بين هذه الآثار وبين الآثار التي تدل على جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة مع التفاضل عملا بالقاعدة الأصولية الجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وقد تباينت مسالك أهل العلم في الترجيح أو الجمع بين الروايات الواردة في المسألة، ولا مجال هنا لتفصيل ذلك، لكن ممن جمع بينها بجمع موفق الإمام مالك رحمه الله تعالى إذ قال: الحيوان بالحيوان لا يجوز فيه النسيئة إلا أن تختلف فيه الأغراض والمنافع بالنجابة والفراهة ونحو ذلك لأن عند اتحاد المسمى في المال القيمي والمنفعة فليس لمعنى المبادلة إلا القرض وحينئذ تخرج من حيز البيوع. ويدل على ذلك تعبير حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وفيه (فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة) والقلاص هي الحقاق والجذاع التي لا تصلح للغزو بخلاف البعير البازل والعظيم الذي يكون للغزو، فاختلاف الغرض والنافع أقيم مقام اختلاف الأجناس، والله تعالى أعلم

 

خامسا: ما نقله الكاتب من كلام فضيلة العلاّمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث ذكر أن الفرق بين البيع والقرض هو نية المتعاقدين فيجاب عنه من وجوه:
1) قال الشيخ العثيمين رحمه الله: (إذا قال: قائل ما أخرج القرض عن البيع...) فسياق كلام الشيخ عن وجه استثناء القرض الشرعي من جهة وجود الأجل فيه، وليس من جهة وجود الزيادة على القرض.

 

2) ليس مراد الشيخ رحمه الله أن كل ما كان بيعا فالزيادة فيه جائزة، وكل ما كان قرضا فالزيادة فيه محرمة.

 

3) ذكر الشيخ رحمه الله وجه الإحسان في القرض فقال: (فهو إذاً عقد إرفاق ولا يقصد به المعاوضة والمرابحة، وإنما هو إحسان محض، ولهذا جاز القرض مع أن صورته صورة ربا) لكن الكاتب أجاز صورة القرض مع الزيادة،فبيع الريالات بالريالات مع التفاضل والزيادة أي إحسان فيها، أليس قصد المصارف الاسترباح والمعاوضة، فما معنى الإحسان الذي أراده السالم.

 

4) وعلى هذا فإني أتفق مع السالم أن تمويل الشركات من البنوك ليس قرضا شرعيا، وأختلف معه في أنه قرض ربوي وإن شئت فقل بيعا ربويا فالنتيجة واحدة. لذا أنصح الكاتب أن يتقي الله تعالى وأن يكون موضوعيا فيما يكتب عن أهل العلم.

 

5) كأن السالم يرى أن تمول الشركات الكبرى وإيداع المساكين لدى المصارف وأخذ فائدة على ذلك لا يعد ذلك قرضا لأن المقصود منه المعاوضة وليس الإرفاق، وهذا لعمر الله قلب للحقائق ومخالفة لما عليه إجماع العلماء المعتبرين، ومن أقوى الردود عليه في هذه النقطة فتاوى الشيخ العثيمين رحمه الله في حكم تعاملات البنوك وأنها من قبيل الربا المحرم في أكثر من مناسبة، ولم يفرق بين حالة الإحسان وعدمها، أتظن أن الشيخ تناقض بين تأصيله وفتواه أو أن الخلل في فهم مراد الشيخ.

كذلك نص الشيخ العثيمين رحمه الله على مسألة الإيداع في المصارف وأن تكييفها الشرعي هو قرض فقال:(ولاحظ أن الإيداع عند البنوك من باب القرض، والناس يسمون إعطاء البنوك الأموال إيداعاً، وهذه تسمية خطأ، بل هي في الحقيقة قرض، ولهذا ينتفع بها البنك ويدخلها في رأس ماله ويتجر بها ويضمنها لو تلف ماله كله؛ لأنه قرض، والعلماء نصُّوا تصريحاً بأنه إذا أذن المودِع للمودَع أن ينتفع فهذا يعتبر قرضاً.) فرتب الشيخ رحمه الله حكم القرض على آثاره وليس على نية المتعاملين فتأمل.

