مدير المركز النيجيري للبحوث العربية: الاتصال المعنوي موجود بين طالبان نيجيريا ونظيراتها.. للحركة داعمون داخل السلطة..
28 شعبان 1430
أمير سعيد
أكد الدكتور الخضر عبد الباقي محمد مدير المركز النيجيري للبحوث العربية أن ما حدث في الشمال النيجيري من تصفية عناصر كثيرة من جماعة بوكو حرام النيجيرية يدخل في سياق مشكلة هي "جزء من الأزمة الفكرية التي تعاني منها الأمة والتي ترتبط بشكل أساسي بالإشكالات الفلسفية الفكرية والتصورية التي تأسست عليها بعض الحركات الإسلامية".
وأوضح د.الخضر الذي يعمل أيضاً أستاذاً بجامعة الحكمة النيجيرية أن الغربيين سيتخذون مما جرى في نيجيريا مبرراً لبسط سيطرتهم (أكثر) على نيجيريا.
وأشار الباحث النيجيري البارز في نشاط التعريب والبحوث العربية في حواره مع موقع "المسلم" إلى جهود المركز النيجيري للبحوث العربية لما أسماه بـ"بعث صحوة علمية فكرية نوعية بين العلماء المثقفين بالعربية في المجتمعات الأفريقية غير العربية، من خلال تحريك الحياة العلمية الثقافية العربية،وجعل من أولوياته ردّ الاعتبار للغة القرآن الكريم واعتبارها مدخلاً أساسياً لتحسين وضعية مستواهم العلمي".
ودعا د.الخضر إلى تنسيق الجهود العربية في هذا المجال، كما أشاد بالجهود بالمبذولة في هذا السياق..
وإلى نص الحوار:
 
هل لديكم معلومات أكثر دقة عن أسباب تفجر الأحداث في شمال نيجيريا وانتهائها بمقتل زعيم "بوكو حرام"؟
هناك روايات عديدة عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور تلك الأحداث وتجدد المواجهة بين جماعة بوكو حرام والسلطات الأمنية في نيجيريا، إلا أنّ للبعد السياسي دوره في تأجيج المشكلة؛ فقد تصاعدت حالة الاحتقان والتوتر بين زعيم الجماعة وبعض القيادات السياسية في ولايات الشمال(بوتشي وبرنو) بعد فترة من الوفاق، واعتقال عدد من عناصرها لفترة طويلة في رهن الاحتجاز علاوة على تضييق الخناق على أنشطتها الدعوية وتحركاتها في المنطقة،كلها كانت من بين الأسباب التي دفعتها لشنّ هجوم مسلّح على مراكز الشرطة، ومما يقوّي محورية عامل الخلاف السياسي في الموضوع وجود دلائل مؤكدة على وجود دعم وتأييد كبيرين لهذه الحركة من قبل بعض القيادات والمسؤولين السياسيين رغم معرفتهم بمعتقدات تلك الحركة وتوجهاتها ضدّ التعليم الغربي.
في اعتقادكم ما هي الجذور الحقيقية لهذه الأزمة، في شقيها المباشر وغير المباشر؟
أعتقد أنّ هذه المشكلة جزء من الأزمة الفكرية التي تعاني منها الأمة والتي ترتبط بشكل أساسي بالإشكالات الفلسفية الفكرية والتصورية التي تأسست عليها بعض الحركات الإسلامية، نتيجة لقصور في الفهم وعدم الإدراك الصحيح للمقاصد الكلية للدين، وتمثلت الجذور غير المباشرة لهذه الأزمة في عدد من المضاعفات المتراكمة لمشكلات داخلية مزمنة(مشكلات اقتصادية/سياسية/دينية/عرقية قبلية.وغيرها)
لا تكاد تبدو ثمة علاقة ما أو اتصال مباشر بين طالبان أفغانستان أو باكستان من جهة، وما أطلق عليه اسم طالبان نيجيريا في تحليلات الخبراء، لكن ما الذي دعا البعض لإطلاق هذا المسمى؟
لا يمكن نفي وجود العلاقة أو على الأقلّ الاتصال بين مجموعة بوكو حرام وحركة طالبان أفغانستان أو باكستان لمجرد البعد الجغرافي، فالاتصال المعنوي موجود والانتماء للأفكار الدينية المتشددة قاسم مشترك بينهما، كما أن هناك الكثير من القنوات الحديثة التي تسهّل عملية الاتصال والتواصل بين الطرفين, وأما إطلاق اسم طالبان نيجيريا على الحركة فليس جديداً، فتحت هذا الاسم رفعت المجموعة شعارها عند أول ظهور لها عام 2003م وأطلقت على نفسها "طالبان نيجيريا" ولا تخفى ما في هذا الاسم من الدوافع السياسية والإعلامية.
