24 شعبان 1430

السؤال

هل صحيح أن هناك فارق، وبون شاسع، بين تربية أبناء الأحياء الفقيرة أو المتوسطة الدخل وبين أبناء الطبقات الغنية؟، وفيما يكمن الفارق مع الأمثلة لو سمحت؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

السائل الفاضل:
معلوم ابتداءً أن الدعوة إلى الله تنقسم إلى أربعة أصول أساسية وهي:-
1- الداعية: وهو الشخص الذي سيقوم بمهمة تبليغ الدعوة للمدعو.
2- المدعو: وهو الشخص المستهدف توصيل الرسالة إليه.
3- الموضوع: وهو الرسالة أو المادة المستهدف إيصالها للمدعو.
4- الوسيلة: وهي الطريقة التي يختارها الداعية ليبلغ بها المدعو الرسالة الدعوية.
ومعلوم أيضًا أن وسائل الدعوة تختلف بحسب الداعية والمدعو والموضوع المطلوب تبليغه، وأن الموضوع أو الرسالة الدعوية تختلف في تقبلها من مدعو إلى آخر، بحسب تعليمه وثقافته وبيئته التي يحيا بها، ولكل مدعو الوسيلة التي تناسبه، والمدخل الملائم لطبيعته وشخصيته، وذلك حسب عمره وتعليمه وثقافته، كما أن الدعاة إلى الله ليسوا سواء، فمنهم الداعية الحافظ، والداعية الفاهم، والداعية المفوه، والداعية الخجول، والداعية المتفرغ والداعية المشغول... وهكذا.
وكذا خطيب الجمعة؛ لا بد أن يكون أريبًا، واعيًا، يدرك جيدًا خريطة المنطقة التي يقع فيها المسجد الذي يلقي منه خطبة الجمعة، فلا يعقل أن يلقي خطيبًا خطبة عصماء عن نعمة المال، وفضل المسلم الغني الذي يتصدق مما أعطاه الله، وعن ضرورة الإنفاق في سبيل الله، بينما هو يخطب في حي من الأحياء العشوائية، أو الفقيرة، أو قرية من القرى المعدمة، ولربما كان الحديث معهم أجدى وأنفع عن فضل الصبر على الفقر، والرضا بما قسمه الله، وعن نعم الله التي لا تحصى على العباد مثل: (البصر/ الكلام/ الصحة/الفراغ/.....).
وانطلاقًا من الدعوة والخطابة إلى التربية؛ وتأسيسًا على ما سبق، فإن هناك فروق كبيرة بين تربية أبناء الأحياء الفقيرة، أو المتوسطة الدخل، وبين أبناء الطبقات الغنية، وتتمثل هذه الفروق في النقاط التالية:-
1- الموضوعات أو القضايا محل التربية: فيفضل أن ينتقى المناسب منها لكل طبقة.
2- الأسلوب أو الطريقة التربوية: فحتما هناك لكل طبقة الوسائل التي تناسبها.
3- القائم بعملية التربية: فمن يصلح لتربية أبناء الطبقة الفقيرة قد لا يصلح للغنية.
وحتى تتضح الصورة؛ فإنني سأضرب المثال التالي:-
لو افترضنا أن هناك فلاح (لفظة الفلاح، مشتقة أصلاً من الفعل "فلح"، والذي يعني شق الأرض وقطعها.. بهدف الحصول على الثمرة، والذي تشتق منه أيضاً كلمة الفلاحة، والفلاح.. إلخ)، وهذا الفلاح معه بذور نبات الأرز، ويريد زراعتها، وأمامه ثلاثة أنواع من الأراضي: أرض صحراوية، وأرض طينية ماؤها قليل، وأرض طينية مملوءة بالماء، فأيهم الأرض المناسبة لزراعة الأرز؟!، لا شك أن الأرض الصحراوية غير صالحة، وأن الأرض قليلة الماء غير مناسبة، بينما الأرض التي يوجد حولها الماء بوفرة هي الأصلح لزراعة الأرز لأنه نبات لا يصح إلا بتعويمه بالماء ولفترات كبيرة‍!!.
وبيت القصيد أن لكل نوع من الأراضي النبات الذي يلائمه؛ وذلك وفقًا للظروف البيئية المحيطة، ودرجة حرارة الجو المحيط، ووجود الماء من عدمه، فكذا الأفراد المستهدف إخضاعهم لبرامج تربوية، فمنهم من عاش حياته في فقر متقع، ومنهم من عاش في بيئة متوسطة الدخل، ومنهم من عاش حياته مرفهًا، فالأخير قد تفزعه حياة الكفاف وتجعله يفر من التربية ومن المربي فراره من الأسد، فكل ميسر لما خلق له، غير أن المربي لا بد أن يراعي أيضا أن التربية هي حمل المربي على تغيير سلوكياته وتصرفاته غير القويمة واستبدالها بسلوكيات الإسلام العظيم، بأيسر الطرق وأحبها إلى النفس.
ولا شك أن التدرج أصل من أصول التربية؛ وان الزمن جزء من العلاج، وأن النفس تكره أن تحمل على ما لم تألف، ومن ثم فإن حملها على تقبل ما تكره أمر يحتاج إلى الحكمة العالية، والتدرج والمرحلية.
ولنا في كلمة الخليفة الخامس الراشد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في ختام حواره مع ابنه عبد الملك، وكان شاباً تقياً ورعاً متحمساً، ويرغب من والده أن يسرع في الإصلاح، ويقيم الحق والعدل دفعة واحدة مهما كانت النتائج والعواقب، فيقول لأبيه: "يا أبت، مالك لا تنفذ الأمور؟ والله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق"، فيجاوبه والده بحكمة، ويرشده إلى المنهج الإلهي في التغيير والإصلاح، فيقول له: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدعونه جملة، ويكون من ذلك فتنة" (العقد الفريد 1/14، في فقه الأولويات ص93، عن الموافقات للشاطبي 2/93. ).
وكما يجب على الأب أن يراعي طبائع وظروف أبنائه؛ فهذا صحيح وذاك مريض، وهذا قوي وذاك ضعيف، وهذا طويل وذاك قصير، وهذا ذكي وذاك أقل ذكاءًا، وهذا سريع الحفظ وذاك بطيء الفهم، وهكذا... إلخ، فإنه يجب على المربي أن يراعي الظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي عاشها الشاب المستهدف تربيته، وهذا من أوليات أصول وقواعد التربية الإسلامية.
وختامًا؛ فإن ما سبق لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب، في صورة وصف للداء وتشخيص للدواء، مع ثقتنا بأن على الله وحده الشفاء، وبه سبحانه الأمل والرجاء، نسأل الله تعالى أن يصرف عنا معصيته، وأن يرزقنا رضاه والجنة، وأن يعيذنا وإياكم من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياكم إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنكم شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.