 

6) مما يدل على ترتب حكم القرض على آثاره أثر الزبير بن العوام رضي الله عنه، وفيه: (إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة) أترى أن الزبير كان محتاجا للاقتراض، أو كان غنيا كما هو الحال في المصارف المعاصرة، ولماذا اعتبره رضي الله عنه سلفا مضمونا عليه.

 

فالخلاصة أن يقال: الذي يحدد تكييف العقد بين البيع والقرض هو النظر إلى عوضا المبادلة، فإذا اتحد فيها الجنس كان الغرض من العقد القرض وليس البيع، وإذا اختلف الجنس كان العقد من قبيل البيع، ويقال أيضا الذي يحدد اتحاد أو اختلاف الجنس هو المسمى في الأموال المثلية، بينما الذي يحدده في الأموال القيمية اتفاق المسمى مع اتحاد الغرض والمنفعة منه، وبهذا تجتمع النصوص والله تعالى أعلم. وممن أشار إلى مثل هذا المعنى الخرشي من المالكية حيث قال: (والشيء بمثله قرض).

 

سادسا: العلة بين الوزن ومطلق الثمنية والثمنية الغالبة:
حاول السالم إبراز علة الوزن وكأنه القول هو القول الراجح، ولكن المحققين من أهل العلم كابن قدامة وشيخ الإسلام وتلميذه وغيرهم ضعفوا التعليل بالوزن لأدلة منها:
أ‌- الإجماع على جواز سلم الدراهم والدنانير في سائر الموزونات. ولو كانت العلة الوزن ما جاز ذلك لأن اجتماع أحد وصفي علة ربا الفضل كاف لتحريم النساء.

 

ب‌- أضف إلى ذلك أن التعليل بالوزن تعليل بوصف طردي محض لا تظهر منه حكمة، والتعليل بالوصف الطردي فيه خلاف مشهور بسطه في كتب الأصول.

 

ت‌- الذين قالوا بأن العلة هي الوزن لم يتقيدوا بذلك في التطبيق العملي ويظهر ذلك في مسألة بيع الفلوس متفاضلة ونسيئة كما هو الحال عند الحنابلة والحنفية والمالكية.

 

قلت: التعليل بالثمنية المطلقة، رجحه كثير من المعاصرين بل صدر بموجبه قرارات الهيئات العلمية والمجامع الفقهية.
والذي يبدو لي أن التعليل به ضعيف أيضا لأن كل شيء جاز بيعه، صح أن يكون ثمناً، وبالتالي تتسع دائرة الثمنية لتشمل كل مبيع.، وهذا لا يقول به أحد.
والتعليل بالثمنية الغالية هو الصواب إن شاء الله تعالى وبه تتحقق الحكمة من تحريم الربا في النقدين، وهذا الذي يتوافق مع المقاصد الشرعية وتستقيم الحياة به. وننبه هنا أن المقصود بالثمنية الغالبة أن تكون ثمنا رائجا في كل البلدان وأشار إلى هذا المعنى النووي إذ قال: (وأجابوا عن الفلوس بأن العلة عندنا كون الذهب والفضة جنس الأثمان غالبا وليست الفلوس كذلك فإنها وان كانت ثمنا في بعض البلاد فليست من جنس الأثمان غالبا)

 

وهنا أمر مهم أنبه عليه وهو سواء قلنا العلة هي الثمنية الغالبة أو مطلق الثمنية، فالأوراق النقدية يدخلها ربا الفضل وربا النساء، لأنها أثمان غالبة، ومبادلتها نسيئة ليس له معنى إلا القرض والزيادة فيه ربا سواء كان من الأصناف الربوية أو لا.

 

أما زعم السالم أن التعليل بالثمنية يبطل جريان الربا في الذهب والفضة لأنهما ما عادا أثمانا، فهذا زعم باطل لأن الذهب ما زال يستعمل كاحتياطي في المصارف المركزية وكوسيلة دفع دولية، والذهب والفضة أثمان خلقة ورد النص بهما فلا يجوز لاجتهاد إخراجهما من الأصناف الربوية.