 
إلى مدى يمكن أن يستخدم الحديث عن الإرهاب كمبرر للتدخل الدولي في شؤون نيجيريا الداخلية في نظركم؟
نعم، لا شك أن ّهذا الحدث قد وفّر مزيداً من الذرائع والمبررات التي قد تستخدمها الأطراف الدولية للتدخل في الشؤون الداخلية لنيجيريا، وهو مما تزايدت به المخاوف، لاسيما في ظل المعطيات الجديدة والتداعيات التي أفرزتها المناقشات المحلية الوطنية بعد الحدث، فقوى الإمبريالية والهيمنة تنتظر وتتحين الوقت المناسب لاستخدام تلك الورقة، وأذكر هنا، أن هناك تصريحات لبعض المسؤولين في الخارجية الأمريكية خلال المواجهات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين عام2004م كانت تشير إلى ذلك بوضوح.
تتحدث الأنباء دوماً عن أن نسبة المسلمين تتراوح ما بين 40 _ 50% من سكان نيجيريا، بينما تتحدث أوساط إسلامية عن نسبة تفوق ذلك بكثير، إلى أي التقديرات تميلون؟ وهل ثمة دلائل على ذلك؟
في الحقيقة هناك تضاربات في الأرقام والإحصاءات المتعلقة بعدد المسلمين في البلدان الأفريقية عامة وهو موضوع شائك ومقلق، أسباب ذلك معروفة في مقدمتها المخاوف السياسية وتداعياتها الاجتماعية على أوضاع القبائل والعرقيات ، وهذا ما يتضح في حالة نيجيريا، كما نشير إلى أن مشكلة تضارب الأرقام تعود لمصادر الاستقاء وجهات الصدور،فالملاحظ أنّ مصادر المسلمين تميل نحو المبالغة الشديدة في تقدير عدد مسلمي نيجيريا من65%-75% في حين تميل المصادر المسيحية الغربية إلى التقليل من العدد ما بين 40%-50% وتحاول المصادر الحكومية الرسمية أن تتجاهل الأمر أو تقول بالمناصفة ، والذي أرى هو أن نيجيريا تتمتع فعلا بكثافة عالية من المسلمين إلا أنّ هناك حالة ارتداد وتراجع للمدّ الإسلامي نتيجة جهود ونشاطات تنصيرية مكثفة خلال فترة العشرين السنة الماضية ومع ذلك لا يزال المسلمين يمثّلون الأغلبية من السكان بنسبة 60%
 
هل تشعرون حقيقة بالتهميش كمسلمين في نيجيريا لجهة الوظائف الفاعلة في الدولة؟
 لاشك في أن هناك تحديات تواجه مسلمي نيجيريا من بينها محاولات العناصر المسيحية تهميش المسلمين إلا أنّ الأمانة والموضوعية التي علمنا ديننا الإسلامي تقتضيان القول بأنّ ضعف درجة استجابة المسلمين للتحديات المجتمعية يعتبر أكبر تحدي، وكذلك عدم واقعيتهم في بعض المطالب وعدم فاعلية عناصرهم داخل مؤسسات المجتمع المدني، علاوة على عزوفهم عن المشاركة السياسية الإيجابية كلها عوامل ذاتية همّش بها المسلمون أنفسهم داخل الحياة العامة في البلاد، لكن هناك بوادر التحسن الآن والحمد لله.