 

سابعا: خلط الكاتب بين مفهوم العلة القاصرة وبين عدم تعليل الربا في الذهب والفضة: يظهر من كلامه أنه لا يفرّق بين عدم التعليل، وبين التعليل بالعلة القاصرة، والفرق بينهما بيّن يدركه أدنى طالب علم، حيث إنه نسب إلى الشافعية والمالكية القول بأن العلة في الذهب والفضة كونها ذهبا وفضة وهذا خطأ فادح سببه عدم معرفة السالم الفرق بين العلة القاصرة وعدم التعليل فالقول بأن تحريم الربا في الذهب والفضة كونها ذهبا وفضة هذا قول الظاهرية، وهم لا يقولون بالعلة قاصرة كانت أو متعدية.

 

أما الجمهور من الشافعية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد والذين قالوا بأن علة الربا في الذهب والفضة قاصرة، وعللوا ذلك بالثمنية الغالبة، أو جوهرية الثمنية، فلا يعني ذلك أن مذهبهم كمذهب الظاهرية. وبيان ذلك أن التعليل بالعلة القاصرة وهي جوهرية الثمينة عند العلماء إنما هي حكاية عن الواقع في زمانهم وقد يتبدل الواقع فيتبدل الحكم قال الإمام النووي رحمه الله في معرض كلامه عن جواز التعليل بالعلة القاصرة، قال رحمه الله تعالى: (ثم لغير المتعدية فائدتان: إحداهما: أن تعرف أن الحكم مقصور عليها فلا تطمع في القياس، والثانية: أنه ربما حدث ما يشارك الأصل فيلحق به). ومثل ذلك عن أبي الخطاب من الحنابلة والباجي من المالكية.

ومن هنا تبرز أهمية معرفة الواقع الذي عاش فيه الفقيه الذي أفتى في مسألة النقدية، سواء أفتى بحصرها في الذهب والفضة أو بتعديها إلى غيرها، إذ الخلاف في المسألة خلاف زمان وأوان وليس خلاف دليل وبرهان.

 

ثامنا: استحسن السالم إلحاق الفلوس المعاصرة بالفلوس القديمة أقول: القول بإلحاق الأوراق النقدية المعاصرة بالفلوس المعدنية القديمة قول قوي وله اعتباره وقد قال به أئمة معتبرين كالشيخ ابن عثيمين والشيخ البسام والشيخ الزرقا وغيرهم، بل إني أزعم أن هذا القول هو الراجح في المسألة.

 

ولكن الإشكالية أن السالم لم يعرف أحكام الربا في الفلوس القديمة، وليته طبّق أحكامها، ولو فعل ذلك لأصاب.
ولنأخذ أحكام الفلوس القديمة من حيث الربا فهي محل لربا الفضل عند الحنفية، وهذا عند الإمام أبي حنيفة والقاضي أبي يوسف بشرط عدم التعيين، وعند محمد مطلقاً، لأنها لا تتعين بالتعيين عنده وهي محل لربا النسيئة أيضا عند مبادلتها ببعضها، وذلك لأن علة ربا النسيئة عند الحنفية هي أحد وصفي علة ربا الفضل وهما الجنس أو المقدار ويظهر ذلك جلياً في:
أ‌- مسألة بيع الفلوس بعضها ببعض نسيئة قال البابرتي:(فإنه لو باع فلسين بواحد من الفلوس نسيئة لا يجوز بالإجماع المركب.وأما عندهما فلوجود النسيئة في الجنس الواحد، وأما عند محمد فلهذا ولمعنى الثمنية) العناية شرح الهداية 8/262

 