يتردد أن غياب التنسيق بين الجمعيات والهيئات الإسلامية قد ترك أثراً كبيراً على أحوال المسلمين المعيشية والسياسية والإعلامية، إلى أي مدى يمكن اعتبار ذلك صحيحاً؟
هذا صحيح، وندعو المسؤولين عن العمل الإسلامي في أفريقيا عامة إلى أهمية تدارك الوضع من هذه الظاهرة التي ضعّف مخرجات العمل الإسلامي ، فعدم التنسيق ترتب عليها مظاهر سلبية في الساحة من ظاهرة تضخم المشروعات في منطقة وترهلها في مناطق أخرى وظاهرة التكرار وفقدان الجودة كلها من ملامح تلك الظاهرة.
ماذا عن الأنشطة التنصيرية في نيجيريا؟
التنصير تعددت أنشطته وحركاته ومجالات نفوذه في بلدان أفريقيا وهناك تركيز على دول معينة فيها مثل نيجيريا،لأسباب ودوافع معروفة، وأعتقد أن التحركات التي يقوم بها المدّ التنصيري حالياً يتوجه لاستراتيجية تطويق المدن والمناطق ذات الكثافة والعراقة الإسلامية في نيجيريا عن طريق إنشاء مدن كنيسية جديدة في الضواحي ومداخل المدن والقرى الكبيرة،وتأسيس مجمعات سكنية خدمية كبيرة فيها،فعلي سبيل المثال نجد على امتداد الطريق السريع بين مدينة لاغوس العاصمة التجارية للدولة ومدينة إبادن اليورباوية الشهيرة ما يقارب 20 مدينة كنسية جديدة على مئات هكتارات في الوقت الذي لا توجد للمسلمين نصيب في هذا الميدان!!
وكيف تقيمون جهود الدعوة الإسلامية والتثقيف الإسلامي بين أبناء الشعب النيجيري؟
هناك حضور دعوي لا بأس بها بين الشعب النيجيري، إلا أننا ندعو إلى ضرورة المراجعة النقدية للذات فالعملية الدعوية بمكوناتها المختلفة في حاجة إلى تجديد وتحديث على ضوء الاحتياجات المحلية, تجديد المفاهيم عن الدعوة والداعية وحدود العلاقة بينه والمجتمع،نحن بحاجة إلى دعاة ذوي نفوذ متعدد المجالات السياسية الاقتصادية الإعلامية الثقافية الاجتماعية وغيرها وليس الدينية فقط،وأرجو أن تأخذ المؤسسات المعنية بالدعوة في أفريقيا هذه الملاحظات في عين الاعتبار.
هل لنا أن تعطونا فكرة عن مجريات جهود التعريب ونشر اللغة العربية بين النيجيريين؟ وعن دور مركزكم في التوعية بأخوية العلاقة بين النيجيريين والعرب؟
الحمد لله هناك جهود كبيرة تبذل لنشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في بلادنا، فهناك العديد من المدارس والمؤسسات الأفريقية تعنى بهذا الأمر، والمركز النيجيري للبحوث العربية واحد من بين تلك المؤسسات غير أنّه نشاط متقدّم من المستوى المتطوّر وإضافة نوعية لتلك الجهود، فهو مشروع ثقافي حضاري اعتمد البحث العلمي منهجاً لبعث صحوة علمية فكرية نوعية بين العلماء المثقفين بالعربية في المجتمعات الأفريقية غير العربية،من خلال تحريك الحياة العلمية الثقافية العربية،وجعل من أولوياته ردّ الاعتبار للغة القرآن الكريم واعتبارها مدخلاً أساسياً لتحسين وضعية مستواهم العلمي،كما يعني المركز بالبحوث المتعلقة بالأوضاع الثقافية العربية العامة في بلدان أفريقيا، نسأل الله أن ينفع به.