ب-أيضاً هذا واضح عند الحنفية في مسألة سلم الفلوس في الفلوس فإنه لا يجوز عندهم لوجود الجنس.
واختلف المالكية في الفلوس هل تكون محلاً لربا الفضل أو لا بناء على الخلاف عندهم في علة الربا في الذهب والفضة، فمن قال إن العلة مطلق الثمنية، قال بربوية الفلوس مطلقاً.ومن رأى العلة جوهرية الثمنية فلا تكون محلا لربا الفضل. ومما يؤيد ربوية الفلوس عند المالكية ما جاء في المدونة: (عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: الفلوس بالفلوس بينهما فضل فهو لا يصلح في عاجل بآجل وإلا عاجل بعاجل ولا يصلح بعض ذلك ببعض إلا هاء وهاء قال: الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس وبينهما فضل أو نظرة وقالا: إنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم الليث، عن يزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر قالا: وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف الفلوس بالدنانير والدراهم إلا يدا بيد وقال يحيى بن أيوب: قال يحيى بن سعيد: إذا صرفت درهما فلوسا فلا تفارقه حتى تأخذه كله) المدونة 8/305

 

والذي يظهر أيضا أن الفلوس محل لربا النسيئة عند المالكية وعليه لا يجوز مبادلة بعضها ببعض دون تقابض، ومما يدلّ على ذلك ما يلي:
أ‌- ما جاء في المدونة: (قلت: أرأيت إن اشتريت فلوسا بدراهم فافترقنا قبل أن نتقابض قال: لا يصلح هذا في قول مالك وهذا فاسد اعتبر المالكية مبادلة الفلوس بعضها ببعض أو بالذهب والفضة عقد صرف تطبق عليه أحكام الصرف). 8/305

 

ب‌- عدم جواز سلم الفلوس بعضها ببعض، أو سلم الدراهم في الفلوس جاء في المدونة: قلت: فإن أسلم دراهم في فلوس قال: قال مالك: لا يصلح ذلك.
قلت: وكذلك الدنانير إذا أسلمها في الفلوس، قال: نعم لا يصلح ذلك عند مالك.

 

ت‌- عدم جواز مبادلة الفلوس بعضها ببعض مع النسيئة والتفاضل لا يجوز عند المالكية بناءً على تأصيلهم لعلة الربا، حيث إن اتحاد الجنس يمنع النسيئة مع التفاضل، سواءً أكان المال ربوياً أو غير ربوي، وقد بسطنا تأصيل ذلك عندهم في مسألة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ويقال أيضاً إن تبادل الأوراق النقدية مع التفاضل والنسيئة لا يجوز عند المالكية بناءً على تأصيلهم لعلة الربا لأن اتحاد الجنس وتقارب المنفعة يمنع التفاضل والنسيئة، وذلك سداً لذريعة القرض الذي يجرّ نفعاً، والله أعلم.

 

والقول المعتمد عند الشافعية أن الفلوس ليست محلاً لربا الفضل حتى لو راجت. وهناك وجه شاذ عند الشافعية بجريان ربا الفضل في الفلوس والسؤال هنا هل الأوراق النقدية محل لربا الفضل تخريجاً على مسألة الفلوس عند الشافعية.والجواب عليه أنها محل لربا الفضل على قول الخراسانيين، وقد تقدم أنه وجه شاذ في المذهب.ولكن على القول المعتمد عندهم وهو عدم جريان ربا الفضل في الفلوس وإن راجت هل ينطبق ذلك على النقود الورقية اليوم.

 

إن الإجابة على هذا السؤال يتطلب معرفة قولهم " الثمنية الغالبة"، والذي يبدو أن معنى انتفاء الثمنية الغالبة في الفلوس، أنها لا تكون أثماناً في جميع البلدان، وإنما في بعض البلدان.قال النووي: (وأجابوا عن الفلوس بأن العلة عندنا كون الذهب والفضة جنس الأثمان غالبا وليست الفلوس كذلك فإنها وان كانت ثمنا في بعض البلاد فليست من جنس الأثمان غالبا) المجموع 9 /394

 

مما يدل على ذلك أن تعليل الربا في الذهب والفضة بجوهرية الأثمان وهي علة قاصرة لا يعني أنها تكون كذلك إلى يوم القيامة، بل ربما يأتي زمان تشارك الفلوس الذهب والفضة في العلة فتلحق بهما، كما قال النووي وغيره. ومما سبق يمكن القول بأن الأوراق النقدية محل لربا الفضل عند الشافعية، وينطبق عليها أيضاً أحكام الصرف، وذلك لوجود الثمنية الغالبة فيها، كوجود الثمنية في النقدين، فإنها أثمان في جميع البلدان، ولا يمكن لأحد أن يمتنع عن التعامل بها، بل يلزم بها قانوناً وعرفاً.

 

ومذهب الحنابلة في علة الربا في النقدين هي الوزن والجنس على أشهر الروايات، فعلى هذا فإن ربا الفضل لا يجري في الفلوس لأنها معدودة وليست موزونة إلا إذا اعتبرنا أصلها فتكون حينئذ موزونة فيجري فيها ربا الفضل وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، عليها خرج عدم جواز بيع الفلس بالفلسين.

 

قلت: تعليل ربا الفضل في النقدبن بالوزن والجنس تعليل لا يصح، وذلك لإجماع العلماء على جواز إسلام الذهب والفضة في سائر الموزونات، وعلى هذا فينبغي تحرير المسألة على الرواية الثانية عند الحنابلة وهي التعليل بالثمنية الغالبة. فهل الفلوس محل لربا الفضل على هذا التعليل.

 

في المسألة قولان عند الحنابلة:
القول الأول: لا ربا في الفلوس لأنها ليست أثماناً غالبة.
قال في الإقناع: (وعلة الربا في الذهب والفضة جنسية الأثمان غالبا كما صححه في المجموع ويعبر عنه أيضا بجوهرية الأثمان غالبا وهي منتفية عن الفلوس وغيرها من سائر العروض.، واحترز بغالبا عن الفلوس إذا راجت فإنها لا ربا فيها كما مر) 1/255

 

القول الثاني: أنها محل لربا الفضل إذا راجت،وهي الرواية الثانية عن أحمد واختار هذا القول أبو الخطاب الكلوذاني قال البهوتي: (ونص أحمد لا يباع فلس بفلسين) كشف القناع 3/240
وهي محل لربا النسيئة أيضا عند الحنابلة على الراجح عندهم، وعليه أكثر أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، خلافاً للحجاوي وابن عقيل والشيخ تقي الدين.
 قال في مطالب أولي النهى: (إلا في صرفه أي: النقد بفلوس نافقة فكنقد) فيشترط الحلول والقبض إلحاقا لها بالنقد على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ونص عليه وجزم به المنقح وتبعه في المنتهى خلافا له أي لصاحب الإقناع حيث جوز النساء في صرف الفلوس بالنقد تبعا لاختيار ابن عقيل والشيخ تقي الدين.) 8/173

 

ويقول الشيخ عبد الله البسام رحمه الله تعالى: (فإن الصحيح في مذهب الإمام أحمد أن القروش يجري فيها ربا النسيئة، ولا يجري فيها ربا الفضل.
وإلى هذا ذهب الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى حيث قال: (ونهاية الأمر أن يحكم عليها بأحكام الفلوس المعدنية، يمنع فيها أن يباع حاضر منها بمؤجل وما سوى ذلك فجائز)
ونصر هذا القول الشيخ ابن عثيمين فقال: (المسألة الثانية: هل يجري فيها الربا؟ من قال: إنها عروض فإنه لا يجري فيها الربا، لا ربا الفضل، ولا ربا النسيئة، كما أن العروض كتبديل الثوب بالثوبين، أو بالثلاثة، وتبديل البعير بالبعيرين لا بأس به، سواء تعجل القبض أو تأجل، كذلك هذه الدراهم، تبديل بعضها ببعضها ليس فيه ربا، فيجوز أن آخذ منك مائة دولار بأربعمائة ريال إلى سنة، أو ألف ريال بألف ومائتين إلى سنة؛ لأنه لا يجري فيها الربا، وهذا القول فيه نظر؛ لأن الناس يرون أن هذه العملات بمنزلة النقد، لا يفرقون بينها إلا تفريقاً يسيراً.