 
هل ثمة تواصل فاعل ما بين المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي ونظيراتها في نيجيريا؟
نعم ، التواصل موجود على مستويات متعددة نظراً لتعدد طبيعة العلاقة التي تربط نيجيريا بالعالم الإسلامي، غير أننا ندعو وبشكل أخص إلى توسيع مجالات التواصل وتنويع المقاربات التي تمتّن تلك العلاقات مع الدول العربية، ونشدد على إعطاء الاهتمام أكثر بالبعد الثقافي في عملية التواصل والتعاون، فالارتباط بالأوساط الثقافية المحلية في أفريقيا جنوب الصحراء أكثر جدوى وديمومة من مجرد الاقتصار على العلاقات السياسية التي قد تعصف بها ظروف سياسية متقلبة.
 
يعتقد البعض أن ثمة صراعاً استراتيجياً مكتوماً بين الولايات المتحدة والصين على النفط النيجيري ربما أثار العديد من المتاعب والمشاكل الدينية والعرقية بشكل متعمد على نحو يبدو فيه عفوياً، هل تشاطرونهم الرأي؟
نعم هناك صراع محموم بين القوى الكبرى على أفريقيا(الولايات المتحدة-الصين) تحديداً لتأمين مصالحهما الاستراتيجية، والتي يأتي النفط في مقدمتها وهذا واضح في مساعي كل منهما، فهناك مشروع أمريكي معروف ب (قانون الفرص والنمو) "أغوا" وكذلك مشروع الشراكة الصينية الأفريقية وكلاهما لدعم التواجد السياسي وتأمين المصالح الاستراتجية لكل منهما في أفريقيا، وأعتقد أن الدول الأفريقية بما فيها نيجيريا لديها فرص يمكن استثمارها بذكاء على نحو يبعدها عن المتاعب والمشاكل الداخلية الدينية والقومية تحديداً.
تعاني دول إفريقية ذات غالبية مسلمة في غرب إفريقيا من تحديات متشابهة على الأصعدة السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، هل ترون أن من الملائم أن يحدث قدر من التعاون والتنسيق بين جهود الجمعيات الإسلامية من أجل النهوض بأحوال أبناء تلك البلدان؟
 التعاون للنهوض بالمجتمعات الأفريقية دعوة ملحة بل أسلوب آخر لإبراز حضارية الدعوة الإسلامية وإنسانيتها، وأدعو مؤسسات خيرية سعودية وعربية إلى تبني عقد مؤتمرات / ندوات /دورات لمناقشة هذا الموضوع وليس فقط موضوعات أو قضايا دعوية شرعية فقط على ما هو سائد، وسيكون لهذه الخطوة أثارها الإيجابية في التقارب مع المؤسسات الرسمية في عدد من بلدان أفريقيا.
ما الذي تأملونه من إخوانكم من الشعوب العربية لاسيما السعودية وهيئاتها الدينية؟
جزى الله المملكة العربية السعودية كل خير وحرس الله قيادتها على ما تقدمه من خدمات لمسلمي نيجيريا، غير أنني أدعو وبشدة إلى ضرورة المراجعة وإعادة النظر من جديد لآليات ووسائل المقاربة لتلك المساعدات والخدمات وفق احتياجات المسلمين في المنطقة على ضوء المتغيرات والمستجدات.
وهل تعتقدون أن زيارات الدعاة من الجزيرة العربية والأزهر إلى نيجيريا ستلقى ترحيباً شعبياً كبيراً أم أن لنيجيريا خصوصيتها في التعامل مع الدعوة الإسلامية؟
هناك ترحيب شعبي بكل ما يأتي من البلاد العربية عموما في أفريقيا ويزداد أكثر بما يأتي من المملكة العربية السعودية أرض الحرمين الذين ينظر إليهم الأفريقي باعتبارهم أحفاد رسول الله صلى ومثل هذه الزيارات تمثل دعما معنويا للمسلمين ورفعا لمعنوياتهم كما تحقق للمسلمين الكثير من المكاسب على الصعيد السياسي لاسيما زيارات المسؤولين العرب.