 

وقال بعض العلماء: إنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، فإذا أبدلت بعضها ببعض مع تأخر القبض فهذا حرام، سواء أبدلتها بالتماثل أو بالتفاضل، وإذا أبدلت بعضها ببعض مع القبض في مجلس العقد، فهذا جائز مع التفاضل.وهذا هو أقرب الأقوال في هذه المسألة، لا سيّما مع اختلاف الجنس.).الشرح الممتع 6/53

 

ومما يدل على جريان ربا النسيئة في الفلوس عند الحنابلة ما يلي:
1) عدم جواز السلم في الفلوس النافقة لأنها شبيهة بالصرف.
2) اشتراط الحلول والتقابض عند مبادلة الفلوس بالدراهم والدنانير.
3) اعتبر الحنابلة الفلوس ملحقة بالأثمان في باب الربا وعليه أكثر أصحاب الإمام أحمد خلافاً لابن عقيل والشيخ تقي الدين.

 

قلت: إن القول بجريان ربا النسيئة في الأوراق النقدية قول يدل على براعة فقهية محكمة عند فقهائنا لأنه يحقق مقصداً شرعياً معتبراً وهو سد الحيل المؤدية إلى القرض الربوي، إذ القول بعدم جريان ربا النسيئة في الأوراق النقدية يفتح باب ربا القروض على مصراعيه، وبالتالي تعقد القروض الربوية باسم البيع كما ذهب إليه السالم.

 

ومما تقدم يمكن أن نستنتج ما يلي:
1) القول بجريان الربا في الفلوس لا سيّما ربا النسيئة، قول قوي وله اعتباره بل هو الصحيح إن شاء الله تعالى، وقال به أئمة المذاهب الأربعة ومحقيقي المذاهب.
2) أهمية التفريق بين علة ربا الفضل وعلة ربا النسيئة، خاصة في فهم كلام العلماء في علة الربا، وإن الخلط بينهما يوقع في إشكالات وتناقضات، وهذا ما حدث للسالم فإنه توصل إلى نتيجة ما قال بها عالم رباني، وأخذ يلفق بين أقوال العلماء بطريقة عجيبة قائمة على الهوى وبعيدة عن الموضوعية.

 

وخلاصة القول: النتيجة التي قال بها السالم نتيجة ملفقة بطريقة عجيبة ما قال بها عالم رباني، لأن الصورة التي أراد السالم أن يثبت الخلاف الفقهي فيها وهي السندات لم يقل عالم رباني بجوازها لأنها من باب القرض الربوي المحرم شرعا، والربا كما أسلفنا يجري في كل الأموال المقترضة، والخلاف في علة الربا إنما هو في البيوع وليس في القروض. لذا أنصح الكاتب أن يحترم التخصص الشرعي ولا يقول إلا فيما يتقن.

 

تاسعا: زعم السالم أن المصرفية الإسلامية قامت على أساس قياس النقود المعاصرة على الذهب فاهتمت في الشكليات وأوقعت الناس في الحرج واتهمتهم بالفسق ونشرت مذهب الخوارج في ذلك، فهذا كلام باطل لأن فلسفة المصرفية الإسلامية قامت على أسس لإصلاح الواقع الاقتصادي، من التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية والربا جزء من هذا الواقع الأثيم. وإذا كان هناك من أخطاء في ممارسة أعمال الصيرفة الإسلامية فإنما هي أخطاء فردية وليست من النظام المصرفي الإسلامية، لذا فإننا نشدد على دور الرقابة الشرعية وأن تكون مرتبطة مباشرة بالمصارف المركزية.

 

ثم على القول بأن الأوراق النقدية المعاصرة محل للربا فلا يعني ذلك التضييق على الناس وذلك لأن الربا من المحرم لكسبه والحرمة فيه متعلقة بذمة الكاسب وليست في ذات الورقة النقدية وكما يقول العلماء تبدل اليد بمنزلة تبدل الذات. نسأل الله تعالى الهداية للجميع. والحمد لله رب العالمين.